معضلة ترجمة مشاعر الناخبين إلى أهداف انتخابية

  • 9/3/2022
  • 20:55
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

استعرضنا في المقال السابق بعض أوجه النقد للنظرية الديمقراطية، وكذلك الفجوة بين النظرية والتطبيق في واقع الممارسات الغربية، لكن سنطرح اليوم سؤالا واحدا فقط عن واحدة من أكثر ما تقدمه النظرية الديمقراطية على أنه جاذب وعادل، وهي «العملية الانتخابية» التي تذهب النظرية الديمقراطية إلى أنها الشكل الأمثل والأوحد للمشاركة السياسية؛ على الرغم من التراجع المستمر في نسب المشاركين في العمليات الانتخابية عالميا، وعلى الرغم كذلك من أنها باتت عرضة للتدخلات الخارجية واستخدام ما أمكن من الحيل والتقنيات لتعبئة الناخبين وتوجيههم، كما تروج لجاذبيتها من خلال فكرة مفادها أن صناديق الاقتراع هي كرسي الحكم الذي يجلس عليه الشعب بأكمله، هذا على افتراض أن كل فرد من شعوب كل دول العالم يستطيع من خلال مصالحه الفردية الضيقة اختيار الصالح العام الاستراتيجي للدولة والمجتمع.ولست هنا لأسأل عن صلاح رأي الأغلبية على الرغم من مشروعية هذا السؤال، لكن لأسأل عن محصلة ترجمة مشاعر الناخبين الفردية إلى أهداف انتخابية بدلا عن اقتباس تلك الأهداف من الواقع الفعلي للقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ فالعملية الانتخابية ليست بمثابة استطلاعات رأي تهدف إلى معرفة آراء الناخبين ومواقفهم تجاهها وحسب، بل يفترض بها أن تتعلق باختيار أفضل وأصلح المشاريع المطروحة التي يتجاوز تأثيرها أحيانا مستوى الدولة إلى التأثير الداخلي على الدول الأخرى؛ وبالتالي سيكون من البديهي أن تتجاوز أهميتها المصالح الفردية مهما تزايدت أعداد الأفراد الذين يتشاركون في هذه المصالح.وهو سؤال بطبيعة الحال أقل إرهاقا في التفكير عن إجابة واقعية له، من سؤال ونستون تشرشل الذي عنون كتابه عندما ناقش إشكالات العلاقات الدولية بالسؤال: «لماذا يكذب القادة؟» إذ توصل إلى أن هؤلاء القادة يكذبون سعيا للحصول على أصوات الناخبين، وقد برر لهم سلفا أبو السياسيين نيكولا مكيافيلي حينما قال «الغاية تبرر الوسيلة». وفي دراسة بريطانية ألمانية مشتركة تُجاري العملية الانتخابية الأمريكية، نشرتها دورية «إيكونوميك جورنال» عام 2020 وأجريت على 308 أشخاص كان قرابة نصفهم من النساء، توصلت إلى أن المرشحين الأكثر كذبا هم من يحصل على الفرص الأوفر لكسب الانتخابات، على الرغم من أن الناخبين في هذه التجربة كانوا يرون أن الثقة عامل مهم في الدفع لاتخاذ قرار الانتخاب.لذلك، ولكي يكسب المرشحون؛ عليهم الانجراف نحو إطلاق الكثير من الوعود التي يحب الناخب سماعها على المستوى الفردي أولا ثم على المستوى الجماعي، وإن كانت هذه الوعود ستأتي على حساب المصالح الوطنية الفعلية والأمن القومي أحيانا، أو على حساب الحلول السياسية الحقيقية لتلك القضايا والأزمات السياسية، وإذا أخذنا قضية النووي الإيراني مثالا، وحاولنا تتبع كم وعدا انتخابيا تحقق في عقدين كاملين لوجدنا أن النتيجة تحاذي شيئا من الصفرية حتى مع اقتراب تجديد الاتفاق النووي الآن، وهذه النتيجة تكون فقط عندما تتحول القضية إلى هدف انتخابي يرجو المرشح من ورائه البقاء لسنوات معدودة في رأس الدولة؛ هذه المعادلة تصبغ الحلول المطروحة إزاء تلك القضايا بصبغة الاستمرارية، أو الاستدامة أحيانا، ما دامت هنالك وعودا أخرى قابلة للإطلاق في وقت آخر من مرشحين آخرين، ونستذكر هنا أبرز أهداف الممثل الكوميدي فولوديمير زيلينسكي الانتخابية قبل أن يصبح رئيسا لأوكرانيا بالفعل، هو إيجاد حل نهائي لأزمة الدونباس، والتي تحولت في منتصف فترته الرئاسية إلى أزمة من شأنها إحداث تغيرات ليس في الداخل الأوكراني فقط وإنما في النظام الدولي برمته.وفي منتصف تسعينيات القرن الماضي، كانت قد أوشكت فترة بوريس يلتسن الرئاسية على الانتهاء، وكان الاقتصاد الروسي آنذاك اقتصادا مريضا يعاني من علل الركود والتضخم والتدهور المزمن في مستويات المعيشة، كل هذه المعطيات كان من المفترض أن تدفع بالناخب الروسي بعيدا عن إعادة انتخاب يلتسن؛ إلا أن صندوق النقد الدولي ظهر فجأة ومنح روسيا قرضا كبيرا بقيمة 10.1 مليارات دولار، بعدما أشاد بالاقتصاد الروسي في تقرير أصدره عام 1996، وأعيد على إثر هاتين الخطوتين انتخاب يلتسن علما أن الصندوق نفسه نشر لاحقا بيانات تفيد بانخفاض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الروسي في ذات العام إلى -5% وبلوغ التضخم حوالي 48%.وهذا يظهر أن أشكال استغلال القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومشاعر الناخبين نحوها في الأهداف الانتخابية متعددة بتعدد التجارب الديمقراطية؛ لتعيدنا إلى الإصرار على عدم واقعية الديمقراطية كونها تأتي بحلول أفلاطونية مبنية -في كثير من الحالات- على الرغبة الفردية بكسب أصوات الناخبين على حساب المصالح الوطنية أو الحلول النهائية للأزمات.9oba_91@

مشاركة :