بغداد - اضطر زعيم التيار الصدر ي مقتدى الصدر مساء الثلاثاء لسحب أتباعه الذين حاصروا مبنى مجلس القضاء الأعلى ونصبوا خياما أمامه بنية الاعتصام والضغط على السلطة القضائية في خضم خصامه مع قوى الإطار التنسيقي، إلى دعوتهم للانسحاب بعد أن أوصل رسالة على أكثر من جبهة مواجهة مفادها أنه قادر على الاستمرار في معركة ليّ الأذرع حتى تحقيق مطالبه والذهاب في التصعيد إلى أبعد مما يتوقع خصومه. وواجه الصدر انتقادات شديدة من قبل قوى سياسية اعتبرت حصاره لمبنى مجلس القضاء الأعلى محاولة 'انقلاب' وتهديد لمرفق أبدى حياده في الأزمة السياسية ووقوفها على مسافة واحدة من القوى السياسية وتأكيده على التزامه بالقانون والدستور. وعلى اثر دعوة وجهها على لسان محمد صالح العراقي الملقب من الصدريين بـ"وزير القائد" بالانسحاب من أمام مبنى مجلس القضاء، بدأ مناصرو الزعيم الشيعي بالفعل بالانسحاب بعد ساعات من اعتصام باشروه صباح الثلاثاء، لكن العراقي وجه المحتجين للعودة للاعتصام في باحات ومحيط البرلمان. وقال العراقي في بيان على حسابه بتويتر "إن في السلك القضائي العراقي الكثير من محبي الإصلاح والمطالبين بمحاسبة الفاسدين وان كان هناك فتور في ذلك، فهو لوجود ضغوطات سياسية من فسطاط الفساد ضدهم". وتابع "انه لو ثنيت لو ثنيت لي الوسادة مع استمرار الاعتصام أمام القضاء الأعلى لنشجعه على الإصلاح محاسبة الفاسدين". واستدرك بالقول "لكن وللحفاظ على سمعة الثوّار الأحبة ولعدم تضرر الشعب أنصح بالانسحاب وإبقاء الخيم تحت عنوان ولافتة اعتصام شهداء سبايكر وأهالي الموصل واسترجاع الأموال المنهوبة ومحاسبة وإقالة الفاسدين بلا انحياز وفصل الادعاء العام وقضاء مستقل ونزيه وغيرها من العناوين التي يريد الشعب تحقيقها". ودعا إلى "استمرار الاعتصامات أمام البرلمان إن شئتم ذلك فالقرار قرار الشعب". ويأتي تراجع الصدر عن محاصرة مجلس القضاء الأعلى، فيما قالت مواقع عراقية اخبارية وموقع 'روسيا اليوم' الناطق بالعربية، إنها حصل على وثائق صادرة اليوم الثلاثاء عن مجلس القضاء الأعلى في العراق تفيد بمنع السفر وحجز الأموال المنقولة وغير المنقولة لثلاثة من قادة التيار الصدري هما صباح الساعدي وغايب العميري ومحمد الساعدي مع أمر بالقبض عليهم. وكانت شخصيات من قوى الإطار التنسيقي قد اتهمت التيار الصدري بالفساد وأن على زعيمه محاسبة الفاسدين في تياره أولا قبل الدعوة لمحاسبة فاسدين من 'الإطار'، إن أن التيار رفض تلك الاتهامات وقال إنه حاسب من ثبت ادانته في قضايا فساد من منتسبيه. ودارت في الفترة القليلة الماضية سجالات بين التيار الصدري وعصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي (منشق عن التيار الصدري) واتهامات متبادلة بالفساد. الحشد يلوح بالمواجهة المسلحة تحت عنوان حماية مؤسسات الدولة وتتجه الأزمة في العراق إلى مزيد من التصعيد وسط مخاوف من حرب شيعية شيعية مع احتدام معركة الشارع، حيث دفع كل فريق بالآلاف من أنصاره للاعتصام في محيط المنطقة الخضراء وسط بغداد والتي تضم مقار حكومية مقار البعثات الدبلوماسية. ولم يسبق أن صدر عن هيئة الحشد الشعبي إحدى مكونات قوى الإطار التنسيقي تهديدات بالمواجهة، لكن بعد محاصرة الصدريين اليوم الثلاثاء لمبنى مجلس القضاء الأعلى، أعلنت الهيئة استعدادها للدفاع عن مؤسسات الدولة وهو عنوان فضفاض يحتمل أكثر من تفسير يتصدرها الاستعداد للمواجهة المسلحة وهو سيناريو لا ترغب فيه إيران ولا بعض القوى في التنسيقي، لكن مع استمرار التجييش في الشارع (من الطرفين) بات الباب مفتوحا على كل السيناريوهات. وقالت هيئة الحشد الشعبي التي تضم ميليشيات مدججة بالسلاح وموالية لإيران، في بيان تناقلته وسائل إعلام عراقية "بعد محاصرة القضاء من قبل مجاميع بينهم مسلحون"، "الحشد الشعبي حرص على ألّا يكون طرفا في الأزمة السياسية الراهنة في الوقت الذي يجد فيه أنه ملزم بحماية السلم الأهلي والدفاع عن الدولة ومنع انهيار ركائزها وحماية الدستور الذي أقسم الجميع على حمايته والالتزام به". ودعت الهيئة حكومة تصريف الأعمال برئاسة مصطفى الكاظمي الذي قطع زيارته لمصر على وقع التوترات في بلاده، إلى تحمل المسؤولية في حماية مؤسساتها. وقبل بيان الهيئة أعلن رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان لدى استقباله الفريق الركن حامد الزهيري قائد الفرقة الخاصة المكلفة بحماية المنطقة الخضراء "احترام حق التظاهر السلمي المكفول بموجب الدستور، لكن بشرط عدم الاعتداء على أبنية مؤسسات الدولة، ومنتسبيها". وكان الصدر قد دعا في تصريحات سابقة إلى حل ميليشيات الحشد الشعبي وحصر السلاح بيد الدولة ومحاسبة الفاسدين من منتسبي الحشد، في انتقادات نادرة أججت التوتر ووسعت نطاقه وشكلت في توقيتها ومضمونها نذر مواجهة. كما رفضت هيئة الحشد الشعبي دعوة الصدر لحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة وتعديلات دستورية وكانت كلها إشارات تقرب الطرفين من الصدام. بغداد - بعد البرلمان، وسّع مناصرو التيار الصدري اعتصامهم الثلاثاء إلى أمام مبنى مجلس القضاء الأعلى في المنطقة الخضراء في بغداد، في خطوة تصعيدية في الأزمة السياسية المتواصلة منذ أكثر من 10 أشهر، مما دعا إلى أن يقطع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي زيارته لمصر والعودة لمواجهة الموقف. وذكر بيان رسمي أن الكاظمي "عاد إلى بغداد" بهدف "المتابعة المباشرة لأداء واجبات القوات الأمنية في حماية مؤسسات القضاء والدولة"، داعياً إلى "اجتماع فوري لقيادات القوى السياسية من أجل تفعيل إجراءات الحوار الوطني، ونزع فتيل الأزمة". وعلى أثر هذا الاعتصام، أعلن مجلس القضاء الأعلى في بيان تعليق عمله وعمل المحكمة الاتحادية العليا والمحاكم التابعة له. ويعيش العراق منذ الانتخابات البرلمانية في تشرين الأول/أكتوبر 2021، في شلل سياسي تام مع العجز عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، في ظل خلافات سياسية متواصلة. وارتفع مستوى التصعيد بين التيار الصدري وخصومه في الإطار التنسيقي، في 30 تموز/يوليو عندما اقتحم مناصرو الصدر مبنى البرلمان العراقي في المنطقة الخضراء المحصنة في وسط بغداد، مطالبين بحلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة. ويريد خصوم الصدر في الإطار التنسيقي الذي يضمّ كتلة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وكتلة الفتح الممثلة للحشد الشعبي، من جهتهم تشكيل حكومة قبل الذهاب إلى انتخابات مبكرة. ويقيم مناصرو الإطار التنسيقي أيضاً اعتصاماً أمام المنطقة الخضراء التي تضمّ مؤسسات حكومية ومقرات دبلوماسية غربية منذ 12 آب/أغسطس. وفي 10 آب/أغسطس، طالب مقتدى الصدر القضاء بحلّ البرلمان لكن القضاء اعتبر أنه لا يملك هذه الصلاحية. والثلاثاء، توجّه المئات من مناصري التيار الصدري إلى أمام مبنى مجلس القضاء الأعلى، معلنين البدء باعتصام "حتى تحقيق" لائحة مطالب أبرزها "حلّ البرلمان"، وفق بيان لإعلام التيار الصدري. ونصب المعتصمون، الذين ارتدى غالبيتهم الأسود بمناسبة شهر محرّم، الخيم أمام مبنى أعلى سلطة قضائية في البلاد، كما شاهد مراسل فرانس برس، فيما كان آخرون لا يزالون يقومون بتحضير خيمهم، وسط انتشار أمني كثيف. ورفع البعض الأعلام العراقية وآخرون صور مقتدى الصدر. بالإضافة إلى ذلك، وصلت شاحنات محمّلة بقدور طعام كبيرة إلى المكان. قال أبو كرار العلياوي، أحد المعتصمين، متحدثا عند مجلس القضاء الأعلى "مطالبنا القضاء على الفساد"، مضيفاً " نعتقد أن القضاء مهدد بالخوف ...أو أنه مرتشٍ". وتابع "نقف هنا لتحقيق مطالبنا، وهي مطالب الشعب العراقي، وهي الإصلاح والقضاء على الفساد". الضغط على القضاء وفي أعقاب الاعتصام، أصدر مجلس القضاء الأعلى بياناً أعلن فيه عقد اجتماع "على اثر الاعتصام المفتوح لمتظاهري التيار الصدري امام مجلس القضاء الاعلى للمطالبة بحل مجلس النواب عبر الضغط على المحكمة الاتحادية العليا لاصدار القرار بالأمر الولائي بحل مجلس النواب وارسال رسائل تهديد عبر الهاتف للضغط على المحكمة". وقرّر وفق البيان "تعليق عمل مجلس القضاء الأعلى والمحاكم التابعة له والمحكمة الاتحادية العليا"، وذلك "احتجاجاً على هذه التصرفات غير الدستورية والمخالفة للقانون". واعتبر مجلس القضاء في بيان صدر في 14 آب/أغسطس أن "مهام مجلس القضاء...بمجملها تتعلق بادارة القضاء فقط وليس من بينها اي صلاحية تجيز للقضاء التدخل بامور السلطتين التشريعية أو التنفيذية تطبيقاً لمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية" الوارد في الدستور. وينصّ الدستور العراقي في المادة 64 منه على أن حلّ مجلس النواب يتمّ "بالأغلبية المطلقة لعدد اعضائه، بناءً على طلبٍ من ثلث اعضائه، أو طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية". وحذّر رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي في بيان الثلاثاء من "الأزمة الخانقة" التي "تتجه نحو غياب الشرعية وقد تؤدي إلى عدم اعتراف دولي بكامل العملية السياسية"، معتبراً أن ما آلت إليه الأمور "تراجع أكثر مما كان" قبل إجراء الانتخابات المبكرة حيث أن "مجلس النواب معطل والقضاء معطل والحكومة حكومة تسيير أعمال". من جهته وصف الرئيس العراقي برهم صالح في بيان صحفي الثلاثاء تعطيل المؤسسة القضائية بأنه "أمر خطير" يتهدد العراق، مؤكدا على ضرورة حماية المؤسسة القضائية وهيبتها واستقلالها. وقال إن "تطورات الأحداث في البلد تستدعي من الجميع التزام التهدئة وتغليب لغة الحوار وضمان عدم انزلاقها نحو متاهات مجهولة وخطيرة يكون الجميع خاسرا فيها وتفتح الباب أمام المُتربصين لاستغلال كل ثغرة ومشكلة داخل بلدنا". وتابع "التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي حق مكفول دستوريا ولكن تعطيل عمل المؤسسة القضائية أمر خطير يهدد البلد"، داعيا إلى التعامل مع المطالب وفق الأطر القانونية والدستورية. كما دعا إلى "توحيد الصف والحفاظ على المسار الديمقراطي السلمي الذي ضحى من أجله شعبنا، ولا ينبغي التفريط بها بأي ثمن والعمل على تجنّب أي تصعيد قد يمس السلم والأمن المجتمعي"، مشيرا إلى أن العراق يمر بظرف دقيق. لكن التيار الصدر ندد بتعليق القضاء العراقي والمحاكم العمل. وقال ما بات يعرف بوزير الصدر محمد صالح العراقي "من المعيب أن يعلّق القضاء والمحاكم العمل من أجل إنهاء ثورة إصلاحية ولا تعلّق أعمالها من أجل استنكار فساد مستشاري". وأضاف في بيان نشره على حسابه بتوتير "ما إن تشتدّ حدّة الاحتجاجات ضدّ الفاسدين فانهم يسارعون مستنجدين بزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لكنه ومنذ يومين قرر عدم التدخل مطلقا". وتابع "ولاستمرار ثورة عاشوراء على عفويتها فإن سماحته (الصدر) قد يأمر مستقبلا بتعليق عمل اللجنة المشرفة على الاحتجاجات مقابل تعليق القضاء والمحاكم عملها". ولم تفضِ محاولات الحوار بين الطرفين إلى نتيجة بعد. وعقد قادة الكتل السياسية العراقية في قصر الحكومة في بغداد الأسبوع الماضي اجتماعاً، قاطعه التيار الصدري، وكان دعا إليه الكاظمي في محاولة لإيجاد مخرج للأزمة. وشارك قياديون في الإطار التنسيقي، لاسيما رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، ورئيس كتلة الفتح هادي العامري، في هذا الحوار الذي حضره بالإضافة إلى الكاظمي، رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان، ومبعوثة الأمم المتحدة جنين بلاسخارت. وكرّر التيار الصدري أكثر من مرّة رفضه للحوار. وقال الصدر في تغريدة قبل يومين إنه قدّم "مقترحاً للأمم المتحدة لجلسة حوار علنية...فلم نرَ جواباً ملموساً". وأضاف "لا يتوقعوا منّا حواراً سرياً جديداً بعد ذلك"، مضيفاً "لقد تنازلت كثيراً من أجل الشعب والسلم الأهلي. وننتظر ماذا في جعبتهم من إصلاح ما فسد لإنقاذ العراق".
مشاركة :