أقطاب معتقلون فجرا في فندقهم المترف، رئيس في ورطة، نظام فساد مترامي الأطراف.. عناوين للزلزال الذي ضرب الاتحاد الدولي لكرة القدم وادي لانهيار إمبراطورية الفيفا وزعيمها الديكتاتور السويسري جوزيف بلاتر في أبرز حدث رياضي صادم في 2015. من زيوريخ إلى جزر كايمان مرورا بريو دي جانيرو وميامي، تعقبت السلطات الأميركية مئات الملايين من الدولارات المدفوعة خارج القوانين على مدى عشرات السنين، من أجل منح حقوق تنظيم كؤوس العالم لكرة القدم والحصول على حقوق البث التلفزيوني وثبت تورط. 39 شخصا من رموز الفيفا سقطوا في دائرة الاتهام (12 منهم أقروا بالذنب) وشركتان، معظمهم من أميركا الجنوبية وكونكاكاف (أميركا الشمالية والوسطى والكاريبي)، ومن بينهم نواب رؤساء فيفا حاليين وسابقين وآخر ثلاثة رؤساء لاتحاد كرة القدم البرازيلي. كل هذا في جو نهاية حكم الإمبراطور جوزيف بلاتر، 79 عاما، الشخصية المركزية المعاد انتخابها لولاية خامسة متتالية في مايو (أيار) الماضي، قبل دفعه إلى الاستقالة ثم إيقافه 8 أعوام، وذلك قبل الانتخابات المقررة في 26 فبراير (شباط) 2016. بلاتر الذي يحكم إمبراطورية الفيفا منذ عام 1998 كان يعيش في عالمه الخاص ظنا أن هذه المنظمة الكبرى ملكية خاصة له يعتقد دوما أنه والفيفا شيئا واحدا، لذا نزل قرار إيقافه مع الفرنسي ميشال بلاتيني 8 أعوام من ممارسة أي نشاط كروي كالزلزال على رأسه، وكانت ردة فعله بشعوره بـ«خيانة» لجنة القيم هو تأكيد على أن الرجل المخضرم لا يصدق أن المنظمة التي كان يمسك بزمامها أفلتت من يديه بل وانقلبت عليه. وفرضت لجنة القيم عقوبة الإيقاف ثمانية أعوام عن ممارسة أي نشاط يتعلق بكرة القدم على المستويين المحلي والدولي، على كل من بلاتر والفرنسي ميشيل بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي للعبة (يويفا) بتهمة خرق القواعد الأخلاقية في ما يتعلق بتحويل «مبلغ مثير للشبهة»، قيمته مليونا فرنك سويسري من بلاتر إلى بلاتيني في عام 2011. الرجل المصدوم رفع راية التحدي وأعلن أنه سيستأنف ضد العقوبة أمام لجنة الاستئناف (التابعة للفيفا) ثم أمام محكمة التحكيم الرياضي ثم أمام القضاء السويسري، ومؤكدا أنه لا يزال يأمل في حضور الاجتماع الاستثنائي للجمعية العمومية (كونغرس الفيفا) المقرر في 26 فبراير المقبل الذي يشهد انتخاب الرئيس الجديد للاتحاد الدولي. ويرى المراقبون والكثير ممن كانوا على مقربة من بلاتر أن رئيس الفيفا قد وصل إلى النهاية المخزية. ويقول غريغ ديال رئيس الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم: «بلاتر لن ينجو من هذه الفضيحة؟.. ما قاله أمر مضحك.. إنه لم يفصل نفسه عن الفيفا حتى الآن.. إنه يعتقد أنه والفيفا شيئا واحدا، وهذا أمر مؤسف أيضا.. إنه يرى الهجوم على الفيفا هجوما عليه هو شخصيا». في حين أشار جويدو توغنوني المدير الإعلامي السابق في (فيفا) إلى أن بلاتر يفتقد القدرة على إدراك الواقع، في رد فعله على عقوبة إيقافه لمدة ثمانية أعوام. وقال توغنوني: «بلاتر يعيش في عالمه الخاص. دائما يرى نفسه ضحية، منذ عشرات السنين.. وقتما يحدث أي شيء لا يرى أنه يستحق اللوم، وإنما يرى أنه الضحية». تاريخ بلاتر مع قضايا الفساد ليس اللحظة بل بدأ قبل 13 عاما. ففي عام 2002 رفعت ضد السويسري شكوى اختلاس من قبل 11 عضوا من اللجنة التنفيذية لفيفا الذي كان يتزعمه حينها أيضا لكنها سحبت لاحقا قبل أن يقرر بعدها القضاء السويسري إسقاط الملاحقة بحق مواطنه. لقد قاد سكرتير عام الفيفا حينها المحامي السويسري مايكل زين رافنين حملة ضد بلاتر بشأن سوء الإدارة، وانضم إليه 11 عضوا من إجمالي 24 عضوا بالمكتب التنفيذي في دعواه ضد رئيس الفيفا التي دعمت بمستندات من 300 صفحة. ودأب بلاتر على إنكار أي اتهام بارتكاب أخطاء وترديد أن المزاعم المثارة غير حقيقية وأن منافسيه في الانتخابات التي جرت عام 2002 هم من يروجون لها. وتبنى الكاميروني عيسي حياتو، الذي يتولى رئاسة «فيفا» بالإنابة حاليا بعد قرار إيقاف وحظر بلاتر، موقفًا معارضًا لبلاتر واتهمه بارتكاب «مخالفات قانونية يستحق اللوم عليها». غير أنه بعد فوزه في الانتخابات، انتقد بلاتر منتقديه بشدة وسخر من رافنين بأن لقبه بـ«السيد نظيف»، ثم صرح قائلا وبشعور المنتقم: «ألقيت برافنين خارج الباب». وبعد 13 عاما على تلك القضية، عاد بلاتر ليجد نفسه في قفص الاتهام لكن هذه المرة لم يكن هناك أي مفر من العدالة التي رأت أن هناك «تضارب مصالح» و«سوء إدارة» في قضية المبلغ الذي دفعه لبلاتيني عام 2011 عن عمل استشاري قام به الأخير لمصلحة فيفا بين 1999 و2001 دون أي عقد خطي بين الطرفين، وحكم على الرجلين بالإيقاف عن أي نشاط كروي لمدة 8 أعوام. لقد وقع بلاتر بعد أن لجأ محققو لجنة القيم لبرنامج خاص يستخدمه المراقبون الماليون من أجل كشف مبلغ المليوني دولار الذي دفعه لبلاتيني وقام بتحليل آلاف الحسابات في وقت سريع، من أجل تعقب عمليات نقل الأموال المشكوك بها. وأوضح أحد المقربين من لجنة القيم في الفيفا أن هذا البرنامج «يدقق بشكل خاص في الحسابات المتعددة الأصحاب». ويسلط البرنامج الضوء على أسماء الأشخاص الذين يرتبط بهم الحساب المشكوك به دون أن يكونوا الصاحب الأساسي للحساب. وكان المدعي العام الأميركي السابق مايكل غارسيا حقق في منح كأس العالم لروسيا عام 2018 وكأس العالم لقطر عام 2022، لكن مبلغ المليوني دولار لم يكن ضمن الأدلة الموجودة في تقريره وتم اكتشافه لاحقا بفضل هذا البرنامج، بحسب ما أكد المصدر. وتتولى السلطات السويسرية التحقيق بالمبلغ غير الشرعي الذي دفعه بلاتر لبلاتيني؛ مما سيؤجل النشر الكامل لتقرير غارسيا بشأن مونديالي روسيا وقطر وذلك لأسباب قانونية، بحسب ما يؤكد فيفا. وتحدث المصدر عن هذه المسألة قائلا: «لم يتخذ القرار النهائي بشأن نشر تقرير غارسيا»، مشيرا إلى ضرورة مراجعة النيابة العامة في بيرن للتأكد من أن النشر لن يؤثر على الأدلة في القضية القائمة حاليا، أي قضية بلاتر وبلاتيني. وأضاف أن أمام بلاتر وبلاتيني 10 أيام لاستئناف قرار الإيقاف الذي يحرم الأول من دخول مقر فيفا في زيوريخ والتحدث باسم السلطة الكروية العليا التي تزعمها لمدة 17 عاما، أو حتى المراسلة على ورق يوجد عليه شعار فيفا. وإذا كان بلاتر قد أعلن أنه سيلجأ للمحاكم لتبرئته من هذه القضية إلا أنه ليس ببعيد عن قضية الفساد الكبرى بإهدار نحو مائة مليون دولار التي تبحث فيها السلطات السويسرية والأميركية حاليا. ما يحدث في أرجاء الفيفا أزمة لا تصدق بحجمها، لكن غير مفاجئة بظهورها، شبهات الفساد تراكمت منذ سنوات حول حيتان بالمنظمة التي تحكم كرة القدم على غرار الترينيدادي جاك وارنر رئيس اتحاد منطقة كونكاكاف لعشرين سنة، والقطري محمد بن همام الموقوف مدى الحياة في 2012 وبلاتر الجالس على قمة نظام كرة القدم. ومع اعتبار أن نجاح ملف قطر باستضافة مونديال 2022 هو ما أثار الشبهات داخل جدران الفيفا خاصة بعد التقرير الشهير للمحقق الأميركي مايكل غارسيا الذي نشره الفيفا بطريقة «مغلوطة» أدت لانسحاب المحقق الفيدرالي السابق وانتقاله للصف المعارض للفساد المتفشي.. فقد كان شهر مايو الماضي هو موعد الزلزال المدمر حيث دخل المحققون السويسريون بالمشاركة مع نظرائهم الأميركيين لاصطياد سبعة من كبار مسؤولي فيفا في فندقهم الفاخر في زيوريخ على هامش انعقاد، مؤتمر كونغرس الفيفا الذي كان سيقود بلاتر إلى ولاية خامسة على التوالي. وتحدثت لائحة الاتهام الأميركية عن «ابتزاز منظم» ومائتي مليون دولار من الرشى والعمولات منذ عام 1991. وتصدت وزيرة العدل الأميركية لوريتا لينش للفضيحة، وقالت: «مستوى خيانة الثقة في هذه القضية مثير للاشمئزاز حقا ولا يمكن تصور حجم الفساد المزعوم»، متوعدة بمطاردة «الجناة الباقين في الظل». لقد تم اتهام 39 شخصا (12 منهم أقروا بالذنب) وشركتين، معظمهم من أميركا الجنوبية وكونكاكاف (أميركا الشمالية والوسطى والكاريبي)، ومن بينهم نواب رؤساء فيفا حاليين وسابقين وآخر ثلاثة «حكام» لكرة القدم البرازيلية. وكما في الأفلام ووراء الكواليس، كان هناك المترف الأميركي تشاك بليزر، أمين عام اتحاد كونكاكاف السابق، الذي لعب دور الجاسوس لمتورطين سابقين معه، في صفقة مع قضاء بلاده لتخفيض عقوباته الجزائية. تحركت لجنة القيم، فأوقفت بلاتر وبلاتيني، في قضية المدفوعات غير الشرعية، وبعدها تساقطت الرؤوس مثل أوراق الخريف، فتم عزل الفرنسي جيروم فالكه، أمين عام فيفا منذ 2007، من منصبه لمزاعم احتياله ببيع تذاكر مونديال 2014، ثم اتهم القيصر الألماني فرانز بكنباور بدفع مالي لفيفا من أجل الحصول على حق تنظيم مونديال ألمانيا 2006، فيما أوقف الكوري الجنوبي تشونغ مونغ جون (نائب رئيس فيفا السابق عن آسيا والمرشح للرئاسة) لستة أعوام في إطار دفعه لمبالغ لكي تفوز بلاده بتنظيم مونديال 2018. القضاء الأميركي وصف مستوى الفساد في فيفا بأنه «لا يمكن تصوره»، وبحسبه فإن مائتي مليون دولار أميركي من العمولات جالت على شكل رشى في أروقة الاتحاد الدولي منذ 1991.
مشاركة :