هناك زيارات وتحركات كثيرة تمر علينا دون أن نراجع مضامينها ومحتوياتها، وغالبًا ما تأخذ طابعا مهما جدا في تعزيز العلاقات الثنائية بين البحرين ودول العالم وعلى وجه الخصوص الزيارات الملكية الخارجية وتحركات صاحب السمو ولي العهد رئيس الوزراء على المستوى المحلي.. هناك أبعاد ورؤى مهمه تتطلب من المتابع البحث والتحليل والتقصي للوصول الى الاهداف والنتائج التي غالبًا ما يكون لها انعكاسات ايجابية على البحرين داخليًا وخارجيًا.. من هذه المنطلقات أبدأ عددًا من المقالات التي تسلط الضوء على هذه الزيارات والتحركات.. شاكرًا معالي وزير الخارجية الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني الذي قدم للكتاب البحرينيين مختصرًا مفيدًا لعدد من الزيارات الاسبوع الماضي في القاعة الزرقاء بوزارة الخارجية.. وسوف أبدأ أولاً بالتاريخ.. لأنه المرآة التي تعكس حضارة الشعوب والأمم العظيمة. قد تكون المشاركة الشعبية في مملكة البحرين من أهم التجارب البرلمانية التي مرت بالوطن العربي في السنوات العشرين الماضية.. وقد تكون التجربة البرلمانية الوحيدة في منطقة الخليج العربي التي لها جذور قديمه تعود الى ثلاثينيات القرن الماضي التي شاركت المرأة فيها كذلك لتسجل حدث متميز للبحرين وقيادتها المستنيرة، واليوم يقدم جلالة الملك المعظم لشعبه الوفي نموذجًا للديمقراطية يصل الماضي بالحاضر ويبني عليه بعد الاجماع الكبير على الميثاق الوطني الذي حقق موافقة شعبية عاليه بنسبة 98.4% لتمضي مسيرة البحرين في إطار رؤية ملكية واضحة على كافة الأصعدة التي من أهمها: أولاً: الصعيد الداخلي: لقد استطاعت الرؤية الملكية من تحقيق ما يتطلع اليه شعب البحرين نحو الحكم الرشيد القائم على المشاركة الشعبية المتمثلة في الانتخابات النيابية ومجلس الشورى مما ساعد على تفكيك الاحتقان في الشارع السياسي والحد من التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي البحريني على الرغم من المحاولات البائسة التي قامت بها ايران وعملائها وإياديها الطويلة من محاولات زعزعة الأمن والاستقرار في البحرين التي استطاعت بفضل رؤية جلالة الملك من تجاوز أزمة الربيع العربي التي اجتاحت الوطن العربي من شرقه الى غربه وما انتهت اليه من حروب وصراعات ودماء مزقت الوطن والشعب العربي الواحد والذي لم تزل اثاره مستمرة حتى الآن في العراق وسوريا ولبنان وغزة واليمن. ولكن كان للرؤية الملكية موقف آخر وأبعاد مختلفة.. وكان لها دور آخر، فقد كان عندها إيمان قوي بالمواطن البحريني أساس كل شيء في هذه المملكة الصغيرة بحجمها الجغرافي الكبيرة بآمال شعبها وطموحه نحو وطن تظلله رايات الأمن والسلام وتعزز مكانته حكومة رشيدة بقيادة ملكية شابة حكيمه المتمثلة في صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء وفي أطار رؤية صاحب الجلالة ومبادئه وتحقيق تطلعاته لوطن التعايش والحب والإخاء بين جميع أطياف شعبه الوفي. ولا بد من الاعتراف بأن التجربة البرلمانية لم تنضج وتكتمل كغيرها من التجارب الأخرى في العالم الحر.. ولكنها على الطريق الصحيح وتحتاج الى مزيد من الوقت. وهذا يتطلب من الدول الصديقة دعم التجربة لا نشر العنف والارهاب والدماء وتخطيط المؤامرات تلو الأخرى ضدها من أجل تحقيق مصالحها في المنطقة. ثانيًا: الصعيد الخارجي: استطاعت الرؤية الملكية منذ الاستقلال وحتى استلام صاحب الجلالة مقاليد الحكم عام 1999 من البناء على ما تم في مرحلة تشكيل الدولة الحديثة بعد الانسحاب البريطاني الى شرق السويس عام 1968 والعمل على بناء الدولة الجديدة في إطار رؤية طموحة للحكم تقوم على المشاركة الشعبية وفصل السلطات الثلاث ودعم مبادئ السياسة البحرينية الجديدة القائمة على حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وحل القضايا العالقة بالطرق السلمية وهذا ما جرى عندما تخلصت مملكة البحرين في عهده الميمون من عدد من القضايا الحدودية مع دول الجوار الخليجي والاقليمي فاستطاعت بفضل رؤية جلالته من: 1- إنهاء الخلاف الحدودي حول الحدود البحرية والمسائل الإقليمية بين البحرين وقطر فيما يتعلق بجزر حوار وفشت الديبل وقطعة جرادة وخطوط أساس الأرخبيل والزّبارة وهيرات اللؤلؤ ومصائد الأسماك السابحة وغيرها من المسائل ذات العلاقة بالحدود البحرية. وقد صدر حكم محكمة العدل الدولية لتصبح جزر حوار وما حولها أراضٍ بحرينية. وبإنهاء الخلاف الحدودي نشطت وتجددت العلاقات البحرينية القطرية لما فيه مصلحة البلدين والشعبين الشقيقين. 2- إنهاء الخلاف الحدودي البحري مع ايران في فبراير عام 2010 مما منح البحرين عدة كيلومترات شمالاً مع ايران وأدى الى توسعة الحوض البحري للبحرين وانعكاساته على فتح مجالات للاستثمار في مجال الثروة السمكية والتنقيب عن الغاز والنفط في تلك المنطقة البحرية القريبة من ايران بعد مفاوضات شاقة في طهران. 3- وضع العلاقات البحرينية الامريكية في مكانها الصحيح بعد التصرفات غير المسؤولة التي قام بها مساعد وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل «توم مالونسكي»، وذلك نظرًا لما قام به من تصرفات تمس جوهر علاقات الصداقة التاريخية بين البحرين والولايات المتحدة. وأقتبس من بيان وزارة الخارجية ردًا على المتحدثة الرسمية لوزارة الخارجية الأمريكية الذي جاء فيه: إن بيان المتحدثة الرسمية: «حمل الكثير من المغالطات والأخطاء تجاه مملكة البحرين، وإن المملكة لا تمنع حرية التعبير بأي شكل من الأشكال، في حدود القانون، وبأنها تقوم بالمحافظة على أمنها واستقرارها وضمان رفاهية شعبها، وهو نهج عرفته الولايات المتحدة الأمريكية جيدًا، حين واجهت أحداث تخريبية في الفترة الأخيرة، مشددًا على أن المملكة لا تحتاج إلى «مراقبين من الخارج»، كما ورد على لسان المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، لتقييم خطواتها وسياساتها في هذا الشأن، متمنيًا أن تتوخى المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية الحذر في إبداء الملاحظات، دون توجيه التهم والمغالطات في حق دولة صديقة وحليفة للولايات المتحدة. أعتقد أن رؤية ملكية كهذه للسياسة الخارجية البحرينية تجاه دولة عظمى صديقة والنتائج الايجابية لهذه الرؤية بعد ذلك، تؤكد بأن جلالته كان على حق وإدراك تام بأن أمن وسيادة البحرين واستقلالها لا يمكن أن يكون يومًا ما تحت ضغط المساومات السياسية لتحقيق ما تقوم به الولايات المتحدة من دور لإثارة الفوضى والدمار والدماء والصراعات لإقامة أنظمة جديدة في المنطقة تنفيذًا لخطة وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس التي أثارت الشارع العربي في عام 2011. والذي لم تزل تعاني منه عدد من الدول العربية حتى يومنــا هذا، وللمقـــال بقيــة عن الرؤية الملكية الخليجية ومجلس التعاون.
مشاركة :