التعليم عملية مترابطة من الصعب فصل مرحلة تعليمية عن الاخرى، فهي بمثابة «خط انتاج» يبدأ من قبل دخول الطفل الى التعليم النظامي، بما في ذلك البيئة المنزلية والاجتماعية والتعليم قبل المدرسة الى ان ينهي مراحل التعليم الاساسي ثم الجامعي وما بعد الجامعي الى ان ينخرط في سوق العمل وفي المجتمع كعنصر فاعل مساهم في رفاه المجتمع ومستفيد منه. هذا يتطلب تحديد اهم المهارات الاساسية المطلوبة في كل مرحلة والعمل على اكساب الطالب هذه المهارات والوعي الثقافي والحضاري المناسب، ليس فقط لسوق العمل ولكن للحياة المتوازنة والمُحبة للاخر وتنمية المجتمع. فلسفة «خط الإنتاج» هذه تعتمد على جودة مخرجات كل مرحلة سابقة لتكون مدخلات مناسبة للمرحلة اللاحقة. وبالتالي فإن جودة التعليم الاساسي عنصر مهم في جودة مخرجات التعليم العالي، وهذا يؤثر في فهم الانسان للحياة وفي مخرجات المجتمع وانتاجه الفكري والمعرفي ونموه الاقتصادي والاجتماعي، كما يتأثر الانسان والمجتمع بهذه المخرجات. هذا يعني ان كل مرحلة ينبغي ان يكون لها اهداف وتلتزم بتسليح المتخرج بكفاءات ومهارات ومنهج تفكير يؤهله لمتطلبات المرحلة اللاحقة واستيعاب مقرراتها. لذلك من المهم والضروري تناول عملية وضع الاستراتيجية بشكل شمولي يراعي التفاعل بين التعليم والمجتمع والسوق والتنافسية العالمية. وضعت وزارة التربية والجهات المختصة ثلاث وثائق تتحدث عن استراتيجيات التعليم في البحرين: استراتيجية التعليم 2019-2022، استراتيجية التعليم العالي 2014-2024، واستراتيجية البحث العلمي 2019-2024. بالإضافة الى ذلك فان وزارة التربية سوف تبدأ اكتوبر القادم بتنفيذ خطة لمتابعة «تطوير اداء المدارس» وفق معايير الجودة، ومناقشة الملاحظات ورفع التوصيات. في نهاية هذا العام تكون استراتيجية التعليم 2019-2022 قد أُنْجزت، وسنكون في انتظار الاطلاع على استعراض نتائجها والتحديات التي واجهتها ونشر استراتيجية جديدة تتعامل مع التحديات وتبني على ما تحقق. ونحن نترقب نتائج الاستراتيجية المُنجزة، نستعرض بإيجاز اهم عناصرها. انطلقت الاستراتيجية من رسالة تعمل على «تنمية استعدادات وقدرات ومهارات الطلبة، والارتقاء بنوعية التعليم وتحسين مخرجاته، وزيادة فاعليته، وتنمية الشراكة المجتمعية». ورؤية «تسعى الى خلق نظام تعليمي متطور عالي الجودة يساعد في التحول الى مجتمع المعلومات واقتصاد المعرفة»، وتكرس الاستراتيجية قيما لتلتزم الوزارة بها اهمها المحاسبة والمساءلة، والعدالة والمساواة والعمل بروح الفريق. وضعت الاستراتيجية اولويات واهدافا اهمها تحسين جودة التعليم (الاساسي والفني والعالي والبحث العلمي) ورفع كفاءة مخرجاته، وضمان مواءمتها مع متطلبات سوق العمل، من خلال تطوير المناهج، والاستفادة من التجارب وأفضل الممارسات، والارتقاء بالكادر التعليمي، ومهنة التعليم بشكل عام، بما في ذلك التمكين الرقمي، وتوفير تنمية مهنية لكوادر الوزارة وتطوير المرافق، واستقطاب الجامعات الاقليمية والدولية. من ضمن اهدافها كذلك تشجيع السياحة التعليمية. بطبيعة الحال كأي استراتيجية تحتاج الى خطة تنفيذ تشمل برنامج تواصل ونشر النتائج، وعملية تقييم ومتابعة وقياس مبني على منظومة قياس اداء، تكون الامتحانات الوطنية جزءا منها. بدون ذلك يكون من الصعب تنفيذ الاستراتيجية، والاطمئنان على نتائجها. يتضح ان المشكلة الاساسية التي تعمل الوزارة على معالجتها من خلال الاستراتيجية هي قضية «مواءمة مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل»، وهذه مشكلة تواجه معظم الدول، وان هناك توافقا مجتمعيا ورسميا بأن هذه قضية مهمة ولها تداعياتها على حياة المواطنين، وتأثيرها على التنمية بشكل عام. فإلى اي حد نجحنا في تحقيق ذلك؟ توضيح ذلك يكون من خلال نشر نتائج هذه الاستراتيجية وفق المعايير التي وضعتها الاستراتيجية. بالإضافة الى ذلك هناك متطلبات التنمية المجتمعية التي ينبغي ان لا نغفلها، وهي من مهام منظومة التعليم، وقد اشارت لها الاستراتيجية في مفهوم «التنمية المستدامة» و«الشراكة المجتمعية». كذلك ربطت الاستراتيجية بين التنمية الشاملة المستدامة وبين التعليم من حيث التركيز على المهارات المطلوب توفرها في الطالب. اي ان علاقة التعليم بالتنمية بشكل عام تبرز في عدد من الاولويات الاستراتيجية، مثل تطوير المناهج لمواكبة متطلبات العصر، وتعزيز التمكين الرقمي وتطوير الاداء الاداري والتعليمي. فكيف ترجمت الاستراتيجية هذه الاولويات والاهداف الى نتائج على الارض وكيف عبرت عن هذه النتائج وبرزت في مخرجاتها. هذا ما ننتظر ان تنشره الوزارة في الايام القادمة، وفق المعايير التي وضعتها والتي لم تتضح مما نشر من الاستراتيجية. نشر النتائج سوف يمكن المجتمع من «المشاركة» الفاعلة وفق رؤية الوزارة، ويتحقق جانب مهم من الشراكة المجتمعية. ثانيا، عادة ما يتطلب تنفيذ الاستراتيجية تغييرا في هيكل الوزارات وبرامج بناء قدرات تحتاجها لتنفيذ الاستراتيجية، كذلك تحتاج الى بناء مؤسسي يقوم بعملية ادارة ومتابعة وتقييم عملية التطوير. تم الاعلان مؤخرا عن انشاء وحدة تقييم المدارس، هذه خطوة مهمة في البناء المؤسسي وفي ربط التعليم بالتنمية الشاملة المستدامة، اذا ما صاحب ذلك تغيير فكري في وضع المناهج وطرق التدريس يواكب متطلبات التحولات التنموية المستقبلية ومهارات القرن الواحد والعشرين. لكن الامر لا يقف عند تطوير اداء المدارس، بل تتطلب الاستراتيجية تحولات في جميع البنى الداعمة. قد يتضح ذلك من نشر تفاصيل أكثر عن نتائج الاستراتيجية. هناك اهتمام كبير على مستوى العالم العربي بتطوير التعليم، وقد برزت عدد من التوصيات من ندوة شرم الشيخ، وتوجهات وثيقة تطوير التعليم في العالم العربي. ستكون امام وزارة التربية مادة دسمة يُستفاد منها في وضع الاستراتيجية الجديدة مستفيدة كذلك من الخبرة وتجارب كوادرها الحالية والسابقة، مع تكريس القيم التي اعتمدتها الاستراتييجة السابقة ومفهوم الشراكة المجتمعية التي نرى انها اساسية في تطوير التعليم والارتقاء به، وينبغي تفعيلها عمليا بالتواصل مع المجتمع والانفتاح عليه والاستفادة من مقترحاته ومناقشاته.
مشاركة :