بلغ التضخم البريطاني أعلى مستوياته منذ 40 عاما في يوليو (تموز) الماضي بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية خصوصاً، وفق ما أظهرت بيانات رسمية الأربعاء، ما يفاقم أزمة غلاء المعيشة، فيما تواجه البلاد احتمال حدوث ركود. وقال مكتب الإحصاءات الوطني إن مؤشر أسعار المستهلك ارتفع إلى 10.1 في المائة الشهر الماضي، بعدما كان 9.4 في المائة في يونيو (حزيران). وكان بنك إنجلترا حذّر في وقت سابق من هذا الشهر من أن التضخم سيرتفع إلى ما يزيد قليلا على 13 في المائة هذا العام، وهو أعلى مستوى له منذ العام 1980، كما توقع البنك أن تدخل البلاد في ركود يستمر حتى أواخر العام 2023، مع بيانات رسمية أظهرت الأسبوع الماضي أن الاقتصاد البريطاني سجل انكماشا في الربع الثاني من العام. وقال وزير المال ناظم الزهاوي عقب نشر أحدث بيانات التضخم: «أدرك أن الأوقات عصيبة والناس قلقون جراء الزيادات في الأسعار التي تواجهها دول العالم... والسيطرة على التضخم هي أولويتي القصوى. نتخذ إجراءات من خلال انتهاج سياسة نقدية قوية ومستقلة وفرض ضرائب معقولة، واتخاذ قرارات إنفاق، والقيام بإصلاحات لتعزيز الإنتاج والنمو». وأشار إلى أن الحكومة «تساعد حيثما أمكن» من خلال حزمة الدعم البالغة 37 مليار جنيه إسترليني. وتواجه بريطانيا أزمة في تكلفة المعيشة مع انخفاض قيمة الأجور بوتيرة قياسية. ومن المتوقع أن يسلم رئيس الوزراء بوريس جونسون، الذي أعلن الشهر الماضي تنحيه في 6 سبتمبر (أيلول) وسط سلسلة من الفضائح، السلطة إما لليز تراس أو ريشي سوناك، بعد معركة طويلة على قيادة حزب المحافظين، فيما يشهد اقتصاد البلاد تدهورا. وتخطط تراس لميزانية طوارئ لخفض الضرائب ومراجعة تفويض بنك إنجلترا المستقل لمكافحة التضخم. لكن سوناك قال إن التخفيضات الضريبية الممولة بمزيد من الاقتراض ستجبر البنك على زيادة أسعار الفائدة بشكل أكبر، مؤكدا ضرورة المحافظة على التشدد المالي وتخفيف ضغط الأسعار أولا. وفي آخر اجتماع بشأن سياسته النقدية، رفع البنك المركزي سعر الفائدة الرئيسي 0.50 نقطة مئوية ليبلغ 1.75 في المائة، وهي أكبر زيادة منذ عام 1995، وتعكس خطوة بنك إنجلترا السياسة النقدية الصارمة للاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي الشهر الماضي، فيما يسارع العالم إلى تهدئة التضخم الحاد الذي يغذيه الغزو الروسي لأوكرانيا. وقال مكتب الإحصاء البريطاني إن «أكبر التحركات» في مؤشر أسعار المستهلك في يوليو يعود إلى المواد الغذائية. وكان الخبز والحبوب أكبر مساهمين في ارتفاع أسعار المواد الغذائية، يليهما الحليب والجبن والبيض. وأوضح كبير الاقتصاديين في مكتب الإحصاء الوطني في بريطانيا غرانت فيتزنر أن الزيادات انعكست في غلاء أسعار الوجبات الجاهزة. وأضاف أن «ارتفاع أسعار سلع أساسية أخرى، مثل طعام الحيوانات الأليفة وورق المرحاض وفرشاة الأسنان ومزيلات العرق، أدى أيضا إلى ارتفاع التضخم في يوليو». وقال فيتزنر إن أسعار برامج الرحلات السياحية وأسعار تذاكر الطيران ارتفعتا أيضا بسبب ارتفاع الطلب. وفي غضون ذلك، استمرت تكلفة المواد الخام والسلع الخارجة من المصانع في الارتفاع، مما يزيد الضغوط على الأسر. وفي استطلاع أجرته «رويترز» لآراء اقتصاديين، فاقت الزيادة توقعاتهم جميعا بأن التضخم سيرتفع إلى 9.8 في المائة في يوليو. ومع ذلك، كانت البيانات تُلمح إلى أن ضغط التضخم في المستقبل ربما يبدأ في الانحسار. إذ ارتفعت أسعار مدخلات الإنتاج على أساس شهري 0.1 في المائة فقط، وهي أبطأ زيادة حتى الآن في عام 2022، ويرجع أحد أسباب ذلك إلى ضعف الطلب العالمي على الصلب مع تباطؤ النمو الاقتصادي في جميع أنحاء العالم وانخفاض أسعار النفط الخام. في غضون ذلك، تعتزم سلسلة متاجر البقالة منخفضة الأسعار في بريطانيا آيسلاند فودز السماح لعملائها بسداد قيمة مشترياتهم على دفعات، لتصبح أول سلسلة متاجر في بريطانيا تدخل سوق الائتمان الاستهلاكي المزدهر في بريطانيا في ظل ارتفاع نفقات المعيشة. وتعرض السلسلة البريطانية قروضا من دون فوائد تتراوح بين 25 و100 جنيه إسترليني (30 إلى 120 دولارا) لكل عميل من خلال بطاقة مسبقة الشحن بحيث يتم سداد القرض على دفعات أسبوعية قدرها 10 جنيهات إسترلينية. وذكرت وكالة بلومبرغ أن النظام الجديد يأتي في الوقت الذي لجأ فيه الكثير من المستهلكين المتعثرين ماليا إلى استخدام أنظمة البيع بالآجل، مثل «اشتر الآن وادفع لاحقا»، لسداد قيمة مشترياتهم الضرورية على أقساط. يأتي ذلك في حين بلغ معدل التضخم الأسبوعي في سلاسل المتاجر البريطانية خلال الأسابيع الأربعة الماضية 11.6 في المائة، وهو أعلى مستوى له منذ بدأت شركة كانتار لأبحاث السوق إصدار هذه البيانات في عام 2008. وإلى جانب ارتفاع أسعار الغذاء، يعاني المستهلكون في بريطانيا من ارتفاع قيمة فواتير الكهرباء، في ظل أكبر انخفاض للأجور الحقيقية وتزايد المخاوف من الركود الاقتصادي. من ناحيته قال ريتشارد ووكر المدير الإداري لسلسلة آيسلاند فودز: «الناس تعاني الآن أكثر من أي وقت مضى لشراء احتياجاتهم اليومية الضرورية، في ظل الارتفاع المستمر لنفقات المعيشة».
مشاركة :