تحقيق إخباري: عمالة الأطفال في العراق زيادة مستمرة رغم المحاذير القانونية والاجتماعية

  • 9/1/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

اسهمت الظروف الأمنية والصعوبات الاقتصادية التي يمر بها العراق في ارتفاع عدد الأطفال الداخلين إلى سوق العمل رغم المحاذير القانونية والاجتماعية والمخاطر التي يمكن أن تواجههم والأعمال الشاقة التي ينخرطوا فيها ناهيك عن إمكانية استغلالهم من قبل عصابات ترويج المخدرات والمجموعات الإرهابية للقيام بأعمال تنافي قيم الطفولة. وفي سوق الشورجة أكبر سوق تجارية وسط بغداد، تجد مئات الأطفال والأحداث يجرون عربات متهالكة يتجاوز وزن ما يحملونه فيها من بضائع أوزان أجسامهم بعدة مرات، فيما تبدوا علامات التعب والارهاق واضحة على وجوههم ضاربة عرض الحائط براءة الطفولة وحق الطفل بالعيش الكرام، فيما يبيع أخرون الماء والمناديل الورقية وقوالب الثلج ومواد متنوعة لسد حاجتهم وحاجة عوائلهم. رجولة مبكرة بدرجة حرارة تتجاوز 45 درجة مئوية، يقف الطفل أحمد سعد (10 سنوات)، على جانب الطريق في شارع الرشيد ليبيع الماء ومكعبات الثلج للمارة واصحاب المحلات القريبة، ليساعد والده في توفير القوت اليومي لعائلتهم التي تضم خمسة أشخاص، تاركا مقعده الدراسي واحلامه بمستقبل افضل. وقال أحمد لـ((شينخوا)) "صباح كل اليوم اتوجه من منطقة الفضل، وهي منطقة شعبية وسط بغداد معظم سكانها من محدودي الدخل، إلى شارع الرشيد، لبيع الماء والثلج إلى المارة واصحاب المحال التجارية القريبة، لكي اساعد والدي وهو عامل اجر يومي في تدبير احتياجاتنا المنزلية، واحصل تقريبا على خمسة الاف دينار عراقي حوالي 4 دولارات". وأضاف أن "عائلتي فقيرة فنحن خمسة أشخاص نعيش في غرفة واحدة بمنزل قديم، ولذلك تركت الدراسة من الصف الثالث الابتدائي وتوجهت للعمل حتى اساعد والدي لان دخله قليل ولا يكفينا، رغم اني كنت طالبا متفوقا وأحلم ان أكون من الأطباء أو المهندسين". اما مثنى ابراهيم (12 عاما) والذي كان يجر عربة محملة ببضائع مختلفة من منطقة الشورجة ليحملها في شاحنة كانت تقف في ساحة الرصافي، قاطعا مسافة تصل إلى أكثر من 1500 متر في زحام شديد زاد تعبه الذي بدى واضحا على جسمه الناحل وهو يتصبب عرقا، فقال لـ((شينخوا)) "توفي والدي قبل سنتين بعد ان اصيب بمرض السرطان ومنذ ذلك الوقت اصبحت مسؤولا عن عائلتي المكونة من والدتي واربعة اخوة، لذلك طلبت مساعدة احد اصدقائي والذي يعمل هو الاخر في جر العربات لنقل البضائع بسوق الشورجة". وأضاف "العمل هنا شاق ومتعب ولكن ماذا عساي ان افعل حتى اطعم عائلتي واساعد اخوتي في اكمال دراستهم، واقف إلى جانب والدتي التي تعمل في صنع الخبز من الصباح إلى المساء"، مسترسلا "الحياة صعبة ولا بد ان نتعاون مع بعضنا حتى نستطيع العيش". رفض اجتماعي لعمالة الاطفال محمد القره غولي، مهندس متقاعد ويشرف على عدد من مشاريع البناء، قال لـ((شينخوا)) إن عمالة الاطفال ظاهرة مرفوضة وتتسبب بترك المدارس والاتجاه إلى العمل في المناطق الخطرة مثل البناء والانشاءات وغيرها من الاعمال الشاقة، وكوني مهندس اشرف على عدد من مواقع العمل ارى عددا كبيرا من الاطفال يعملون هناك. وأضاف "في الحقيقة تصلنا في بعض الاحيان تعليمات من الجهات المختصة بانه ممنوع ان نشغل الاطفال، ولكن ماذا يمكن ان افعل عندما يأتي إلي طفل ويقول لي اني اريد ان اساعد عائلتي وليس لدي دخل واريد ان اعمل في هذا المجال، ونضطر لتشغيلهم رغم ان هذا العمل بالنسبة لهم غير مناسب قياسا مع اعمارهم". وأوضح القره غولي أن "سبب عمالة الاطفال هو المرحلة التي مر بها بلدنا كالحروب والتهجير والطائفية، كل هذه المشاكل اصبحت عامل ضغط على الأسرة و رب الاسرة، فيجب على الحكومة أن تؤهل هؤلاء وتضعهم على الطريق الصحيح الذي يجب ان يكونوا موجودين فيه"، مشيرا إلى أن وزارة العمل يجب ان تنظم ورش تحتوي من خلالها العاطلين عن العمل كل حسب رغبته من يريد ان يعمل في النجارة او التأسيسات الكهربائية وغيرها من المهن حتى تصبح لديه فرصة عمل. وتابع أنه في الوقت الحاضر هناك الكثير من المخاطر التي تهدد الاطفال العاملين حيث تنتشر المخدرات بدون رقابة وهذا الامر قد يؤدي إلى انحراف بعض الاطفال وعملهم مع مهربي المخدرات، وهذه المجموعات بدأت بالفعل تستفيد من الاحداث في ترويج المخدرات ونقلها. قانون حازم وتطبيق ضعيف القانون العراقي نظم عمل الاطفال في نص المادة السادسة/ 3 من قانون العمل على انه يجب القضاء على جميع مظاهر عمل الاطفال، كما حدد القانون سن العمل بـ 15 عاما كحد ادنى، لاسباب عديدة لان هذا العمل يجعل الطفل معرضا للكثير من الامور فنجد الأطفال يتركون مدارسهم في حين يجب ان نوفر للطفل بيئة مهمة حتى يكون عنصرا فاعلا في المجتمع يهتم بدراسته وليس مشردا أو يمارس أى أعمال في الشوارع مثل بيع المناديل الورقية والماء والعلكة، بحسب المحامي علي سامر العبيدي. وأضاف لـ((شينخوا)) أنه "يجب على الدولة أن تهتم بهذا الأمر جدا جدا (عمالة الاطفال) لأن بناء الدولة يقف على بناء هذا الجيل فإذا كان الطفل في الشارع فسوف يكون عرضة للتحرش وأيضا عرضة لاستغلاله بالعمليات الإرهابية، هذه ظاهرة سلبية إلى أبعد الحدود، نحن نغض عنها النظر لكن هي مهمة وخطيرة للغاية". وأوضح العبيدي أن "لدينا دائرة رعاية القاصرين وقانونها يتيح لاي شخص حتى لو لم يكن طرفا متضررا، عندما يجد طفلا يمارس أعمال في الشارع أو يتعرض للتعنيف فله الحق بان يخبر السلطات المختصة، مشددا على أن "القانون فصل واهتم بهذا الموضوع، ولكن الخلل لدينا هو في الوعي العام حول هذه الظاهرة وفي الجهات التنفيذية التي لا تطبق القانون بشكل دقيق". وتابع "يجب التحرك بشكل افضل تجاه ظاهرة عمالة الاطفال، وعلى الشرطة والجهات الامنية ووزارة العمل أن تحارب هذه الظاهرة لانها خطيرة جدا، وربما يستغل الاطفال ويتعرضون إلى تحرش جنسي وإلى زجهم في عمليات ارهابية وأمور أخرى موجودة في الشارع"، مشددا على أن قوانين وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في العراق تنص على معاقبة المتسبب في تشغيل الأطفال بعقوبة تتراوح بين الغرامة المالية وإيقاف التصريح لرب العمل. إحصائيات مقلقة في يونيو الماضي، أكدت منظمة العمل الدولية واليونيسف في العراق في بيان مشترك أن الأطفال "يشكلون الغالبية من حوالي 4.5 مليون عراقي من المعرضون لخطر الفقر بسبب تأثير النزاع وجائحة كورونا، حيث يواجه طفل واحد من كل طفلين (48.8%) اشكال متعددة من الحرمان سواء في التعليم أو الصحة أو ظروف المعيشة، أو الأمن المالي". وأضاف "لقد تزايد عمل الأطفال في العراق في السنوات الأخيرة بسبب النزاع المسلح والنزوح والتحديات الاقتصادية والاجتماعية"، لافتا إلى أن عمل الأطفال، يحرمهم من طفولتهم وتعليمهم، كما أنه يزيد من مخاطر تعرضهم للأخطار الجسيمة والأمراض والاستغلال. وتقدر المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق نسبة عمالة الأطفال في البلاد بـ 2 بالمائة، فيما تشير إحصاءات اليونيسف إلى أن ثلث أطفال العراق يمرون بظروف اقتصادية صعبة تضعهم أمام متطلبات العمل لإعانة عائلاتهم، وتوضح أن أطفال العراق يواجهون أعلى زيادة في معدلات الفقر، حيث يوجد طفلان فقيران بين كل 5 أطفال. وعلى الرغم من القوانين الرادعة والرفض الاجتماعي لظاهرة عمالة الاطفال، الا ان سوق العمل العراقي ما زالت تعج بآلاف منهم، وهم يعملون في مهن وأعمال لا تتناسب مع أعمارهم، ما بين مناطق صناعية وأسواق وصولا إلى الوقوف في اشارات المرور والشوارع لبيع الماء والمناديل الورقية أو مسح زجاج السيارات، في منظر يخرق كل قيم الطفولة وحقها بالعيش الكريم والحصول على التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية المناسبة.

مشاركة :