يهدد استمرار تراجع قيمة العملة التركية بعرقلة صعود السندات الحكومية التي قدمت للمستثمرين بعضا من أعلى العوائد في الأسواق الناشئة خلال السنوات الماضية. وتراجعت العوائد على السندات الحكومية لأجل عامين لما دون العشرين في المئة للمرة الأولى في تسعة أشهر، بعد التغير في عوائدها الدولارية في ظل التحويلات النقدية التي دخلت من روسيا خلال الأسابيع الأخيرة. وتظهر المعطيات حول تعاملات سوق الدين أن العائد على السندات الحكومية التركية لأجل عامين انخفض بواقع 62 نقطة أساس إلى نحو 19.45 في المئة، وهو أدنى مستوى منذ الثاني والعشرين من نوفمبر الماضي. ويأتي هذا الوضع بعد انخفاض حاد في مقايضات التخلف عن سداد الائتمان في تركيا خلال الشهر الجاري، في ظل دخول تدفقات نقدية إلى البلاد من روسيا وتحسن الرغبة في المخاطرة. وتسلط حركة الأموال بين المصارف الأجنبية ونظيرتها التجارية التركية والسلطة النقدية الضوء على الأولويات المالية المتضاربة لواضعي السياسات في أنقرة. وكالة موديز: عجز حساب المعاملات الجارية يزيد احتياجات الاقتراض ويحاول المركزي التركي جاهدا تعزيز الاحتياطيات في ظل اتساع فجوة التجارة الخارجية، ويرجع ذلك غالبا إلى ارتفاع تكلفة واردات الطاقة. ومع هذا، يحتاج صناع القرار النقدي أيضا للاستمرار في دعم الليرة إلى ترويض تضخم أسعار المستهلكين الذي يناهز الآن 80 في المئة، بعدما ألقت الحرب في أوكرانيا بظلال قاتمة على مجمل النشاط الاقتصادي العالمي مع ارتباك كبير في سلاسل الإمدادات. ويقول محللون وخبراء إنه لدعم العملة التركية يجب على السلطات الحفاظ على التدخلات غير العلنية في سعرها مع استنزاف حيازات العملات الأجنبية. ولبى البنك المركزي حاجة السوق المحلية بمليارات الدولارات من العملات الأجنبية منذ ديسمبر الماضي، بالإضافة إلى التدخلات المباشرة في سوق الفوركس في عامي 2019 و2020، عندما باع 128 مليار دولار لدعم الليرة. وتقدر بلومبرغ إيكونوميكس أن المركزي تدخل في سوق العملات من خلال احتياطاته، بما يصل قيمته إلى 70 مليار دولار لدعم الليرة منذ بداية 2022 وحتى الآن. ومع ذلك لا تزال العملة التركية الأسوأ أداء عالميا، ولاسيما بين عملات الأسواق الناشئة من بين العملات الرئيسية منذ بداية هذا العام، بعدما فقدت حوالي 26 في المئة من قيمتها. وعلى مدار الشهر الماضي، جرى تداول الليرة بين 17.5 و18 ليرة لكل دولار، وسط استمرار ارتفاع التضخم وإحجام السلطات عن تبني أي تغيير في السياسة النقدية. وتتجه الليرة نحو الانخفاض، لكنها لا تزال ضمن نطاقها الضيق الذي جرى تداولها عنده خلال الفترة الماضية، وذلك قبل اجتماع البنك المركزي المقرر هذا الأسبوع. وفي السنوات الماضية، استخدم المركزي، الذي بلغت احتياطاته نحو 9.1 مليار دولار بنهاية يوليو الماضي، المقايضات مع البنوك المحلية لدعم التدخلات، وهي سياسة غير تقليدية أرعبت المستثمرين الأجانب والمدخرين المحليين. ونتيجة للمؤشرات السلبية خفضت وكالة موديز الجمعة الماضي التصنيف الائتماني السيادي لتركيا درجة واحدة من بي 2 إلى بي 3. وبرر معدو تقرير موديز نظرتهم هذه في تقرير نشرته الوكالة على منصتها الإلكترونية، بسبب ارتفاع ضغوط ميزان المدفوعات ومخاطر حدوث المزيد من الانخفاض في احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية. وترجح الوكالة أن يتجاوز عجز حساب المعاملات الجارية التوقعات السابقة بفارق كبير، مما يزيد احتياجات التمويل الخارجي في وقت تواجه فيه الأوضاع المالية صعوبة على المستوى العالمي، رغم أنها رفعت نظرتها المستقبلية لتركيا من سلبية إلى مستقرة. وأظهرت بيانات من وزارة الخزانة والمالية الاثنين أن الميزانية العامة سجلت عجزا قدره 64 مليار ليرة (3.56 مليار دولار) في يوليو الماضي، بينما سجل العجز الأساسي 47.3 مليار ليرة (2.6 مليار دولار). وبلغت مدفوعات الميزانية لخطة تعوض المودعين بالليرة عن الخسائر التي يتكبدونها مقابل أسعار العملة الصعبة، التي تم إطلاقها في ديسمبر الماضي لوقف تراجع العملة المحلية، 23.4 مليار ليرة (1.3 مليار دولار) في الشهر الماضي. وسجلت الميزانية في الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري فائضا قدره 29.5 مليار ليرة (نحو 1.6 مليار دولار)، وفائضا أساسيا بقيمة 180.9 مليار ليرة (نحو عشرة مليارات دولار). وفي المقابل بلغت مدفوعات الخطة التي تعوض خسائر المودعين بالليرة، 60.6 مليار ليرة (3.37 مليار دولار) في تلك الفترة. 70 مليار دولار حجم تدخل البنك المركزي التركي في سوق العملة منذ بداية العام الجاري وفي وقت سابق هذا العام أعلنت الحكومة أنها ستصدر نوعا جديدا من السندات الحكومية لدعم مدخرات العملة المحلية، حيث توعّدت بتبني هذا الإجراء للحدّ من التضخم وتعزيز قيمة الليرة المنهارة. وشرعت وزارة الخزانة والمالية منتصف يونيو الماضي في تقييم الطلب على ما يُسمّى “السندات المربوطة بالإيرادات”. وقالت “ستكون للورقة المالية مدفوعات فائدة ربع سنوية وتحمل الحد الأدنى من ضمان العائد”. وفي حين لم تذكر الوزارة أي معلومة أخرى عن برنامج السندات الجديد، استخدمت أنقرة بالفعل سندات الإيرادات لتقدم لمستثمري الليرة عوائد مرتبطة بالأداء المالي للمؤسسات الاقتصادية المملوكة للدولة. وفي مسعى آخر لحماية الليرة، قلصت الهيئة التنظيمية المصرفية، بالتنسيق مع الوزارة، فترة سداد القروض الشخصية التي تزيد قيمتها عن مئة ألف ليرة (5.6 ألف دولار) إلى 12 شهرا. كما رفعت الهيئة الحد الأدنى لمتطلبات الدفع على بطاقات الائتمان، في محاولة لإبطاء نمو قروض المستهلكين في السوق المحلية. وفي أبريل الماضي أطلقت أنقرة خطة لجذب تدفقات العملة الصعبة من خلال تقديم قروض بالليرة دون فوائد، وعائد مضمون قدره 4 في المئة على الدولار، للمستثمرين الأجانب الراغبين في إيداع أموالهم لمدة عامين على الأقل.
مشاركة :