انحسار العولمة وتأثير أزمات العالم العصيبة «1 من 2»

  • 8/1/2022
  • 23:31
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

من الواضح أن العولمة، التي نالت الاستحسان على نطاق واسع في حقبة ما بعد الحرب الباردة، تسير الآن في الاتجاه المعاكس. لقد تعزز التباطؤ المطول الذي طرأ على التجارة العالمية بفعل الارتباكات المستمرة المرتبطة بالجائحة التي أثرت في سلاسل التوريد، والضغوط المستمرة التي تفرضها الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والجهود المبذولة لمواءمة العلاقات الاقتصادية عبر الحدود مع التحالفات الجيوستراتيجية "دعم الأصدقاء". تعمل هذه التطورات على تضييق الخناق على الصين، التي يمكننا أن نزعم أنها كانت المستفيد الأكبر من العولمة الحديثة. بين المقاييس العديدة للعولمة، بما في ذلك التدفقات المالية والمعلوماتية وتدفقات العمالة، يرتبط تبادل السلع والخدمات عبر الحدود ارتباطا وثيقا بالنمو الاقتصادي. ولهذا السبب إلى حد كبير، يشير تباطؤ التجارة العالمية، الذي بدأ في أعقاب الأزمة المالية العالمية خلال الفترة 2008 ـ 2009 ثم اشتد خلال أعوام جائحة مرض فيروس كورونا 2019 كوفيد - 19، إلى تغير هائل طرأ على العولمة. على الرغم من ارتفاع الصادرات العالمية من 19 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 1990 إلى ذروة بلغت 31 في المائة في 2008، فقد انخفض متوسط الصادرات العالمية في الأعوام الـ13 التالية "2009 ـ 2021" إلى 28.7 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. لو توسعت الصادرات العالمية على مسار 6.4 في المائة - المستوى المتوسط بين الوتيرة الحادة التي بلغت 9.4 في المائة خلال الفترة 1990 ـ 2008 والمعدل المتواضع الذي انخفض إلى 3.3 في المائة بعد 2008 - فإن حصة الصادرات من الناتج المحلي الإجمالي العالمي كانت لترتفع بشدة لتصل إلى 46 في المائة بحلول 2021، وهذا أعلى كثيرا من الحصة الفعلية التي تعادل 29 في المائة. كانت المكاسب التي حققتها الصين من عولمة التجارة غير عادية. في العقد الذي سبق انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في 2001، كان متوسط الصادرات الصينية 2 في المائة فقط من إجمالي الصادرات العالمية. وبحلول 2008، ارتفعت الحصة أربعة أضعاف تقريبا، لتصل إلى 7.5 في المائة. الواقع أن التوقيت الذي حددته الصين للتقدم بطلب الالتحاق بعضوية منظمة التجارة العالمية كان مثاليا، حيث تزامن مع ارتفاع كبير في دورة التجارة العالمية. ورغم أن الأزمة المالية خلفت تأثيرا كبيرا لفترة وجيزة في زخم الصادرات الصينية، فإن الانقطاع لم يدم طويلا. بحلول 2021، ارتفعت الصادرات الصينية إلى 12.7 في المائة من الصادرات العالمية، أعلى كثيرا من ذروة ما قبل 2008. من غير المرجح أن تحافظ الصين على هذا الأداء، مع تباطؤ نمو التجارة العالمية الإجمالي، وخضوع شريحة الصين من كعكة التجارة لضغوط متزايدة الحدة. تعد الحرب التجارية الجارية مع الولايات المتحدة تطورا معضلا بشكل خاص. خلال المرحلة الأولى من طفرة النمو الصيني التي قادتها الصادرات في أعقاب الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، كانت الولايات المتحدة على نحو ثابت مصدر الصين الأكبر للطلب الخارجي. وبسبب الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، لم تعد هذه هي الحال. بحلول 2020، انخفضت واردات الولايات المتحدة من السلع والخدمات الصينية بنحو 19 في المائة عن مستويات الذروة التي بلغتها في 2018. على الرغم من الانتعاش الحاد في أعقاب عودة الاقتصاد الأمريكي القوية بعد الجائحة في 2021، ظلت الواردات الأمريكية من الصين أقل بنحو 5 في المائة من الذروة التي بلغتها في 2018. ومن غير المرجح أن يفضي التراجع الجزئي عن التعريفات الجمركية المفروضة على منتجات استهلاكية منتقاة، التي تعدها إدارة الرئيس جو بايدن فيما يبدو مناورة لمكافحة التضخم، إلى إعطاء دفعة قوية للتجارة الثنائية... يتبع. خاص بـ «الاقتصادية» بروجيكت سنديكيت، 2022.

مشاركة :