إبداع بطعم الحرية

  • 1/4/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تتكئ الدول على تراث غني يجسد المفاصل الحياتية البارزة في نشأتها وتطورها، لمعرفتها المسبقة لما يتضمنه هذا التراث من تفاصيل، كذلك هو الحاضر بأحداثه البارزة وأفراحه وأحزانه ومنعطفاته الجسام، فهي كلها جزء لا يتجزأ من التاريخ الحديث للدول، التي تقوم بتخصيص أيام ومناسبات، لكي يتذكر الجيل الجديد هذه الأحداث ويتمعنها ويتبصر ما فيها من قيم ومعان ذات دلالات مهمة في النشأة والتكوين. من بين الأحداث التي مرت بها الإمارات في العام الماضي 2015 هو انخراطها في حدث سياسي مصيري له علاقة بأمن منطقة الخليج، ألا وهو اشتراكها في قوات التحالف الذي تقوده السعودية، دفاعاً عن الأشقاء في اليمن، وذلك حفظاً وصوناً لأمنه واستقراره، بما في ذلك أمن منطقة الخليج ذاتها من الخطر الذي يتهدد مصالحها، وقد دفعت الإمارات ثمناً مكلفاً من دماء أبنائها الجنود الأبطال الذين استشهدوا دفاعاً عن الأخوة الأشقاء في اليمن، ورغم كون هذه الخسارة مكلفة وغالية، إلا أنها كانت تستحق هذا البذل، فشهادة الجنود في ميادين القتال، لم تذهب سدى، فقد احتلت في الوجدان الشعبي معانيها الدينية والبطولية، كما هو شأن الملاحم والأساطير العظيمة، وإذا كانت القيم الثقافية والدينية في التاريخ العربي، هي واحدة من المرجعيات التي يمكن الاستفادة منها ونحن نكتب عن قيمة مهمة، مثل قيمة الاستشهاد، هذه القيمة التي يدور حولها الكثير من الكلام، وقد أصابها خلط ولبس كثير في الزمن الحالي، فمن باب أولى أن يقوم المبدعون والروائيون والشعراء والفنانون بمقاربة هذه البطولات في أعمال كبيرة تليق بها وبمضامينها، الرواية كما الشعر كما المسرح والفنون بكل أشكالها مطالبة وبقوة، وذلك عبر إنتاج أعمال تواجه التطرف وأشكال الإرهاب المختلفة، وتقدم الدليل على الصفاء والنقاء والطهرانية التي تتجلى بالحفاظ على القيم وتدعو في ذات الوقت إلى التفاهم والحوار الثقافي والحضاري وترسيخ قيم العدل والمساواة بين الشعوب. مما لا شك فيه، أنه يمكن الاستفادة من الأثر الأدبي ومرجعياته الإنسانية، وما قدم من أمثلة ناصعة عن مثل هذه القيم، وليس أقلها بكل تأكيد، قيم الشهادة، التي تعدل كما قلنا الملاحم الكبرى على مدى التاريخ الإنساني، حيث اكتسبت هذه الملاحم رمزيتها من ذلك الالتفاف الشعبي حولها، وبما حملته من دلالات التسامح، وقل ما شئت عن مفردات مثل: الاعتدال والدفاع عن الحقوق والاصطفاف إلى جانب المظلومين والمضطهدين، نعم، كانت الصورة الناصعة لكل تلك البطولات الشعبية، هي تلك المزايا التي تعدل الحلم، والعدل والعطف، وهي صفات تقف على النقيض تماماً من صور المبالغة والتطرف والعنف، التي لن تنجح أبداً في تمرير مشروعيتها، وستفشل بكل تأكيد في تقديم مثال مقنع للبشر، بوصفهم مفطورين على البساطة والخير والحب والجمال، وهم ميالون إلى استنبات وترسيخ واستدعاء هذه المعاني، التي يجدون فيها صورهم معلقة في براويز مذهبة وأنيقة، ترشح بالنقاء والصفاء والجاذبية. الشهادة في معيار البطولة لا تنتهي بالموت، هو موت جسدي في كل الأحوال، وإذا كان التراث الإنساني، قدم منذ آلاف السنوات نماذج رفيعة من الأثر الأدبي اللافت، فإن استدعاء ما جاء في هذه الآثار التي خلفتها الحضارات القديمة من أشعار وتأملات عميقة ما يفيد المبدعين على استدعاء معاني المحبة والأخوة والتسامح. الشهادة، بعيداً عن المصطلح القاموسي أو اللغوي، تقدم نموذجاً ومثالاً، تبتسم للريح ولا تنطفئ، لا يمكن إدراكها إلا بالحركة، مفاتيحها أحاسيس من أصداف ولآلئ ونجوم وحزمة ذكريات وقصائد معتقة. للشهيد ذاكرة لا تمحى، وورود معلقة في خزائن بيضاء، يلتقطها المتصوف، وحرية مطلقة، تختصر حيوات، وعوالم لا تفنى ولا تهلك أو تموت. الدعوة لاستذكار الشهداء في العام الجديد، هي دعوة لعالم جديد، ومنطق جديد، وعرس بهي، ملون بفرح شعبي، ونكهة خاصة، وهي دعوة لحلم يخلص الذات المرتبكة من لهاثها الناري نحو فسحة جديدة ولغة طازجة نضرة وحيوية. عثمان حسن

مشاركة :