القدس - أظهرت معطيات جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" ارتفاعا ملحوظا في الهجمات الفلسطينية بالضفة الغربية، ما يثير مخاوف تل أبيب من انتفاضة فلسطينية جديدة. وفي مقابل الانخفاض الملحوظ في رشق الحجارة، ثمّة ارتفاع واضح في إلقاء الزجاجات الحارقة والعبوات الأنبوبية (ناسفة محلية الصنع) وإطلاق النار. وبحسب الشاباك فقد نفّذ فلسطينيون 1526 هجوما منذ بداية العام الجاري 2022 وحتى نهاية أغسطس. ويتضح من معطيات الشاباك أنه سجل 1507 هجمات في كامل 2020، و4386 هجوما في عام 2021، وهو ارتفاع يعزى أساسا إلى أحداث مايو في القدس الشرقية والمسجد الأقصى وعموم الضفة الغربية، إذ شهد ذلك الشهر تنفيذ 2805 هجمات. وتنوعت الهجمات خلال أول 8 أشهر من العام الجاري، بين "إطلاق نار، وزجاجات حارقة، وعبوات أنبوبية، ورشق حجارة، وإضرام نيران، وعمليات دهس وطعن"، أدت في مجملها إلى مقتل 19 إسرائيليا وإصابة 62 آخرين. وتَبيتُ إسرائيل كل ليلة، تقريبا، على أنباء عمليات إطلاق نار على جنود ومستوطنين إسرائيليين، وتستيقظ على نتائج اشتباكات مسلحة مع فلسطينيين بالضفة الغربية. عوفير شيلح: الشكل الجديد للانتفاضة القادمة قد يُغيّر الصورة كاملة ودفعت الظاهرة المتكررة، في الأشهر الماضية، وخاصة في منطقة شمالي الضفة الغربية، الكثير من الإسرائيليين إلى التساؤل عمّا إذا كانت إسرائيل على عتبة اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة. وعادت كلمة "انتفاضة" إلى البرامج الإذاعية الصباحية، ونشرات الأخبار المركزية المسائية في إسرائيل. ويقول الفلسطينيون إن ما يجري هو رد على الاقتحامات الإسرائيلية اليومية للمدن والمخيمات الفلسطينية بالضفة الغربية، ولكنّ إسرائيل تعتبر أنه ناتج عن ضعف السلطة الفلسطينية. وفي مارس الماضي أطلق الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية بالضفة الغربية أسماها "كاسر الأمواج"، ومنذ ذلك الحين يقتحم الجنود الإسرائيليون المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية ليلا، لتنفيذ عمليات اعتقال. والاثنين، أعلن رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي، في تصريح مكتوب، اعتقال 1500 فلسطيني حتى الآن في إطار هذه العملية. ويرى خبراء إسرائيليون، أن جوهر المشكلة الفلسطينية سياسي وليس أمنيا، وناجم عن غياب الأفق السياسي، جراء إغفال السياسيين والأحزاب في إسرائيل للقضية الفلسطينية وعدم وجود أي رؤية سياسية للتعامل معها. وتوقفت المفاوضات السياسية بين الفلسطينيين وإسرائيل في عام 2014، جراء رفض إسرائيل وقف الاستيطان، وتنصلها من خيار حل الدولتين. وترفض غالبية الأحزاب الإسرائيلية إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وتؤيد استمرار الاحتلال للأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1967. ويحذر سياسيون ومراقبون إسرائيليون من أن استمرار الوضع الحالي، قد يقود في النهاية إلى قيام "دولة ثنائية القومية". ويرى المحلل السياسي آفي يسسخاروف أن إسرائيل أمام "حالة جديدة" لا تشبه الانتفاضتين السابقتين اللتين اندلعتا في عامي 1987 و2000. ويقول يسسخاروف “لا أستطيع أن أصف ما يجري بأنه انتفاضة، لأن الانتفاضة كما شهدناها في العام 1987 وعام 2000 تتميز بأنها عمل جماهيري واسع.. نحن بلا شك أمام حالة جديدة". وأضاف الخبير الذي غطى الأحداث في الأراضي الفلسطينية لسنوات "ما نشهده الآن هو وجود جيوب لمسلحين فلسطينيين خاصة في نابلس وجنين (شمالي الضفة) يشتبكون كل ليلة تقريبا مع الجيش الإسرائيلي أو يطلقون النار على أهداف إسرائيلية". وتابع "في كل مرة تدخل فيها القوات الإسرائيلية إلى مدن أو مخيمات في جنين ونابلس تحديدا، لتنفيذ عمليات اعتقال أو هدم منازل منفذي عمليات، يحدث اشتباك مسلح وإطلاق نار وهناك جرحى وقتلى”. واعتبر يسسخاروف أن هذا "شيئا جديدا لم نشاهده منذ الانتفاضة الثانية التي بدأت في عام 2000". وقال "اليوم هناك مسلحون فلسطينيون في كل شارع بمدن ومخيمات الضفة الغربية وخاصة شمالي الضفة، وصحيح أن الجيش الإسرائيلي ما زال يُحكم سيطرته، ولكن لا ندري ماذا سيحدث غدا". ◙ الحكومة الإسرائيلية تتعامل مع الفلسطينيين بالضفة الغربية وقطاع غزة من منطلق أن الهدوء سيُقابل بعدد أكبر من تصاريح العمل وتسهيلات الحركة على الحواجز وأتت التطورات في الأراضي الفلسطينية في وقت تُكرس فيه الحكومة الإسرائيلية نفسها لمتابعة تطورات مفاوضات الملف النووي الإيراني دون أن تُعير انتباها للملف الفلسطيني. وقال يسسخاروف “إسرائيل تتجاهل القضية الفلسطينية، هي تتمنى لو أنه ليست هناك قضية فلسطينية، ولكن الوضع الذي نشهده في الضفة الغربية حاليا يقول أمرا آخرَ". وأضاف "إذا ما كانت إسرائيل تتجاهل القضية الفلسطينية، فهذا لا يعني أنها غير موجودة أو أن الفلسطينيين غير موجودين". وكان قائد الجيش الإسرائيلي كوخافي، قد اعتبر أن جزءا من الزيادة في الهجمات "ينبع من ضعف أجهزة الأمن الفلسطينية، ما أدى إلى غياب الحكم في مناطق معينة من يهودا والسامرة (الضفة الغربية)". ويتفق يسسخاروف جزئيا مع هذا التحليل، ولكنه يشدد على ألا تعفي إسرائيل نفسها من المسؤولية. وكان مسؤولون من الحكومة الحالية قد التقوا مع مسؤولين من السلطة الفلسطينية بمن فيهم الرئيس محمود عباس، ولكنهم شددوا على أنها اجتماعات ذات طابع اقتصادي وحياتي وأمني، ولا علاقة لها بالجانب السياسي. وتتعامل الحكومة الإسرائيلية مع الفلسطينيين بالضفة الغربية وقطاع غزة، من منطلق أن الهدوء سيُقابل بعدد أكبر من تصاريح العمل وتسهيلات الحركة على الحواجز الإسرائيلية. وأشار يسسخاروف إلى أن غياب الأفق السياسي للحل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، هو جزء من المسؤولية عن الوضع. وقال "ليس هناك، ولو مسؤول إسرائيلي واحد، لديه رؤية لحل سياسي حقيقي للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي". وأضاف “ليس هناك رؤية للحل لا لدى رئيس الوزراء يائير لابيد، ولا لدى وزير الدفاع بيني غانتس، ولا رئيس المعارضة بنيامين نتنياهو، وإذا ما كانت لدى أي منهم رؤية فليتقدم بها". وينقل الباحث في معهد دراسات الأمن القومي التابع للجامعة العبرية عوفير شيلح عن مسؤولي الأمن في الجيش وجهاز الأمن العام قولهم إن الوضع في الضفة الغربية “قد يتدهور في أي لحظة". وأضاف "هذا هو نتيجة مجتمع فلسطيني محبط، مليء بالأسلحة النارية ويخضع لسلطة السلطة الفلسطينية الضعيفة، لكن هذا مجرد جزء صغير من الصورة الكاملة لأن خبراء الأمن لا يتابعون سوى الجانب العسكري للقضية". وتابع "إذا سُمح لهم بالتعبير عن إدراكهم في الجانب الإسرائيلي، فمن المحتمل أن يشيروا إلى عدم مبالاة الجمهور الإسرائيلي وصناع القرار". وأردف "قد يُغيّر الشكل الجديد للانتفاضة القادمة الصورة كاملة".
مشاركة :