سوريا بين الخليج العربي وأمريكا | د. وائل مرزا

  • 12/15/2013
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

منذ أيام، كان رئيس ائتلاف المعارضة السورية أحمد الجربا الضيف الخاص في قمة دول مجلس التعاون الخليجي. وفي كلمته أمام القادة الخليجيين قال الجربا: «المشاركة في جنيف2 لا تعني بأننا ذاهبون إلى ندوة سياسية مع مجموعة من النظام، بل تعني لنا بوضوح أننا ذاهبون لتخليص بلدنا من الدمار والإجرام والحصول على الدولة السورية، واستقلال القرار الوطني، فنعم لجنيف2 وفق الأسس والمعطيات التي حددناها في رؤية الائتلاف الوطني، والتي حددناها في لقاء لندن الأخير، أي وفقاً لمؤتمر جنيف الأول». ومن ناحية أخرى، شدد البيان الختامي للمؤتمر على ضرورة ألا يكون لـ»أركان النظام السوري الذين تلطخت أيديهم بدماء الشعب السوري أي دور في الحكومة الانتقالية أو المستقبل السياسي في سوريا». هذا الاتفاق الكامل بين الطرفين على الثوابت المتعلقة بمؤتمر جنيف2 أمرٌ في غاية الأهمية للثورة السورية في هذا المفرق الحساس، لكنه يدل أيضاً على إدراك دول الخليج العربي لحقائق تتعلق بدورها ودور سوريا المستقبل في المنطقة. وعلى إصرارها على لعب هذا الدور بغض النظر عن مواقف المجتمع الدولي، وخاصة أمريكا التي تعتقد أنها تفهم المنطقة، لكن الوقائع والأحداث أثبتت مرةً تلو الأخرى عكس ذلك. والاعتقاد بأن أمريكا تفهم المنطقة سائدٌ في أمريكا لكنه سائدٌ أيضاً خارجها. فمن الانطباعات الشائعة في العالم العربي والإسلامي أن أمريكا قادرةٌ على فهم هذين العالمين بشكلٍ كامل. ولتبرير مصداقية هذا الانطباع تُطرح المقولات عن وجود مؤسسات الدراسات ومراكز الأبحاث التي (ترصدُ كل صغيرةٍ وكبيرة) في المجتمعات العربية والإسلامية، كما يؤكد على الدوام أصحاب تلك الانطباعات. هذا فضلاً عن تهويلهم بقدرة أجهزة الأمن والتجسس الأمريكية (الخارقة) على متابعة وتحليل متغيرات الواقع في تلك المجتمعات، بحيث يمكن لها إعطاءُ صورةٍ دقيقة عن ذلك الواقع للإدارة السياسية الأمريكية. والحقيقة أن هذه الآراء تحمل من التعميم والخيال ما يتجاوز الحقائق التي يُظهرها الواقع على الدوام. وقد يتمثّلُ أبرز مثال على ذلك في التصورات الخاطئة تماماً، والتي كانت سائدةً في إدارة بوش الابن قبل غزو العراق عن هذا البلد وعن ثقافته وتركيبته الاجتماعية والثقافية، والتي تبيّن مع الأيام درجةُ مجانبتها للواقع على الأرض. لانقللُ هنا من قدرة مراكز البحث والتحليل الأمريكية المدنية والأمنية والعسكرية على رصد الواقع العالمي ومتغيراته، وعلى طرح سيناريوهات متعددة للتعامل معه بما يحقق المصالح الأمريكية. لكننا بالتأكيد نرفض ذلك التعميم القاطع بقدرة هذه المراكز على رسم صورةٍ دقيقة عن الواقع العربي والإسلامي في كل زمان ومكان وعلى رسم سياسات صائبة تجاهها. ويأتي في هذا الإطار الصورةُ التي كانت سائدةً في الأوساط السياسية الأمريكية عن دول مجلس التعاون الخليجي العربي على وجه التحديد. إذ لا نكشف سراً حين نقول أن تلك الصورة كانت مبنيةً على رؤية المنطقة من منظور كونها خزاناً استراتيجياً للنفط أولاً وقبل كل شيء آخر. وبالتالي، فإن علاقة أمريكا مع تلك الدول كانت محصورةً في صياغة سياساتِ تعاون تُركزُ على أمن المنطقة، واستمرار قدرتها على ضخ النفط في شرايين الاقتصاد العالمي. لهذا، لم تأخذ تلك السياسات بعين الاعتبار لعقودٍ طويلة التأثيرَ الممكن لدول الخليج في السياسات الإقليمية وحتى العالمية، إلا من خلال ذلك الجانب الوحيد، أي المسألة النّفطية. تغيّرت هذه النظرة إلى حدٍ ما بعد أحداث سبتمبر المعروفة، لكن المدخل كان أيضاً جزئياً حين تمّ اختزالهُ في موضوع التعاون على مكافحة الإرهاب. لكن الغالبية العظمى من المراكز التي نتحدث عنها غفلت، ومعها الإدارات الأمريكية، عن عنصرٍ استراتيجي جديد وحساس يتمثل في الدور الثقافي والإعلامي والتعليمي المتصاعد لدول الخليج، ليس في المنطقة العربية فقط، وإنما في العالم الإسلامي وخارجه في بعض الأحيان. وقد صاحب هذا أيضاً تأثيرٌ سياسيٌ جعل دورها يزداد وضوحاً. حصلَ هذا بتأثير الانفتاح الثقافي المتزايد في المنطقة من جانب، وبمساعدة الإمكانات والموارد الاقتصادية المتميزة التي تملكها من جانبٍ آخر. واليوم، بمناسبة مايجري في سوريا، تُعيد دول الخليج العربي تأكيد دورها السياسي في المنطقة، وهو دورٌ مبنيٌ على فهمها لمخاطر (المجازفات) الكامنة في الموقف الدولي عامةً، والأمريكي تحديداً، من الثورة السورية وتطوراتها، خاصةً في الآونة الأخيرة. ثمة لحظةٌ تاريخية فاصلة تمرﱡ بها المنطقة، ومايجري في سوريا محورها الأكبر. ودول الخليج العربي تُدرك حساسيتها ونتائجها أكثر من غيرها بكثير. لهذا، ليس غريباً أن تمضي الدول المذكورة في ممارسة دورها بقوةٍ ووضوح، وأن تشجع المعارضة السورية على التمسك بثوابتها فيما يتعلق بجنيف وغير جنيف، بغض النظر عما يعتقده الآخرون. ببساطة، لأن أهل مكة أدرى بشِعابها. waelmerza@hotmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (80) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain

مشاركة :