القاهرة - صدر حديثا عن دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر بالقاهرة كتاب "الرمزية السياسية: مفهوم الرمز ووظيفته في الفكر السياسي" للدكتور حمدي عبدالحميد الشريف أستاذ الفلسفة السياسية المساعد كلية الآداب- جامعة سوهاج، وقام بتصدير الكتاب بكلمة أستاذ اللغويّات والترجمة بجامعة سوهاج بهاء الدين محمد مزيد أكد فيها على أن بعض الرموز يثير تأويلها قضايا سياسيّة وأيديولوجية قد تنتهي إلى التكفير والشروع في القتل. حيث إنّ الشيطنة والتأليه أو التصنيم من العمليات التي ما تنفك وسائل الإعلام الحديثة والمعاصرة تمارسها بكفاءة عالية وإصرار غريب، يدعمها في ذلك غياب الملكات النقديّة في التعامل مع رسائلها ومغرياتها. وكتاب "الرمزيّة السياسيّة: مفهوم الرمز ووظيفته في الفكر السياسي" تلتقي فيه البلاغة وعلم العلامات والسياسة والفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا والدين والأدب، وهو لأكاديمي باحث scholar طموح مستنير، لا يقف عند تخوم تخصصه الدقيق– عملا بتحذير سعد مصلوح على صفحته في الفيسبوك "كلُّ من اغْتَرَقَهُ تخصُّصُهُ، ولم يمدَّ عينيه إلى تعالقاته المعقدة بغيره من التخصصات الحافَّة والمتجاذبة سيكتشف يوما أن معرفته بتخصصه منقوصة جدا"- ولا يفتأ يربط الفلسفة السياسيّة بما حولها من تخصصات "حافّة ومتجاذبة". يؤسّس المؤلّف تناوله على معرفة ووعي عميقين بأصول الترميز السياسي، وموقع الرمز من علم العلامات ومن نظريّات المعرفة، ليقدّم لنا إطارًا مفاهيميًا محددًا للرمز من داخل الأدبيات التي تتناوله وفي ضوء الأبحاث والدراسات السيميوطيقية الحديثة لدى "بيرس" و"سوسير" و"كاسيرر" و"سوزان لانجر" و"بول ريكور" وغيرهم، وينطلق في بحث دلالات الرمز وأبعاده الدلاليّة والتفاعليّة والوظيفيّة مع إشارات ونماذج تطبيقيّة تكشف عن انحراف و"سوء استغلال أنظمة الرموز والعلامات اللغوية" في بعض الاستعمالات السياسيّة. ثُم يَطُوفُ بنا المؤلّف في رحلةٍ ثريّة حول أهمية الرمز في الحياة الحضاريّة الإنسانيّة ودلالاته "في تمثُّلات عالم الفكر والمعنى"، وكذلك دور الرمز في بناء النّظريّة السياسيّة انطلاقًا من تحليلاته النقدية في أفكار ومذاهب الفلاسفة الشوامخ بدءًا من أفلاطون وأرسطو، وهوبز في العصر الحديث وغيرهم وصولا إلى المواقف المختلفة من الرمزيّة السياسيّة في الفكر الفلسفي المعاصر. ويقوم المؤلف بوصل الرمزيّة السياسيّة بالرمزيّة الدينيّة والفنّيّة والأدبيّة. ويربط المؤلّف الرمز كذلك بالأسطورة التي كانت من مصادر المعرفة الإنسانيّة لقرون وحقب متعاقبة. يشير المؤلّف كذلك إلى المرجعيّات المذهبيّة للرمزيّة السياسيّة في الفلسفات الماركسيّة والليبراليّة على حد سواء، فيفصِّل هذه المرجعيّات، ويتناولها بمنظور نقدي، ويعقِّب عليها تعقيبات تتضمّن قراءات مبتكرة لنصوص فلاسفة السياسة لكنها تطرح في الوقت نفسه إشكاليات جديدة حول حقيقة التصورات الأساسيّة والرؤى المُعلَنة لأعلام بارزين في الفلسفة الليبراليّة المعاصرة، ليصل بذلك الرمزيّة السياسيّة بالرمزيّة اللاهوتيّة في الفكر السياسي الألمانيّ المعاصر، فيقدّم لنا قراءته النقدية الكاشفة عن مدى التداخل بينهما وأثر ذلك على الحركات السياسيّة والأنظمة الشموليّة كالنازيّة. ومن الصعوبات التي واجهها المؤلف عدم وجود مراجع عربية تناولت نفس الموضع اذ يعد مؤلفه هذا هو أول كتاب باللغة العربية يتناول الموضوع ويؤكد هذا في مقدمته للكتاب فيقول "رغم اهتمام الفلسفة بدراسة الرمز، فإن آراء الفلاسفة ووجهات نظرهم اختلفت حول تعريفه، وأبعاده، وجوهره، كما اختلفت آراؤهم كثيرًا حول دوره في بناء المعرفة الإنسانية والحضارية عمومًا، ناهيك عن انعكاساته السياسية والأيديولوجية، وتجلياته في مجال الاجتماع الإنساني. وبالتالي جاءت مستويات التناول الفلسفي للرمزية متعددة، بل ومتضاربة في بعض الأحيان. ولذلك فعندما شرعنا في دراسة هذا الموضوع، حددنا بعض المنطلقات والمعطيات الأساسية في التعامل مع مفهوم الرمز ودراسة أساليب التفكير الرمزية، خاصة مع تنوع المداخل اللغوية، والسوسيولوجية، والدينية، والأدبية والجمالية حول الرمز من ناحية، وقلة الدراسات والأبحاث الفلسفية- على وجه الخصوص- التي تكشف عن وظيفته في الفكر السياسي من ناحية أخرى". ويقوم الكاتب بمعالجة موضوع الرمزية السياسية في ثلاثة اتجاهات: أولًا الكشف عن المنظومة السيميوطيقية (النسق الدلالي) لمفهوم الرمز بصفة عامة، ودوره في بناء النظرية السياسية بصفة خاصة، وفي ضوء هذا ينتقل إلى تحليل المرجعيات الإبستمولوجية والأيديولوجية التي تمثل قوة الدفع لاستخدام الرمز في السياسة، بل وأن يكون لهذه المرجعيات الغلبة في الفكر السياسي في بعض الأوقات. وينطلق من جانبين: جانب نظري يتناول الأبعاد السيميوطيقية لمفهوم الرمز؛ للكشف عن فضاءاته الإبستمولوجية والأيديولوجية في ميدان السياسة، وجانب تطبيقي يتناول نماذج منتقاة من الفلسفة السياسية والتي تناولت مفهوم الرمز وأبعاده، في ضوء رؤية تأويلية تراعي السياق التاريخي والاجتماعي لعملية تشكل الرمز واستعماله وتوظيفه في السياسة، بما يساعد على الكشف عن طبيعة المنظومة الرمزية الأكثر قوة وذيوعًا في الفكر السياسي، ومدى حضورها وأهميتها وقوتها في السياسة. وفي ضوء هذا كان من الطبيعي أن يبدأ بتناول مفهوم الرمز من المنظور السيميوطيقي، أو في الاصطلاح السيميولوجي؛ كمحاولة للبحث في دلالاته الإبستمولوجية والأيديولوجية، ولاسيما انعكاس هذه الدلالات على التوجهات والمواقف السياسية للمفكرين والفلاسفة. فمن المنظور السيميوطيقي، تحاول الدراسة الوقوف على المعاني والدلالات المختلفة التي يحملها الرمز في ضوء كتابات بعض الفلاسفة وعلماء السيميوطيقا، ومن الناحية الإبستمولوجية، تبحث الدراسة في المرجعيات الإبستمولوجية لفلسفة الأشكال الرمزية، خاصة عند "كاسيرر"، ومن الزاوية الأيديولوجية تحاول الدراسة تسليط الضوء على إمكانية توظيف الرمز لتمرير مصالح وامتيازات معينة، وذلك في ضوء رؤى وتصورات بعض الفلاسفة، والمفكرين الماركسيين بوجه خاص، وكذلك من خلال الكشف عن مواقف الفلاسفة الليبراليين من الرمز ودوره في بناء المنظومة الفكرية والمعرفية. وبالنسبة لمحتويات الكتاب فإنها تنقسم إلى سبعة فصول أساسية، على النحو الآتي: الفصل الأول: سيميوطيقا الرمز بين مجالات الصيغ المجازية: ويتضمن لمحة عن الرمزية، وأهم روادها، وتعريف السيميوطيقا، وأهم التعريفات الفلسفية للرمز، وماهيته والخصائص والسمات المشتركة لهذا اللون من التعبير الإنساني وذلك في ضوء كتابات «سوسير»، و"تشارلز س. بيرس"، و"كاسيرر"، و"ليفي شتراوس"، و"سوزان لانجر"، و"بول ريكور"، و"أمبرتو إيكو" وغيرهم. الفصل الثاني: دلالات الرمز وأبعاده التفاعلية والوظيفية: ويكشف فيه عن دلالات الرمزية في ضوء النظرية التفاعلية في دراسة الرموز والاستعارات، كما تناول الصلة بين الرمزية السياسية والأشكال الأخرى من الرمزية. وفيه أيضًا نتناول سيميولوجيا العلامات والرموز وإمكانية توظيفها سياسيًا، كما تناول التوظيف الأيديولوجي للرمز مع نماذج تطبيقية لسوء استغلال أنظمة الرموز والعلامات. الفصل الثالث: أهمية الرمز ودوره في بناء النظرية السياسية: ويوضح من خلاله ضرورة الرمز في الحياة الحضارية الإنسانية، وعلاقة الرمز ببناء النظرية السياسية من خلال الكشف عن هويته الحيوية وقوته التوجيهية في الفكر السياسي، كما يبين المواقف الرئيسية الكبرى من الرمز، بداية من أفلاطون وأرسطو، كمحاولة لاستكشاف أفق الرمزية في الفكر السياسي الحديث والمعاصر. الفصل الرابع: الرمزية الأسطورية "من الأبعاد الإبستمولوجية إلى نقد المرجعيات الأيديولوجية": وينقسم إلى مبحثين: تناول في الأول الأبعاد الإبستمولوجية والجوانب الحضارية للرمزية الأسطورية بوصفها أدوات للمعرفة الحضارية الإنسانية، في ضوء من فلسفة أرنست كاسّيرر وهانز بلومنبرج. أما في المبحث الثاني فيستكشف مدى خطورة التوظيف السياسي للأساطير لتدعيم الأنظمة السياسية الشمولية. الفصل الخامس: المرجعيات الأيديولوجية للرمزية السياسية: وينقسم أيضًا إلى مبحثين أساسيين: في الأول تناول طبيعة العلاقة بين الأيديولوجيا والرمز عند الماركسيين في ضوء نظرتهم للأيديولوجيا بوصفها أداة رمزية لتشويه واقع الصراع الطبقي وتبرير سيطرة الطبقة الحاكمة. أما المبحث الثاني فيحلل تشكلات الرمز في كتابات بعض الفلاسفة الليبراليين، من أمثال: حنا آرندت، وليو شتراوس، وجون رولز، وخاصة الدلالات التي تكمن وراء استخدامهم للأبعاد الرمزية في فلسفاتهم. الفصل السادس: التداخل بين الرمزية السياسية والرمزية اللاهوتية: وفيه يستكشف أفق التوظيف الأيديولوجي والتكييف النفعي للرمزية الإنسانية، وفيه أيضًا يلتقي بالتقاطعات التي تجمع بين الرمزية السياسية والرمزية اللاهوتية، في ظل قيام الأنظمة الشمولية في القرن العشرين، وذلك في ضوء من أفكار كارل شميت التي تجمع بين الدين والسياسة في قالب واحد. الفصل السابع: جوانب تطبيقية للرمزية السياسية في ثقافتنا العربية: ومن خلال القيام بعملية من التلامس بين الثقافتين: الغربية والعربية، كمحاولة للاستفادة من تراث الفكر الغربي، والوقوف على دلالات الرمزية في أفق التفكير السياسي في الثقافة العربية، وقد وقع اختياره على بعض النماذج الفكرية والأدبية، التي ركّز أصحابها على وظيفة الرمز ودلالاته السياسية، سواء في النصوص الفلسفية، أو في النصوص الأدبية، وهي نماذج تمثل جوهر تقاطع النزعة الرمزية بين السياسة والأدب.
مشاركة :