الفطنة والتبصير لعلاج القلق

  • 1/3/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

القلق هو عدم الراحة النفسية المفرطة والتوتر والخوف من المجتمع، وهو حالة يكون فيها الشخص قلقاً من الأوضاع الاجتماعية بشكل استثنائي وخائفاً من تعليقات الآخرين وتقيمهم له، مصحوباً برهاب التعامل مع كل من حوله، فالقلق الاجتماعي يعرف أحياناً بالرهاب، أي الخوف غير المسبب أو غير العقلاني من وضع معين أو مسألة أو ظروف محيطة. فالأشخاص الذين يعانون اضطراب القلق الاجتماعي يتوترون من الظروف الاجتماعية على نحو غير متناسب، ومن أعراضه اضطراب المعدة والصداع الخفيف، فالذين يعانونه قلقون دائماً، ويقومون بأنشطة سلبية، وقد تظهر عندهم نوبة الهلع، فبعض الأشخاص يقلقون بشأن مظهرهم ويكونون أيضاً خائفين من الفشل عند مقارنتهم بأقرانهم، وبين 3% و13% من الناس في الدول الغربية يعانون هذا المرض في بعض مراحل عمرهم، وهو مرض شائع في الإناث أكثر منه في الذكور، ويلعب السيروتونين ( وهو مركب موجود في الصفائح الدموية ومصل الدم الذي يضيق الأوعية الدموية ويعمل كناقل عصبي) دوراً في اضطراب القلق الاجتماعي، والتعافي منه يحتاج إلى العلاج النفسي. يؤثر هذا المرض في حياة الشخص الذي يعانيه بشكل كبير، حيث يكون خائفاً من الإحراج في المجتمع الذي يعيش فيه، وهذا الخوف يؤدي في بعض الأحيان إلى تأثيرات منهكة في العلاقات الشخصية وفي مكان العمل، ومن أعراض هذا المرض احمرار الوجه خجلاً، والارتعاش، وارتفاع نبضات القلب، وتوتر العضلات، والشعور بالاشمئزاز، والتعرق، وألم البطن والصداع الخفيف. يظهر القلق عادة في بواكير الصبا كجزء طبيعي من التطور الاجتماعي وربما لا يلاحظ حتى يشب الشخص، فآثاره وموجاته تختلف بشكل كبير من شخص لآخر. يشعر معظمنا بالتوتر في ظروف اجتماعية معينة، مثل إلقاء المحاضرة، وأثناء التعارف، والمشاركة في مسابقة، فالقلق في هذه الحالات جميعها طبيعي، ولكنه يكون مرضياً عندما يشعر الشخص أن تفاعله اليومي مع الناس يسبب له الخوف والخجل والإحراج المفرط، فالأمور البسيطة مثل ملء أوراق وسط الناس أو الأكل في الأماكن العامة أو مع الأصدقاء تصرفات بالغة الصعوبة للشخص المريض. فهذا المرض حالة لمرض عقلي مزمن حيث يكون فيها المريض متوجساً من دون سبب معتقداً أن الناس يلاحظون أو يعلقون على تصرفاته، بالإضافة إلى أنه يكون خائفاً للغاية من أن يتم إذلاله وإحراجه وقد تظهر عليه أعراض جسدية أو نفسية أو مؤشرات سلوكية. وتصل الأعراض النفسية والمؤشرات السلوكية في بعض الأحيان إلى مرحلة تتأثر فيها الواجبات مثل الذهاب إلى المدرسة والقيام بالعمل أو أي أنشطة أخرى، حيث يتجنب فيها المريض الظروف التي تجعله مركز اهتمام الناس، أما الأطفال الذين يعانون هذا المرض يميلون إلى تفادي الإحراج أمام أقرانهم. يكون المريض خائفاً أيضاً من مرافقة الغرباء وفزعاً من تقديم نفسه للآخرين، متوجساً من النقد، فمن العلامات التي يلاحظها الناس فيه، القلق البائن، ومن هذه الحالات الخوف من المقابلات الرسمية، حيث تنتابه نوبات الهلع في تلك الظروف ويتحاشى التحدث إلى الناس والقيام بأعمال معينة بسبب الخوف من الإهانة والانتقاد. ومن الأعراض والمؤشرات الجسمانية: * الشعور بالارتعاد وخفقان القلب بشدة * اضطراب المعدة * تجنب الاتصال بالعين * احمرار الوجه * الأطفال الذين يعانون الرهاب الاجتماعي يصرخون ويدخلون في نوبات غضب، ويتشبثون بوالديهم أو ينغلقون على أنفسهم * برودة الأيدي * الارتباك * البكاء * الإسهال * صعوبة الكلام ويشمل اهتزاز في الصوت * جفاف الفم * جفاف الحلق * التعرق المفرط * توتر العضلات * الامتعاض * الارتعاش * صعوبة السير - ويكون فيه الشخص قلقاً على طريقة سيره وفاقداً للتوازن ويكون المريض أيضاً حساساً للغاية تجاه النقد والتقريع ولا يعتد بنفسه ولا يتفاعل مع المجتمع وليس حازماً ولا يقيم لنفسه وزناً، وتكون تصرفاته انهزامية وركيكة. فالمرضى يقصرون في بعض الأحيان في واجباتهم المدرسية خوفاً من أن يكونوا موضع اهتمام عند مشاركتهم في حلقات الدراسة، ففي بعض الحالات الحادة والمزمنة لهذا المرض يتطور المرض ليكون نفسياً مثل الاكتئاب. وهناك أوضاع يجدها المريض غاية في الصعوبة لمواجهتها - منها: * التعرف إلى أصدقاء جدد والتحدث إليهم * الدخول إلى الغرف التي يجلس فيها الناس * النظر إلى أعين الناس مباشرة * الأكل في المطاعم * المبادرة بالتحدث إلى الآخرين * استخدام الهواتف العامة * استخدام المراحيض العامة * الكتابة أمام الآخرين * القيام بأي عمل يراقبه الناس والمفارقة أن هؤلاء الذين يعانون اضطراب القلق الاجتماعي لا يعرفون مصدر قلقهم، ومع ذلك يستمرون في قلقهم ولا يتحسنون إلا باللجوء إلى الطبيب المختص. يقول الأطباء إن القلق الاجتماعي سببه البيئة والجينات، فظهوره في الأسر يكون وراثياً، وهناك بحوث مستمرة لمحاولة إيجاد الفرق بين وراثة المرض واكتسابه (إذا كان أفراد الأسرة قلقون، فإن النشء يتعلمون القلق) كما أن هناك أيضاً بحوثاً تجري حالياً من قبل أطباء لمعرفة ماهية الكيماويات الطبيعية للجسم ودورها في تطور القلق، إذ إن السيروتونين وهي مادة كيميائية في الدماغ تلعب دوراً رئيسياً عندما تكون مستوياتها في الدماغ ليست طبيعية أو إذا كان المريض حساساً للغاية. ويعتقد بعض الخبراء أن اللوزة وهي جزء من الدماغ، تلعب دوراً في الشعور بالخوف، وينتج عن ذلك ردة فعل مفرطة في الشخص الذي يكون لوزته نشطة للغاية. إن معدلات اضطراب القلق لدى شعوب منطقة البحر المتوسط منخفضة مقارنة بالدول الإسكندنافية ويرجع السبب إلى الأجواء الدافئة بالإضافة إلى الكثافة السكانية العالية، فالأجواء الدافئة تشجع على التفاعل الاجتماعي، ولكن يرى آخرون أن السبب يرجع إلى العامل الثقافي. يجري طبيب الأسرة أو طبيب الرعاية الأولية تشخيصاً جسدياً ونفسياً على المريض، ليساعده في معرفة أن المرض ليس بسبب علة جسدية، إذ ليس هناك حالياً إمكانية لإجراء اختبارات على مرضى القلق، ففي الأغلب سيحول الطبيب المريض إلى طبيب أمراض نفسية مختص يسأل المريض وصف ما يشعر به من أعراض ومتى تظهر، وكم مرة، وتاريخ المرض، وقد يطلب المختص من المريض كل المعلومات الخاصة به. يلازم هذا المــــــرض عدداً كـــــبيراً من الناس مدى الحياة، حيث يتقلب في درجة حدته، فالعلاج المتاح يمكن أن يســــاعد المرضى فــــي الســــــيطرة على الأعراض بشكل كبير بالإضافة إلى تعزيز الثقة بالنفــــس، فالعلاج النفسي مع تناول العقاقير يعتبر من قبل معظم الأطباء الحل الناجع والفعال. والعلاج بالوسائل النفسية التي يمكن الاستفادة منها في إقناع المريض، واقتراح الحلول، والتطمين، والتبصر كـ (الوعي بالذات والفطنة) والإرشاد بحيث يستطيع المريض رؤية نفسه ومشكلته بطريقة واقعية للتغلب عليها أو التعايش معها بفاعلية، فهناك عدة أنواع للعلاج النفسي منها العلاج الإدراكي والاتصالي والنفسي الديناميكي والأسري. ثبت أن العلاج السلوكي المعرفي يحسن الأعراض بطريقة كبيرة ويساعد المرضى على معرفة ذواتهم ويحدد لهم كيف يتصرفون وكيف يقومون برد الفعل، فالطريقة التي يفكر بها الفرد تؤثر إيجاباً في السلوك حتى ولو كان الناس غير إيجابيين، وفي هذا النوع من العلاج النفسي يمكن للمريض أن يتعلم تحديد أفكاره السالبة وتغييرها. ولهذا النوع من العلاج جزءان رئيسيان - الأول متعلق بالعلاج الإدراكي وهو مصمم للحد من التفكير المشوه، أما الثاني فمتعلق بالعلاج السلوكي لتغيير نمط ردة الفعل عند المريض حيال الأجسام والظروف التي تثير القلق. أحياناً يتلقى المريض العلاج عن طريق التعريض حيث يتابع تدريجياً حتى يتمكن من مواجهة الظروف التي تخيفه وهذا لتحسين مهاراته كي يستطيع التعايش مع القلق ولبناء الثقة بالنفس، ففي هذا النوع من العلاج يستطيع المريض مواجهة الأوضاع الصعبة بمساعدة الطبيب المعالج. وتعتبر مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية أكثر العقاقير شيوعاً لمرضى القلق، ويعتقد أنها الأكثر أماناً بالإضافة إلى فاعليتها في علاج الأعراض المستمرة، ولكن، هناك أعراض جانبية للعقار منها: * الصداع * السهر * الشعور بالاشمئزاز لا يزال بعض الناس يعتقدون أن الإصابة بالاكتئاب والقلق تحدث باختيار الشخص، ولذا يجب توضيح الأمور التالية لهؤلاء المرضى: * يجب ألا يعتقد المرضى في عدم إصابتهم بالقلق لأن الأطباء توصلوا للفرق بين العقل السليم والمصاب بالقلق، فالحقائق والبحوث تحل محل ما تعتقد فيه. * يجب ألا نعتقد أن القلق ليس مهماً مادام أن الصحة النفسية تعادل الصحة العقلية، حيث يعتبر الدماغ أحد أهم الأعضاء في جسم الإنسان، كيف يكون المرض العقلي أقل من المرض الجسدي مادام يؤثر في تفكير وفعل ومشاعر الشخص. * يجب ألا نعتقد أن المريض سوف يتماثل للشفاء عن طريق التمارين الرياضية، فهي تساعد المريض، وربما تصفي الذهن لمدة ساعة ولكن القلق يعرف كل نقاط ضعف المريض حتى ولو مارس الرياضة ليلاً ونهاراً، فلن يختفي القلق، فالرياضة وحدها لا تكفي لعلاج القلق. * يجب ألا نعتقد أن الإصابة بنوبة هلع كبيرة تحدث بعنصر المفاجأة لأن نوبة الهلع سلسلة مفاجآت من الخوف الشديد الذي يؤدي بدوره إلى ردات فعل جسدية غير مرئية. * يجب ألا نعتقد أن القلق فعل أناني طالما يوجع القلب ويضيق النفس ويسيل الدموع لأنه أجبرك على إلغاء مشاريعك وأصابك بالخذلان، فاسأل نفسك لماذا اخترت أن تعيش مصاباً بالقلق.

مشاركة :