الرؤية الملكية وأبعادها المحلية والإقليمية والدولية (٥)

  • 10/11/2022
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

في هذا الأسبوع سوف ندخل في تفاصيل الرؤية الملكية تجاه مجلس التعاون لتحقيق الاهداف والتطلعات النبيلة التي يراها جلالته والتي تتفق ومتطلبات العصر من منظور مستقبلي واضح المعالم يضع المصالح الجماعية العليا لدول المجلس وشعوبه فوق كل الاعتبارات. وتأتي التطلعات الملكية دائمًا نحو تحقيق التقدم والتطور من أجل بناء مجلس تعاون قوي ومتماسك، لذلك كانت البحرين الدولة الوحيدة في مجلس التعاون التي أعلنت تأييدها لمبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله التي اطلقها في اجتماعات قمة مجلس التعاون بالرياض في ديسمبر 2011 ودعا فيها الى اقامة الاتحاد الخليجي - بعد الموجة العاتية التي تعرّضت لها المنطقة بما يسمى بالربيع العربي - الذي لم يلقَ قبولاً من بقية الدول الأعضاء بمجلس التعاون ودعو إلى دراسة المبادرة السعودية لمزيد من التفاصيل وتعمق أكثر، مما ادخل المشروع الاتحادي في دائرة اللجان للدراسة والتقييم وتقديم الرأي حتى يومنا هذا. لقد رأت بعض دول مجلس التعاون من المبادرة السعودية نحو اقامة الاتحاد الخليجي، ما هو الا طريق للهيمنة السعودية على سيادتها واستقلالها. لذلك وجدت وامام الرغبة السعودية وعدم اثارة زوابع او توترات في علاقاتها معها، ان تطلب مزيدا من الوقت للدراسة او بالاحرى للتمييع وإنهائها تدريجيا مع مضي الوقت. الا ان صاحب السمو الملكي الامير سعود الفيصل رحمه الله كان مدركا لذلك التحرك الدبلوماسي وطلب ان توضع المبادرة السعودية بندا دائما على جدول اعمال المجلس الوزاري. غير ان ذلك المشروع الاتحادي الطموح - للاسف- ذهب ادراج الرياح لتؤكد الرؤية الملكية لصاحب الجلالة الملك المعظم مضار حماية المصالح الآنية. ترى الرؤية الملكية ضرورة ان يكون هناك ما يمكننا تسميته (بالبعد الخليجي الذاتي) الذي يقوم على اسس مهمة تحدد مكانة مجلس التعاون كمنظومة اقليمية متحدة بما يعزز فاعليتها، هذه الفاعلية التي تعزز من قوة المنظمة وتماسكها والتقارب القائم بين اعضائها. كما ترى ان الاوضاع والصراعات والحروب القائمة في محيطها الاقليمي، تحتم بروز دور فاعل لمجلس التعاون حمايةً لمصالح شعوبه ووفاءً لتطلعاته المشروعة وكذلك صيانةً لامنها الاستراتيجي، وهذا يتطلب وجود آليات امنية ودفاعية واقتصادية واصلاحية متقدمة وكذلك آليات متابعة لحقوق الانسان والمشاركة الشعبية في الحكم ومتابعة تنفيذ قرارات القمم الخليجية، تلك الاليات مجتمعة تحتمها طبيعة المرحلة القائمة في المنطقة - التي تموج بشتى انواع الصراعات والتهديدات والمخاطر - وصولاً الى تقوية وتفعيل بقية الروابط التي لابد منها لضمان استمرار مجلس التعاون كمنظومة فاعلة الذي سوف يتحقق بإعادة بناء مجلس التعاون وانهاء خلافاته وصراعاته العبثية واعادة الثقة في العلاقات الاخوية الاجتماعية التاريخية القائمه بين شعوبه واستغلال الثروة النفطية والغاز لتحقيق الرفاه في المجتمعات الخليجية دون استثناء، مما سيؤدي حتماً الى تعاظم دوره ومكانته السياسية والاقتصادية على المستوى الاقليمي والدولي. من القضايا المهمة التي تركز عليها الرؤية الملكية، التهديدات والمخاطر التي تحدق بالمنطقة وتلك المتوقعة خلال العقد المقبل التي تتطلب تعاملا واعيا ومستمرا واهتماما اكثر (بالامن الوقائي) وفقا لمفهوم استراتيجي جديد بعد التجارب التي مرت بها خلال السنوات الماضية لاسيما الخطر الايراني الذي ازداد شراسة بعد تمكنه من نشر نفوذه وسيطرته على العراق وسوريا واليمن ولبنان وغزة واصبحت له علاقات خاصة مع الولايات المتحدة والدول الاوروبية في اطار الاتفاق النووي والمباحثات الجارية والتعويضات القادمة واعادة الاموال الايرانية المحجوزة في المصارف الغربية. لذلك ترى الرؤية الملكية ضرورة البحث عن روادع عسكرية دفاعية عن المنطقة تعمل على توفير قوات دفاعية مشتركة وتشكيل قوة للتدخل السريع كأحد وسائل الدفاع والحماية في حال حدوث اعتداء خارجي يهدد الامن الخليجي، الى جانب وجود قوات بحرية مشتركة لدعم الامن الخليجي من المغامرات الايرانية البحرية في مياه الخليج العربي وبحر العرب وتأمين امدادات الطاقة ومحاربة القرصنة البحرية. إلا ان الخطر لم يعد ايرانيًا على دول مجلس التعاون، وذلك نظرًا لما تشهده العلاقات الخليجية الامريكية من توتر بسبب الاهداف الامريكية المعلنة بالتغيير في المنطقة والذي قامت به فعلا في السنوات الاخيرة الماضية من خلال تحفيز الشارع العربي على التحرك وتنظيم المظاهرات المليونية ودعم عمليات ارهاب الدولة وتمويل وتدريب عناصر من مواطني دول المجلس واعداد الخطط والمؤمرات مع بعض الدول الاعضاء في مجلس التعاون او دول الجوار الاقليمي لاثارة النعرات الطائفية وتأجيج الموقف الديني الذي يخلق الانقسام المجتمعي وتأزيم العلاقات الداخلية بين مواطني الوطن الواحد. ومن الأدلة على ذلك أيضًا موقف الولايات المتحدة الاخير من الحرب في اليمن الذي يوضح دعمها للحوثيين بسبب عدم ضغطها وتدخلها لتجديد الاتفاق الدولي للهدنة بين اطراف الصراع اليمني ورفض الحوثيين من جانب واحد، مما سوف يفتح الابواب امام الحوثيين بإطلاق الصواريخ البالستية والدرون على المنشآت النفطية السعودية. كل ذلك ادى الى تراجع الثقة في العلاقات الامريكية الخليجية الى ادنى مستوياتها، ودفع عدد من دول مجلس التعاون نحو الاتجاه شرقا الى الصين والهند وإقامة علاقات استراتيجية معها قائمة على مبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، واتخاذ سياسات لا تتفق والرغبة الامريكية رغم الزيارة التي قام بها الرئيس بايدن الى الرياض مؤخرًا للضغط على السعودية في عدم زيادة انتاج النفط في الاسواق العالمية بما يتيح الحصول على نفط رخيص في ظل اجواء الحرب الروسية الاوكرانية وتطوراتها. إلا أن بايدن الذي شن هجوما عنيفا على السعودية خلال حملته الانتخابية بجعلها دولة منبوذة وعدم استقبال ولي عهدها وتهديدات احد اعضاء مجلس النواب الامريكي في مقابلة على شبكة ال CNN للسعودية بأنها تستنزف الشعب الامريكي وتتسبب في زعزعة امنه واستقراره، أدت الى زيادة التوتر في العلاقات بين البلدين ودفعت بالسعودية الى اتخاذ مواقف تحمي مصالحها الوطنية واستقلالية قرارها السيادي، وانعكس ذلك في الاجتماع الوزاري (لدول اوبك +) الذي اتفقت فيه الدول الـ23 الأعضاء على تخفيض الانتاج بمقدار مليوني برميل حسب آليات السوق النفطي، مما ازعج الولايات المتحدة الامريكية واعتبرته انحيازًا من أوبك + مع روسيا في الحرب الدائرة بينها وبين أوكرانيا.. وللمقال بقية..

مشاركة :