الإسلام المطلوب في سوريا الجديدة | د. وائل مرزا

  • 12/8/2013
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

بعيداً عن ضغط التفكير الأيديولوجي، وانطلاقاً من واقعيةٍ يتطلبها الحال، ويقول بضرورتها السوريون جميعاً على اختلاف انتماءاتهم المتنوعة. يمكن التأكيد أن (الإسلام) سيكون، بأي شكلٍ من الأشكال، عاملاً مؤثراً في مسار الثورة الراهن، وفي رسم صورة سوريا الجديدة، ليس فقط على مستوى الهوية الوطنية، بل وعلى مستوى التنظيم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. المؤسف في الموضوع أن غالبيةً عُظمى ممن لا (يقبضون) الإسلام من السوريين مثقفين ونُشطاء، وأقولُها بالعامية لدلالاتها، يتعاملون مع هذه الحقيقة باستخفاف وسطحية لا يحتملهما المقام. فهم أولاً وآخراً يعيشون هاجس الهوس بكيفية تخفيف ذلك التأثير أو إلغائه، في محاولةٍ هي أشبه ما تكون بالغرق في أحلام النهار. يأتي هذا للأسف على صورة مناوراتٍ سياسية، وتحالفات محلية وإقليمية ودولية، بل وأحياناً على شكل تُقيةٍ أصبح الجميع ماهراً في استعارتها وتطبيقها من المذهب الشيعي الذي يشكون منه. ونادرةٌ جداً هي المحاولات من قبل تلك الشريحة لقبول الحقيقة المذكورة أعلاه، ولفهم خلفياتها المُعقدة، والتعاون على استيعابها، بحيث يكون الإسلام المطلوب في سوريا إسلاماً حقيقياً يُطلق طاقات البناء والتعمير، ويُؤكِّد معاني العدل والحرية والكرامة والمواطنة والتعددية، ويكون تصديقاً عملياً لقيمه الحضارية الكبرى. في مقابل هذا، نركِّزُ بشكلٍ متزايد في هذه المقالات على كل ما يتعلق بالمُراجعات في الفكر الإسلامي بأي طريقة، وصولاً لتحقيق الهدف المذكور أعلاه. ويأتي في هذا الإطار استعادة أدبيات قديمةٍ نسبياً لتلك المراجعات، كان يمكن لها أن تصل بنا لواقعٍ مختلف اليوم، لو أن أهل الحركة وأصحاب الجماعات والتنظيمات أولوها شيئاً من الاهتمام والتفكير في وقتها.. وهذا موضوعٌ نعود إليه لاحقاً. من هنا، نقتبس فقرات مطوّلة نسبياً من تقديم الأستاذ عمر عبيد حسنة لكتابٍ بعنوان: (في فقه الدين فهماً وتنزيلاً) للدكتور عبدالمجيد النجار نُشر قبل خمسةٍ وعشرين عاماً! ليتأمَّل المهتمون من السوريين في دلالاته ويعملوا بمتطلباته، وخاصةً منهم القوى الفاعلة على الأرض عسكريين ومدنيين. يقول الكاتب: "لقد كان المجتهد جزءاً من الحياة يتعامل معها ويحترف بحرفها ويخوض معاركها ويكون لمشاهداته ومعاناته الميدانية نصيبٌ كبير من فقهه، أما عندما انفصل المجتهد عن مجتمعه، وابتعد عن هـمومه، فقد فاته الإدراك الواعي لمشكلاته، فجاءت اجتهاداته اجتهادات نظرية مجرّدة، تنطلق من فراغ، وتسير في فراغ، مما جعل بعض المفكرين يطلقون عليها مصطلح (فقه الأوراق)، لأنها تكوّنت بعيداً عن واقع الناس وميدان نشاطهم. فأية قيمة للحكم تبقى إذا لم ينزل على محله وكيف يعرف محله دون دراسة وعلم؟! لذلك نرى من لوازم الاجتهاد اليوم، الاستيعاب المعرفي الشامل للواقع الإنساني، وهذا لا يتأتى كله من مجرد المعايشة، والنزول إلى الساحة -الأمر الذي لا بد منه- وإنما النزول، والتزود قبله، بآليات فهم هـذا الواقع، من العلوم الاجتماعية التي توقفت في حياة المسلمين منذ زمن، ذلك أن عدم الاستيعاب والتحقق بهذه الشروط اللازمة لعملية الاجتهاد، أدى إلى انفصال أصحاب المشروع الإسلامي، عن واقع الحياة، وإن لم ينفصلوا عن ضمير الأمة، التي لا تزال ترى في المشروع الإسلامي بوارق الأمل للإنقاذ والتغيير. والتغيير لا بد له من إدراك المراد الإلهي أولاً، ومن ثم آليات فهم المجتمع بالمستوى نفسه، حتى يتم الإنجاز. لقد تعاظم المد الإسلامي إلى آفاق لم تكن بالحسبان، لكن لا بد من الاعتراف بأن حركة الاجتهاد لترشيد تدين هـذا المد، ووضع البرامج والأوعية الشرعية لحركته، لم تكن بالمستوى المطلوب، ولا الموازي لحركة المد الإسلامي، ذلك أن الجماهير المسلمة آمنت بالإسلام، لكنها لم تبصّر بالواقع وكيفية التعامل معه، وتقويمه بنهج الدين. لقد امتُلكت القاعدة الإسلامية العريضة وافتُقدت القيادة الواعية الرشيدة الفقيهة، فلحقت بها إصابات بالغة ليست كلها بسبب أعدائها، وهذا يقتضي ديمومة النظر وبذل الجهد والاجتهاد في كل وقت وعصر للإفادة من الخطاب الإلهي في تقويم مسالك الناس، ومعالجة مشكلاتهم وفق الهدي الديني، ذلك الاجتهاد (الفقه) الذي يمكن أن نمثل له بدور الطبيب، الذي يدرس حالة المريض، ويحدد أسباب المرض وآثاره، ويختار له من مجموعة الأدوية المحفوظة في الصيدلية، ما يناسبه ويعالج حالته، دون أن يكون لذلك آثار جانبية قد تعيق شفاء المريض، أو تضاعف مرضه، أو تفضي إلى الإصابة بمرض آخر. فالصيدلي الذي يحفظ الدواء ويعرف مركباته يبقى عاجزاً عن المعالجة؛ لأن المعالجة لا تكفي فيها معرفة الدواء، وإنما تتطلب المعرفة الدقيقة بحالة المريض وما يناسبه وما لا يناسبه من الدواء، والمقادير المطلوبة، والزمن المقدر، والتوازن بين أكثر من دواء... إلخ. فمنهج النقل والحفظ للخطاب الإلهي أقرب ما يكون إلى عمل الصيدلي، ومنهج الفهم والفقه من هـذا المنقول أقرب ما يكون شبهاً بعمل الطبيب، وقد لا تفيد كثيراً كثرة الصيادلة، ومعامل الدواء، إذا انعدم وجود الأطباء؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى وضع الدواء في غير محله، فيهلك المريض من حيث يُراد له الشفاء والنجاة. هذه هي المشكلة اليوم التي يعاني منها الواقع الإسلامي، وهي مؤشر مؤرِّق بسبب غياب فقهاء المجتمع، وفقهاء التربية، وفقهاء التخطيط، وفقهاء استشراف آفاق المستقبل، وفقهاء علوم الإنسان، فقهاء الحضارة عامة، الذين يشكلون عقل الأمة، ويعرفون كيف يغترفون من هـذا الإسلام، لمصلحة الأمة في واقعها المعاصر، وكيف يتعاملون مع هـذا الإسلام، ويعودون بالأمة إليه. انتهى النقل ويبقى تعليقٌ لابد منه: ثمة من يريدون إقامة "دولة إسلامية" اليوم قبل الغد في سوريا، وحريٌ بهؤلاء تحديداً، وكل من يُفكِّر بالإسلام حلاً بشكلٍ عام، أن يفكِّروا كثيراً في دلالات الكلام السابق ومقتضياته، بعيداً عن الحماس والاندفاع تحت أي مسمىً من المسميات. waelmerza@hotmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (80) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain

مشاركة :