انحسار العولمة وأزمات العالم العصيبة «2 من 2»

  • 8/2/2022
  • 23:16
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

من المرجح في الوقت ذاته، أن تتسبب ارتباكات سلاسل التوريد المستمرة المرتبطة بالجائحة في إلحاق خسائر فادحة بالصين وبقية العالم. على مدار الأشهر الستة المنتهية في نيسان (أبريل)، بلغ متوسط "مؤشر ضغوط سلاسل التوريد العالمية"، الذي وضعه باحثون في بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، 3.6، وهذا أعلى كثيرا من المتوسط الذي بلغ 2.3 في الأشهر الـ21 الأولى بعد بدء عمليات الإغلاق المرتبطة بالجائحة في شباط (فبراير) 2020، وأعلى بشدة من "الـصفر" الذي ارتبط بغياب ارتباكات سلاسل التوريد. هذه مشكلة ضخمة في عالـم متصل بسلاسل التوريد. كانت سلاسل القيمة العالمية تشكل أكثر من 70 في المائة من النمو التراكمي في التجارة العالمية الإجمالية خلال الفترة من 1993 إلى 2013، وتمتعت الصين بحصة كبيرة من هذا التوسع الذي عملت سلاسل القيمة العالمية على تمكينه. مع استمرار ارتباكات سلاسل التوريد، التي تفاقمت بسبب سياسات خفض الإصابات بكوفيد - 19 إلى الصـفر في الصين، من المرجح أن تظل الضغوط على النشاط الاقتصادي الصيني والعالمي شديدة. تـعـد التوترات الجيوستراتيجية المتصاعدة العامل المجهول الأساس وراء تراجع العولمة، خاصة تداعياتها على الصين. في واقع الأمر يعمل مبدأ "دعم الأصدقاء" على تحويل حسابات ريكاردو لكفاءة التجارة عبر الحدود، إلى تقييم للفوائد الأمنية التي تتأتى من التحالفات الاستراتيجية مع الدول ذات الفـكر المماثل. وتبدو الشراكة الجديدة غير المحدودة بين الصين وروسيا وثيقة الصلة بشكل خاص في هذا الصدد. مع اقتراب الصين من تجاوز الحدود بتقديم الدعم للجهود العسكرية الروسية في أوكرانيا، تحركت الولايات المتحدة أخيرا لفرض عقوبات على خمس شركات صينية أخرى من خلال ما يسمى قائمة الكيانات. علاوة على ذلك، توفر المشتريات الصينية من منتجات الطاقة الروسية مصدرا رئيسا لدعم الاقتصاد الروسي، وبالتالي مقاومة التأثير الذي تخلفه العقوبات الغربية غير المسبوقة. وهذا يزيد من خطر إدانة الصين بالذنب بالمشاركة. من ناحية أخرى، باتت علامات تراجع العولمة المالية أيضا واضحة، مع حرص الصين بشكل ثابت على تقليص حيازاتها من سندات الخزانة الأمريكية إلى مستويات غير مشهودة منذ 2010 ـ وهو تطور لا يبعث على الارتياح من منظور الاقتصاد الأمريكي الذي يعاني نقص الادخار والميل إلى العجز. لا شك أن الولايات المتحدة ليست متفرجا بريئا في هذه الفاشية من التوترات الجيوستراتيجية. من الواضح أن الشائعات المتقطعة حول رحلة مقبلة إلى تايوان تقوم بها نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب تتلاعب بوتر حساس في الصين، فيما يتصل بما تعده واحدا من اهتماماتها الأساسية. ويصدق ذات القول على دعم الحزبين الأمريكيين الرئيسين لتشريع مناهض للصين يشق طريقه ببطء عبر أروقة الكونجرس الأمريكي. مثلما حاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تبرير الحرب على أوكرانيا باعتباره دفاعا ضد توسع حلف شمال الأطلسي، فإن مخاوف الصين القائمة منذ أمد بعيد إزاء محاولات الاحتواء الأمريكية تلعب على وتر حساس مماثل داخل دوائر القيادة الصينية. أخيرا، حـذر هنري كيسنجر، مهندس السياسة الأمريكية الحديثة في التعامل مع الصين من ولع أمريكا "بمواجهة لا تنتهي" مع الصين ودعا إلى التحلي "بمرونة نيكسون" لحل نزاع متزايد الخطورة. لكن كما أزعم في كتابي المرتقب "صراع غير مقصود"، سيستغرق الأمر زمنا أطول كثيرا لإنهاء تصعيد الصراع الصيني الأمريكي. كانت العولمة دوما مصطلحا جذابا يبحث عن نظرية. صحيح أن التجارة كانت المادة اللاصقة التي عززت تكامل الاقتصاد العالمي. لكنها لم تكن المد المرتفع الذي رفع كل القوارب. بينما تكـتـنـف العالم أزمات عصيبة، مثل تغير المناخ، والأوبئة، وحرب جديدة صادمة في أوروبا ـ فضلا عن فجوات التفاوت المتزايدة الاتساع وما يرتبط بها من توترات اجتماعية وسياسية ـ أصبح الدفاع عن العولمة في حالة يـرثى لها. وستكون الصين أكبر الخاسرين. خاص بـ «الاقتصادية» بروجيكت سنديكيت، 2022.

مشاركة :