مثّل مفهوم العنف ركيزة أساسية في بناء فكر«الإخوان» وجماعات «الإسلام السياسي»، ولا ينبغي تناول هذا المفهوم المحوري في فكر وممارسة هذه الجماعات المتطرّفة فقط بالمعنى المتداول، أي كآلية عنف مادّي من أجل الوصول إلى الحُكْمِ والاستمرار فيه باستعمال وسائل تسلّطية وإرهابية أحياناً ومخالفة للقوانين وفي تناقض واضح مع النضال السياسي والحزبي السلمي في أطُرٍ ونُظُمٍ ديمقراطية وتعدّدية تضمن الوصول إلى السلطة وتؤمّن عملية الانتقال السياسي في كنف استقرار المجتمع ومؤسّسات الدولة. ومناسبة العودة للحديث عن هذه الأساسيات في فكر الإخوان وجماعات «الإسلام السياسي» هو عودة المواجهات الأسبوع الماضي بين قوات الجيش الوطني التونسي وعناصر إرهابية في جبل السلّوم بمحافظة القصرين الداخلية بالشرق التونسي، وذلك بالتوازي مع الملاحقات القضائية التي يتعرّض لها قياديون من الحركة الإخوانية وهي ملاحقات لم تستثن رئيسها راشد الغنّوشي. ويبدو أنّه كلّما كانت حركة النهضة الإخوانية في وضعية صعبة وحرجة، تحرّك التطرّف والإرهاب في محاولة لضرب استقرار المجتمع والدولة وهذا الشكل من ممارسة العنف يُستعمل في الغالب للتخويف وهو يعني ضمنيا أنّه كلّما كانت هذه الجماعات آمنة على وضعها وسلطتها ومصالحها، غاب التطرّف وانعدمت الأعمال الإرهابية،وإنّ هذا الشكل التقليدي في ممارسة العنف ليس سوى أحد مظاهر العنف الذي ميّز ويميّز سلوكيات حركات «الإسلام السياسي» انطلاقاً من النشأة ووصولاً إلى مراحل محاولات السيطرة على مفاصل المجتمع والدولة فالتمكين. وفي كلّ هذه المراحل تمارس الحركات الإخوانية أشكالاً متنوعة من العنف بدءاً بطبيعة هذا الفكر الإخواني الذي يقوم على فكرة النفي التام لوجود الآخر من خلال وَصْمِ المجتمع الذي يعيش فيه هذا الآخر المختلف بـ«الجاهلية» وهي المرحلة الأولى قبل اعتبار هذه المجتمعات «ديار حرب» فيكفّرون ويستبيحون الأموال والأعراض ويعيثون في أرض «الكفّار» فساداً مثلما تُقرّه أدبياتهم التي لم يتخلّوا عنها حتى في مراحل التشبّه بالديمقراطية والتي أصبح من البيّن أنّهم يمارسونها من باب «التقيّة». إنّ فكرة النفي التامّ للآخر المختلف هي الفكرة المولّدة لما نسميه بالعنف التأسيسي لدى جماعات الإخوان و«الإسلام السياسي»، ثمّ يتفرّع هذا العنف إلى الخطاب فيكون إقصائياً مستهيناً بالذكاء الإنساني وبكرامة البشر، وإلى البرنامج فيكون محاولة يائسة لإجبار المجتمع على العيش وفْق ماض لن يعود أبداً، وإلى السلوك الذي ظاهره خير وباطنه شر مطلق لا محالة. والأصل في كلّ هذا هو توظيف الدين والأخلاق من أجل نيل الحُكْمِ والتحكّم في السلطة لبسط اليد على المجتمع والدولة، وإنّ جوهر الحقيقة هو أنّ المسألة متعلّقة فقط بالصراع المحموم على السلطة والذي يدفع الأطراف السياسية والحزبية إلى القيام بكلّ ما يجب من أجل الوصول إليها ولكن، المفروض أنّ هذا الصراع يكون بآليات قانونية وديمقراطية ومدنية، غير أنّ جماعات الإخوان يضربون عرض الحائط بهذه القيم والقواعد المشتركة بين الجميع ويسعون إلى استغلال المخزون القيمي الديني المشترك من أجل توظيفه في حربهم للوصول إلى الحُكْمِ وهو تحايل يفتح على شكل آخر من العنف. وإنّ مجمل تجارب حُكْمِ «الإخوان» وأساساً في مصر وتونس، أظهرت زيف سلوك وأخلاق هذه الجماعات، فقد كشفت عمليات إبعادهم عن السلطة نتيجة الانتخابات أو إثر مطالبات شعبية عن حقيقة الشيطان الكامن داخلهم، إذ هم استعملوا ويستعملون أقذر الوسائل التي تحطّ من قيمة البشر وذلك من أجل استرجاع سلطتهم، بدءاً بالعنف وتشويه الخصوم وهتك الأعراض وصولاً إلى تسوّل مواقف القوى الغربية التي يُعميها أحياناً غباء البحث عن شريك في «الديمقراطية» لدى جماعات «الإسلام السياسي» والإخوان والتي يعلم القاصي والداني أنّها تؤمن بالديمقراطية مرّة واحدة تلك التي توصلهم إلى السلطة. إنّ العنف إذن هو حجر الزاوية في الفكر الإخواني وهي ممارسة ممنهجة سواء كانت هذه الجماعات في الحُكْمِ أم خارجه، فاستعمال الديمقراطية ثمّ الانقلاب عليها عُنْفٌ، ومحاولة اختراق أجهزة الدولة والإدارة وسوء التصرّف في المال العام واعتباره غنيمة حرب هو أيضًا عُنْفٌ، والسعي المحموم لتغيير طبيعة المجتمع والدولة هو كذلك عُنْفٌ، ومن العنف تشويه الخصوم وهتك أعراضهم ولعلّ أكبر أنواع العنف هو زيف الأخلاق وانعدام القيم والإيهام بالتقوى والورع وهو لعمري انتحال صفة تجرّمه شرائع الأرض والسماء. طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :