رواية سماء قريبة من بيتنا تمثّل «معارك الحياة»

  • 8/20/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تروي الروائية شهلا العجيلي في هذه الرواية التي اختيرت ضمن القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية 2016م، حكاية عن شخصيات تنتمي إلى مناهل جغرافية وثقافية متنوعة، والمأساة السورية تفرش ظلالها على الأحداث، رواية تغوص معها في الماضي وتفاصيله، والواقع ومشكلاته. ترسم فيها الكاتبة من خلال راويتها صوراً للحياة اليومية في منزل الأسر في حلب أو في الرقة. فصول الرواية تدور حول شخصيتها الرئيسة التي تعيش الزمن الحالي «جمان بدران»، التي تحكي تاريخ عائلتها المتشابك مع تاريخ المنطقة السياسي، وحربها مع مرض السرطان، وتتقاطع مع شخصيات متوترة تعيش في مرحلة صعبة، تفقد فيها الأمان. فهي مهددة بالزوال، بالموت، والمرض، والجوع، والتهجير. تختار العجيلي للفصل الأول من روايتها عنوان «ليالي الأنس» التي تعود إلى حقبة تاريخية تمتد منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، في إشارة إلى الماضي الجميل، وإثارة للهمم في سبيل استرداد الأنس المفقود في حياة مدينة حلب وأهلها، تستذكر فيه الراوية جمان بدران أيامها الجميلة، وتستعيد طفولتها وبراءتها وسعادتها في ربوعها، في الوقت الذي تعيش فيه المدينة تحت وطأة اللحظة السورية الراهنة، التي حولتها إلى ميدان حرب واقتتال مستمر، حتى صارت مدينة أخرى منزوعة من تاريخها وجذورها ومرمية في مستنقع الحرب والدمار. «وقفت أشير إلى تلك الكرة وراء الزجاج وقد غطى الأزرق اللامع المخطط بخطوط الذهب جل مساحتها وأصرخ: الدنيا الدنيا أريد الدنيا، يسحبني بابا من يدي، ويقول: سنشتري الدنيا من الشام من الشام». تبدأ الرواية من لحظة عادية في طائرة عائدة من بلد ما إلى مدينة عمان في الأردن، تلتقي الشخصية الرئيسة في الرواية، والأكاديمية التي تحمل دكتوراة في الأنثروبولوجيا الثقافية، والمولعة بحب الحياة والفن والترحال «جمان بدران»، مع ناصر العامري الشاب الفلسطيني الذي جاء إلى عمان ليدفن أمه السورية، ويتفاعلان إنسانياً ككل البشر الذين يلتقون، وخلال التعارف يكتشفان علاقة الجيرة التي كانت تجمع بين بيتي جديهما في مدينة حلب، هذه الجيرة تشكل ماضياً واحداً بين جمان وناصر، هذا الماضي الذي حول العلاقة بينهما إلى حب كامل التكوين، ومن خلال العلاقة، تكشف لنا الكاتبة عن واقع العائلات والأفراد في الحروب، وخصوصاً مأساة العائلات في سورية وفلسطين والعراق وفيتنام، ومسألة تحويل الحروب إلى هوية ومبدأ يُدافع عنه مما يزيد من أجلها، وكيف تؤثر هذه الحروب في مصائر الناس وتكتب مأساتهم وتنقلها من مأساة جماعية تعود نتائجها السلبية على الناس أجمعين إلى نتائج سلبية تضرب الأفراد كلّاً بشخصه وذاته، وترصد معاناة اللاجئين في مخيمات دول الجوار، خصوصاً مخيم «الزعتري» في الأردن، الذي يعيش فيه الناس أنواعاً من المآسي والخيبات والصراعات التي تدور فيه، وكأنه ساحة حرب بديلة، بأدوات وآليات مختلفة، «نسيت أنني لاجئ! اللاجئون لا يخضعون للتقسيمات الطبقية التي تخص المجتمعات المستقرة، هم بذاتهم طبقة، اللاجئ ثائر بطبعه إلى أن يثبت العكس». رواية (سماء قريبة من بيتنا) تمثّل معارك الحياة، فبينما هناك حرب تحصد الأرواح، هناك حروب صغيرة في داخلٍ كل منا، فجمان التي تُحارب التاريخ بحثاً عن جذور عائلتها تكتشف أيضاً أنها تحارب السرطان الذي يكاد يفتك بجسدها، لتنتهي الرواية نهاية مفتوحة أقرب إلى التفاؤل، «جمان جالسة على الرصيف أمام مركز العلاج من السرطان، تترقب القادمين والذاهبين المرضى والأصحاء والأموات في مفارقة عجيبة، بالأمس كانت من هؤلاء ومعهم». «فاجأتني قبة السماء وقد انجلت لعيني شيئاً فشيئاً... صارت النجوم أكثر لمعاناً، وبدا كل شيء محتوماً، الألم، والموت، والشفاء. السماء هنا قريبة، قريبة جداً، ولا تحتاج إلى سلالم أو حبال». بهذه العبارة تختم شهلا العجيلي روايتها، وكأن تلك الكلمات تعبير للرؤى والكوابيس والفوضى التي عاشتها شخصيات الرواية. ترى الكاتبة أن تاريخ العالم شديد التشابه، وليس فيه الكثير من الطفرات، لكنّنا نحتاج من حين إلى آخر إلى أن نعيد كتابته، وقراءة أحداثه. مع الحرب بدا تقارب العالم أكبر، ويمكن للرواية أن تعيد ترتيب العناصر: الخراب، المدن المحاصرة، الضحايا، الجلاّدون، المنتصرون، المهزومون. وحين تمسّنا النار على المستوى الشخصي سنشعر بذلك التشابه، وسنقرأ تاريخ الآخرين برؤية جديدة.

مشاركة :