الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يحاول استمالة نظيره الجزائري عبدالمجيد تبون لتأمين تقارب يَعِد بالكثير لكنه لا يقدم سوى القليل من التفاصيل الملموسة. بينما يحاول تبون التلويح بورقة الطاقة أمام ماكرون الذي لا تجد بلاده نفسها في عرضة للخطر حيال نقص إمداداتها كغيرها من دول أوروبا. باريس - ما الذي تغيّر حتى يصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون علاقة بلاده مع الجزائر بأنها تعيش "صفحة جديدة"؟ الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون كان أيضا مختلفا حين تحدث عن "ديناميكية إيجابية" لمسها في محادثاته مع ماكرون. غير أن تلك الإيجابية لم تجد لها صدى لدى الجزائريين. وعلى الرغم من أن الجزائر تأتي في المرتبة الثانية في قائمة البلدان الأفريقية الشريكة لفرنسا في مجال التبادل التجاري، بقيمة بلغت في العام 2021، 8 مليارات يورو، وبمعدّل واردات مرتفع من السلع الجزائرية تمثل المحروقات نسبة 91 في المئة منها، إلا أن الجزائريين لا يجدون انعكاساً لهذه المكانة الاقتصادية على السياسة الفرنسية تجاه بلادهم. وقد أثارت الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي إلى الجزائر التي استمرت ثلاثة أيام الجدل والعديد من الأسئلة حول جدية كونها طوت صفحة الخلافات التي تفجّرت في أكتوبر الماضي، حين سحب تبون سفير بلاده من باريس غاضبا من تصريحات أدلى بها ماكرون في اجتماع مع 18 شابا فرنسيا من أصل جزائري. وقال الرئيس الفرنسي حينها إن "التاريخ الرسمي الجزائري أعيدت كتابته، ولا يستند إلى حقائق إنما على خطاب كراهية لفرنسا". معتبرا أن تبون البالغ من العمر 76 عاما كان عالقا داخل نظام عسكري سياسي صعب. غير أن أكثر ما أثار غضب الجزائريين تساؤل ماكرون "هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟". ملف الطاقة المفقود ملف الطاقة حضر بقوة في مباحثات ماكرون - تبون ملف الطاقة حضر بقوة في مباحثات ماكرون - تبون وأراد ماكرون أن يضفي على الزيارة طابعا يجعلها زيارة من العيار الثقيل هذه المرة، كنوع من التكفير عن موقفه السابق، فقد أحضر معه وفدا مكونا من 90 مسؤولا فرنسيا، من بينهم 6 وزراء في الحكومة ورجال أعمال وشخصيات دينيّة ورياضية وأكاديمية وفنية. ثلثا هذا الوفد كانا من الفرنسيين من أصل جزائري، وكان الغرض غير المعلن من ذلك، حسب المراقبين، توجيه رسالة إلى سكان ضواحي المدن الفرنسية التي يتحدر غالبيتهم من أصول جزائرية ومغاربية. حضور رئيس شركة الطاقة الفرنسية "إنجي" مع الرئيس الفرنسي جعل ملف الطاقة حاضرا في مباحثات ماكرون - تبون، رغم تقليل الفرنسيين من أهميته، لأن فرنسا تستورد حوالي 17 في المئة من غازها من روسيا، وبذلك تكون أقل تأثراً من العقوبات المفروضة على روسيا بالقياس مع غيرها من الدول الأوروبية. ◙ فرنسا تستورد حوالي 17 في المئة من غازها من روسيا، وبذلك تكون أقل تأثراً جراء العقوبات المفروضة على موسكو ولكون الجزائر تمتلك أكبر احتياطيات أفريقية من الغاز الطبيعي وخطوط أنابيب إلى كل من إسبانيا وإيطاليا، فإن ورقة الطاقة من الطبيعي أن تلوح أمام تبون في ظل استمرار الحرب الروسية – الأوكرانية كوسيلة لتعزيز العلاقات مع ضيفه الفرنسي. تلك حاجة جزائرية أكثر منها فرنسية، فبلاد الرئيس تبون تعاني من اقتصاد شبه منهار ولا بد له من إنقاذ بصورة أو بأخرى. العمل المشترك على جلب الاستقرار لليبيا ومواجهة خطر الإرهاب والتطرف في منطقة الساحل ومسألة الصحراء الشائكة والهجرة من الملفات التي ناقشها ماكرون مع تبون، على تعقيداتها وتباين المواقف حولها بين البلدين. فماكرون في حالة دفع وجذب مستمرة مع تبون، فكلما توازنت العلاقات قليلاً يجد الرئيس الفرنسي نفسه في حاجة إلى إرضاء اليمين الفرنسي، أو إسكاته على الأقل، وعندها يسارع إلى توجيه لطمة إلى الجزائر أو اتخاذ إجراءات ضد الجزائريين ونظرائهم من مواطني شمال أفريقيا، كما حين قرر العام الماضي تخفيض عدد التأشيرات الممنوحة إلى هؤلاء بنسبة وصلت إلى 50 في المئة، غير أن البيان الختامي المشترك لزيارة ماكرون لم يشر إلى تلك النقاط الحساسة. التركة النووية وصمت ماكرون الجزائريون جددوا مطالبهم بنشر خرائط توضح التلوث النووي الفرنسي في بلادهم الجزائريون جددوا مطالبهم بنشر خرائط توضح التلوث النووي الفرنسي في بلادهم امتنع الطرفان التعليق على اجتماع رفيع المستوى بين رؤساء أركان الجيش وقادة الأمن من البلدين كرر فيه الجزائريون مطالبهم بنشر خرائط توضح مدى التلوث النووي منذ الستينات عندما استخدمت فرنسا الجزائر كميدان لتجارب قنابلها النووية. وترفض فرنسا مناقشة هذا الملف، على الرغم من أنها نفذت تفجيرا نوويا ناجحا في الصحراء الجزائرية عام 1960، وتلا ذلك 17 تفجيرا آخر حتى نهاية العام 1966 كجزء من الصفقة التي أنهت حرب الاستقلال التي استمرت 8 سنوات، وقد سُمح لفرنسا بمواصلة تجاربها النووية حتى العام 1967. الجزائريون يشعرون بخيبة أمل بعد زيارة ماكرون، والبيان الرئاسي المشترك الذي صدر عن لقاء القمة بيان يدعو إلى "إرساء عهد جديد على أساس شراكة متجددة تترجم من خلال نهج ملموس وبناء يركز على المشاريع المستقبلية والشباب"، لا يستطيعون غض النظر عن التمييز الفرنسي في معاملتهم، بالمقارنة مع شعب بولينيزيا الذي قرر ماكرون الاعتراف له، العام الماضي، بأن فرنسا أجرت فيه ما يقرب من 200 تجربة نووية بين عامي 1966 و1996. حينها قال ماكرون للبولينيزيين "لفترة طويلة، فضلت الدولة التزام الصمت بشأن هذا الماضي وما أريد كسره اليوم هو هذا الصمت". صمت لم يكسره ماكرون في زيارته إلى الجزائر، ولم يحرص نظيره الجزائري على زعزعته، وقد تضيع فرصة الحرب الأوكرانية دون أن تغير شيئاً في رصيد الجزائر العالق في فرنسا.
مشاركة :