كيف نتغلب على أزمات ديون الأسواق النامية؟ «2 من 2»

  • 8/1/2022
  • 23:29
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

في الماضي، كانت حالات التخلف عن السداد السيادية مدفوعة بعدم رغبة الأسواق في تجديد الديون الحالية أو القيام بذلك بمعدلات الفائدة الباهظة فقط. وفي مختلف الاقتصادات الناشئة والنامية، أدت علاوات المخاطر المتضخمة على نحو مبالغ فيه، مدفوعة بتصورات مشوهة، إلى تضخيم الأثر المالي للديون السيادية، كما أنها كانت محركا رئيسا لأزمات السيولة ومخاطر التخلف عن السداد. إن الاقتصادات المتقدمة التي لها "الامتياز المسرف" المتمثل في إصدار العملات الاحتياطية عادة ما لا تواجه مثل هذه المخاطر. ونظرا إلى أن عملاتها تعد ملاذات آمنة، يمكنها جذب الاستثمار الأجنبي في السندات الحكومية وخزائنها، بصورة مستدامة، وترحيل ديونها باستمرار بتكاليف منخفضة، وتحمل حالات عجز دون ألم. لنأخذ على سبيل المثال، البنك المركزي الأوروبي، الذي اعتمد أخيرا إجراءات استثنائية لطمأنة المستثمرين، ووقف تقلبات سوق السندات استجابة للمخاوف المتجددة بشأن "مخاطر التجزئة" داخل منطقة اليورو. فبموجب "أداة مكافحة التجزئة" التي اعتمدها في آذار (مارس)، يحتفظ البنك المركزي الأوروبي الآن "بالحق في الانحراف عن تصنيفات وكالات التصنيف الائتماني في المستقبل إذا كان هناك ما يبرر ذلك، وبما يتماشى مع سلطته التقديرية بموجب إطار السياسة النقدية". وكان التأثير قصير المدى لهذه الخطوة ملحوظا، إذ بعد ذلك مباشرة، عرفت العوائد على سندات أعضاء منطقة اليورو الذين انهارت قواهم، تراجعا حادا. لكن يجب ألا تكون البنوك المركزية النظامية أقل اهتماما بالهوامش التي تتسع بصورة غير متناسبة بين الاقتصادات المتقدمة والنامية، وهو ما يمكن أن نطلق عليه "مخاطر التجزئة العالمية". فقد أدت إجراءات تشديد شروط التمويل التي اتخذها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنوك المركزية الرئيسة الأخرى، إلى تفاقم تحديات إدارة الاقتصاد الكلي للاقتصادات النامية، من خلال زيادة تقلبات أسعار الصرف، وزيادة مخاطر السيولة، وتوسيع هوامش الربح. وفي الماضي، نجحت البنوك المركزية النظامية في توسيع نطاق بعض المزايا التي تمنحها امتيازاتها المسرفة إلى دول أخرى. ففي ذروة الانكماش الوبائي، على سبيل المثال، عزز بنك الاحتياطي الفيدرالي ترتيبات تتعلق بمقايضة العملات "التي قدمت لأول مرة خلال الأزمة المالية لـ 2008"، ووسع نطاق التغطية الجغرافية لدعمه ليشمل عددا قليلا من الاقتصادات الناشئة. وأدت هذه الخطوة إلى ارتفاع قيمة العملة، وتحسين هوامش مقايضة الائتمان، وتراجع معدلات الفائدة طويلة الأجل في الدول المستفيدة. وإلى جانب التخفيف من مخاطر السيولة، فقد طمأن تمديد خطوط المبادلة المقومة بالدولار المستثمرين، ومن ثم أدى إلى وقف تدفقات رأس المال إلى الخارج، وتعزيز قدرة تلك الدول على تجديد ديونها. وعلى الرغم من أن الدول منخفضة الدخل لا تشكل خطرا شاملا على النظام المالي الدولي، إلا أن الجهود المتضافرة للتخفيف من مخاطر السيولة يجب أن تكون أولوية عالمية عالية، وأهم الأسباب هو أن عملية إعادة هيكلة الديون لها تكاليف باهظة. إذ تفيد تقديرات البنك الدولي أنها تؤدي إلى انخفاض نمو الإنتاج على المدى القصير. وبالنسبة إلى الدول التي تفتقر إلى حماية البنوك المركزية النظامية، فإن معدلات الاقتراض المدفوعة بالتخلف عن السداد تقوض استقرار الاقتصاد الكلي، وتقلل من المعروض من "رأس المال الصبور" على المديين المتوسط والطويل، الذي دونه لا يمكن للاقتصادات النامية الخضوع للتحول المطلوب لكسر الارتباط السلبي بين النمو ودورات أسعار السلع الأساسية. وعلى المدى الطويل، يتمثل الحل الأكثر استدامة لأزمات السيولة المتكررة في تطوير أسواق رأس المال المحلية العميقة والفاعلة والمنظمة جيدا في الاقتصادات الناشئة والنامية. وفي ظل إطار متكامل للسوق المالية، فإن أسواق إعادة الشراء المنتعشة ستعزز العلاقة بين سوق المال والسندات، ما يتيح ظهور أسواق رأس المال السائلة. وستساعد هذه الأسواق شديدة التكامل على بناء منحنيات عائد مناسبة لتحسين قرارات الاستثمار. ويمتلك العالم بالفعل أدوات فاعلة ومختبرة جيدا لمنع تكرار أزمات السيولة، وهو شرط أساس لبناء هذه الأسواق المتكاملة. وربما يكون إضفاء الطابع الديمقراطي على النظام المالي العالمي لتعزيز تأثيره الإيجابي في التنمية هو التحدي الأهم في مسارنا نحو تحقيق القدرة الدولية على تحمل الديون. خاص بـ «الاقتصادية» بروجيكت سنديكيت، 2022.

مشاركة :