إن أول مكتسبات الثورة في عهد الزعيم جمال عبدالناصر التاريخية تحقيق الكثير من الطموحات وفي مقدمتها تعزيز دور المرأة فكان له رؤيته بعدم إغفال دور العنصر النسائي وحكمت أبو زيد هي أول وزيرة في مصر وشغلت منصب وزيرة الدولة للشؤون الاجتماعية وهي ثاني وزيرة في الوطن العربي، في عام 1922 ولدت الدكتورة حكمت أبو زيد بقرية الشيخ داود في محافظة أسيوط في عام 1916، كان والدها يمتلك مكتبة تضم مجموعة من خطب مصطفى كامل، ومن بينها أيضا كان يحتفظ بأعمال المناضلة الفرنسية (جوليت آدم) ومؤلفات مصطفى صادق الرفاعي، ولدى حكمت ثلاثة أشقاء، وقد تخرجت في المدرسة الابتدائية في سوهاج ثم أسوان والتحقت فيما بعد بمدرسة حلوان الثانوية للبنات، وكانت قريتها في الثلاثينيات تخلو نهائيا من المدارس، وكان والدها يشغل وظيفة ناظر بالسكك الحديدية، إلا أنه اهتم بابنته ووفر لها إمكانية السفر يوميا من القرية حتى بندر ديروط لتتلقى التعليم بالمدارس الابتدائية والإعدادية إلى أن حل وقت المرحلة الثانوية فتغربت عن أسرتها لتكمل مسيرتها التعليمية بمدرسة حلوان الثانوية، ولم يكن وقتها بحلوان حينذاك مدن جامعية، فأقامت بجمعية (بنات الأشراف) التي أسستها الرائدة النسائية (نبوية موسى) وخلال دراستها الثانوية كان شعورها بالوطنية لمصر في مقدمة فكرها ودراستها في وقت واحد، حيث تزعمت ثورة الطالبات داخل المدرسة ضد الإنجليز ، مما أثار غضب السلطة ففصلت من المدرسة، واضطرت لاستكمال تعليمها بمدرسة الأميرة فايزة بالإسكندرية. وفي عام 1940، التحقت بقسم التاريخ بكلية الآداب (جامعة فؤاد الأول) وكان عميد الكلية وقتها الدكتور طه حسين والذي تنبأ لها بمكانة رفيعة في المستقبل لملاحظته قدرتها العالية على المناقشة الواعية، وقد فضلت العلوم الاجتماعية لاهتمامها بحاجة مصر الوطنية وكذلك نظرتها إلى المجتمع الإنساني في مصر لما لها من رؤية ورسالة واضحة بالحياة، ولطموحها في حب العلم والتعليم فلم تكتف بهذا القدر الهائل من التعليم، بل حصلت على دبلوم التربية العالي وذلك في عام 1944، ثم حصلت على الماجستير من جامعة (سانت انروز باسكتلندا) وذلك عام 1950، ثم حصلت على الدكتوراه في علم النفس من جامعة لندن وذلك في عام 1955 وفي حوار لها قالت حكمت أبو زيد: (إن المجتمع كله لم يكن يفكر بدهشة خصوصا أنه مع تعييني جاء تعيين أول وزير عمالي كوزير عمل في نفس الوزارة في وزارة (علي صبري) وكان اسم مجلس الوزراء وقتها (المجلس التنفيذي) ومهمته تنفيذ مشروعات الخطة الخمسية الأولى، وعندما علمت الوزارة أن هناك أول امرأة ستعين في هذه الوزارة وكان هذا عام 1962، لم تكن هناك فرحة كبيرة داخل الوزارة لأن المجتمع كله رجالا، ونساء في بعض المجالات كان في فترة دهشة وخاصة أن ثورة 23 يوليو 1952، كانت ثورة التغيير المستمر من أجل بناء مجتمع جديد، فقد كان هناك اعتراض من قبل الإخوان المسلمين، لأنهم كما يقولون: (لا تولوا حكما لامرأة). تقول حكمت: حين ألغى إسماعيل صدقي الدستور قدت مظاهرة من مدرستي إلى قصر عابدين، في عام 1955 عدت وعملت في كلية البنات بجامعة عين شمس، وفي ذات العام انضمت الدكتورة حكمت أبو زيد إلى فرق المقاومة الشعبية حتى حدث العدوان الثلاثي على مصر من قبل بريطانيا بقيادة أنتوني ايدن وفرنسا من قبل جي موليه، ودولة الصهاينة بقيادة بن جوريون، فبدأت حكمت تتدرب عسكريا مع الطالبات وسافرت إلى بورسعيد مع (سيزا نبراوي) (وإنجي أفلاطون) وكن يشاركن في كل شيء من الإسعافات الأولية حتى الاشتراك بالمعارك العسكرية وعمليات بالقتال وفي عام 1962، اختيرت عضوا في اللجنة التحضيرية للمؤتمر القومي والتي تولت مناقشة الميثاق الوطني مع الرئيس جمال عبد الناصر وكانت لها رؤية في الميل أحيانا والخلاف في الرأي مع الزعيم جمال عبدالناصر حول مفهوم المراهقة الفكرية ودعم العمل الثوري مما أثار الإعجاب الشديد من قبل الزعيم جمال عبد الناصر بها. في أوائل الستينيات أصدر الزعيم جمال عبد الناصر قرارا جمهوريا بتعيين الدكتورة حكمت أبو زيد وزيرة للدولة للشؤون الاجتماعية لتصبح أول سيدة في مصر تتولى منصب وزير، ومن خلال منصبها حولت الوزارة إلى وزارة مجتمع وأسرة، وانطلاقا من ذلك تم نقل نشاطها إلى كل القرى بالجمهورية مما ترتب عليه إنشاء فروع لها، منها مشروع الأسر المنتجة ومشروع الرائدات الريفيات ومشروع النهوض بالمرأة. في عام 1969 قامت الدكتورة حكمت أبوزيد بالإشراف على مشروع تهجير أهالي النوبة، وحرصت على نقل النسيج والبنيان النوبي كما كان وتفاعلت بروح إنسانية مع أهالي النوبة ما جعل الزعيم جمال عبد الناصر يطلق عليها لقب (قلب الثورة الرحيم). في فترة السبعينيات اختلفت بشدة مع الرئيس أنور السادات في قراره مبادرة السلام مع إسرائيل، وشككت في النوايا الصهيونية مما جعلها تتلقى أبشع التهم والاتهامات، وفي هذا الشأن تم وضع حراسة على أملاكها أو مصادرتها، وغادرت مصر مع زوجها الدكتور محمد الصياد، إلى ليبيا وعملا أستاذين في جامعة الفاتح بطرابلس. وعاشت في الخارج مدة (19) عاما، ثم أصدرت المحكمة العليا حكما بإلغاء الحراسة على ممتلكاتها وحقها في حمل جواز السفر المصري، والتمتع بالجنسية المصرية وفور علمها بذلك قررت العودة إلى أحضان الوطن الذي عاشت لأجله، وقبل عودتها وجهت إليها دعوة من الزعيم معمر القذافي، فأقيم لها ولزوجها احتفال تاريخي ومنحت خلاله أنواط الفاتح العظيم من الدرجة الأولى، علما بأن هذا النوط لا يمنح إلا لرؤساء الدول، ولكن لمكانتها القومية جعلت منها إضافة للوسام أكثر من كونها إضافة لتاريخها المشرف كما تلقت دعوة أخرى من عاهل المغرب الحسن الثاني، لحضور احتفال عظيم يتم فيه منحها السيف الذهبي من الذهب الخالص للدكتورة (حكمت أبو زيد) مما يعد تكريما أسطوريا. ولدى رجوعها أرض الوطن مصر في مارس 1992، فتحت لها صالة كبار الزوار بمطار القاهرة، وخرجت من المطار فورا للتوجه إلى ضريح الزعيم جمال عبدالناصر ليكون أول مكان تراه، وفي 30 يوليو 2011 توفيت الدكتورة حكمت أبو زيد عن عمر 89 عاما بعد معاناة فترة طويلة مع المرض نتيجة هبوط في الدورة الدموية والتنفسية، لقد قدمت هذه المرأة المناضلة الكثير من أجل بلادها وقد كرمها الزعيم الخالد جمال عبدالناصر في عصر كان له بصماته القومية.
مشاركة :