حياة في القصاص

  • 1/3/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ظلت قيادة المملكة العربية السعودية، منذ بروز ظاهرة الإرهاب والغلو الفكري والتطرف العقدي، تنتهج طريقا جليا، كشف عن بعد النظر الذي تتمتع به قيادتنا الرشيدة في كل حقبها الزاهرة، فلم تأل جهدا في إشاعة الأمن وإقامة أسبابه في كل ربوع الوطن، متعقبة في ذلك كل رؤوس الفتنة، ومثيري الشغب، ومروجي الخوف وترويع الآمنين، مستهدفة كف أيديهم عما يخوضون فيه من إثم عظيم بإزهاق الأرواح، وإسالة الدماء بغير مسوغ شرعي، أو سلطان ديني. وهي في هذا الطريق الجلي الواضح حاسمة متى ما كان الحسم مستوجبا وضروريا، وباذلة كل وسائل النصح والإرشاد والدعوة بالحسنى والمناصحة لكل من شذ عن الطريق، وحاد عن الصواب، ولم يكن إطلاق سراح البعض من غلاة التكفيريين، ورؤوس الفتنة، أو استمهال أمرهم عن ضعف أو قلة حيلة في أمرهم، ولكنها كانت من وعي القيادة ورؤيتها البصيرة بأن الرجوع إلى الحق فضيلة، وهزيمة هذه الفئة في منطلقاتها الآيديولوجية ومسوغاتها النظرية عبر عملية المناصحة من شأنه أن يحجم من تمدد هذه الظاهرة البغيضة في قطاعات أخرى لها استعداد للولوغ في معاطن هذا الوحل الفكري الآسن. وعلى هذا فإن تنفيذ حكم القصاص في بعض أفراد هذه الفئة الضالة، وفقا للبيان الذي صدر عن وزارة الخارجية، يصحبه اقتناع راسخ بأن الدولة – أعزها الله – قد استنفدت كل وسائل النصح والإرشاد تجاه هذه الفئة، وأن الفعل الذي قامت به هذه المجموعة المتطرفة لا علاج له إلا بإقامة الحد عليهم، استجابة لموعود الحق جل وعلا في قوله الكريم: «ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب».. فلا تشفي، ولا ضغينة، ولا حمولة من غضب على من وقع عليه القصاص، وأقيم في حقهم العدل بتنزيل الحدود، بل تتشكل في داخلي مشاعر الأسف حيالهم، فما أعظم ما اقترفوه من ذنب، وما أبشع ما جاؤوا به من فعل لا يقره دين، وتسنده المشاعر الإنسانية السليمة في فطرتها.. أسف أن ينحط الإنسان بآدميته إلى درك يستلذ فيه برؤية الدماء، ويفرح بترويع الناس، وإزهاق أرواحهم، بحجج أهون من أن تقف أمام الحق الأبلج في النصوص القرآنية والنبوية المحذرة من مغبة مثل هذه الأفعال المنكرة.. إن تنفيذ القصاص في هذه الفئة يستبطن في طياته رسائل عديدة، لا بد أن تؤخذ في الحسبان، وأن لا ينظر إليه على اعتبار أنه تنفيذ لحكم وحسب، فليست القضية قضية عادية في تفاصيلها، وليس مقترفوها عاديين ينتهي أمرهم بانتهاء تنفيذ الحكم عليهم. فأول رسالة في هذا القصاص العادل تأكيد على نهج قيادتنا الرشيدة في ترتيب أولويات المعالجة لظاهرة التطرف والغلو والإرهاب، بتراتبية تبدأ من توطين مفهوم وسطية الإسلام سواء كان ذلك في المناهج التعليمية أو في منافذ الإعلام المختلفة، أو في المنابر المختلفة، يليه أزجاء النصح وبذله لكل من كشف عن جنوح نحو التطرف، أو مال إليه في تفكيره، أو دعا إليه بأي وسيلة من وسائل الدعوة والإعلان، الضرب بيد من حديد على كل من لا يستجيب ولا يرعوي، ويواصل في فعله المنكر. وثاني هذه الرسالة المستبطنة في تنفيذ القصاص، موجهة إلى الأيادي التي تلطخت بالدماء البريئة، ومارست العقوق على وطنها وقيادته وبنيه، وحسبت أنها في مأمن وملاذ عن العقوبة، فلتعلم أنها لا تنجو بفعلتها مهما تقادم الزمن، وتطاول الأمد، فيد العدالة ستلاحقها أينما كانت، وهي رسالة تحذير لكل من يجد في نفسه تعاطفا أو ميلا نحو هذه الفئة المارقة، أن تنزيل أحكام الله أمر واجب وضروري لاستمرار الحياة، وأن المملكة أرض أمن، وموطن سلام، فلا محل فيها لمتنطع يعاكظ نصوص الشرع الجلية المحرمة للغلو، والمحذرة من مغبته. وثالث هذه الرسائل، معني بها المجتمع بكل فئاته وقطاعاته بأن يكونوا العين الساهرة مع القيادة الرشيدة لحماية أمن وسلامة هذا الوطن، فليست الدولة وحدها المعنية بذلك، وإنما كل فرد في المجتمع عليه أن يكون العين الساهرة، وفرد الأمن المجند بوعيه وحبه لوطنه ليرشد إلى مواطن الغلو، وأوكار التطرف ليتم حسمها منذ وقت مبكر قبل أن تستفحل ويعم أذاها وشرها، وينسحب القول كذلك على جميع الأسر بأن تراقب أبناءها في سلوكهم، وتقوم ما يعوج من أفكارهم وينحرف من أهوائهم، وأن لا يستهينوا بالأمر في مبتداه، فما عظمت هذه المصيبة التي ألمت بنا إلا من الغفلة أو الاستغفال الأسري، فلو أن كل فرد راقب أبناءه مراقبة الواعي والمستبصر لوئدت الفتنة في مهدها، ولما احتجنا إلى كل هذا المجهود والعنت الكبير الذي نشهده في وقتنا الحاضر. آخر هذه الرسائل المستنبطة في تنفيذ القصاص، مستهدف بها العالم الخارجي كله، بما يؤكده هذا التنفيذ من نهج المملكة قيادة وشعبا في استنكار الإرهاب، وسعيها الدؤوب والجاد في القضاء عليه وتجفيف مستنبتاته الكريهة، وأن المملكة ليست موطنا لمثل هذه الأفكار، ولا تقرها، بل تضرب بقوة على متركبيها، وهي في ذلك آخذة بخطام المبادرة، وحاملة لواء المبادءة في هذه الحرب المقدسة على الإرهاب ومقترفيه.

مشاركة :