ترتكز أعمال الفنان التشكيلي المغربي عبد الله بلعباس على أسس جمالية متينة وبمقومات عالية ومهارات إبداعية لافتة من حيث ضربات الريشة واستعمال ألوان داكنة، لتترجم تعابير وجوه أدباء وفنانين مغاربة بأسلوب ومقومات تتخذ من الملامح أساسها لاستظهار ما يكابده المبدع والسارد بشكل خاص. لوحات بلعباس تحمل شحنة وجدانية تقوم على مرتكزات قائمة على الفراغات والبؤر والظلال وتعرجات الخطوط وضربات الريشة السريعة، استجابةً لحركة العيون وغموض الملامح المثقلة بالقلق والتساؤل والحيرة. في بورتريهات بلعباس، سيلاحظ المتلقّي أنه يحاول الغوص في كنه أصحاب تلك الوجوه وفي خبايا حيوات تصارع بالقلم تبدل الأزمنة وشراسة الواقع والاقتراب من الناس البسطاء لكتابة أدب واقعي، وهو يقول عن تلك «الوجوه»: «في هذا المعرض، بورتريهات لثلاثة من مؤسسي القصة القصيرة المعاصرة في المغرب: إدريس الخوري، ومحمد شكري ومحمد زفزاف، فمن جهة هناك مد لجسر بين التشكيل والأدب. ومن جهة أخرى هناك توثيق بصري لذاكرة الأدب المغربي المعاصر». وخلال افتتاح معرضه، مؤخراً، في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمدينة الجديدة، قال الباحث والناقد الأكاديمي عبد الحق جابر: «ندرك في لوحات بلعباس، أن ثقافته التشكيلية تضاهي مشاعره ومواهبه والتزاماته. فبالنسبة له، الفن ممارسة يومية، ودافع للوجود، والتزام دائم». ويجسِّد بلعباس في مقاربته التصويرية تعبيراً قوياً عن الحياة من خلال الصور الشخصية والمناظر الطبيعية. ويعكس إبداعه تواضعه الذي يتغذى على تحالف بين ضبط نفس محسوب وتضحية ذاتية مفرطة من أجل اختراق أعماق فكر الكائنات من خلال العلامات والألوان. وأكد جابر، أن أسلوب بلعباس يضفي على اللوحة حيوية تخترق النظرات لتصبح رسولاً للخيال. يسمح الفنان، من خلال تمثيل الوجه، للمتفرج البسيط كما للناقد الشغوف، برؤية شخصية مضطربة ومتأملة ومعبرة للغاية، إذ يوجد خلف كل وجه، تاريخ كامل وعمل كبير. وذكر أن فعل الرسم لبلعباس يمثل شكلاً من أشكال المقاومة التي تتجسد في بلاغة اللون واستخدام الخطوط والعلامات.
مشاركة :