مجدالدين خمش يفكك 'سوسيولوجيا المدن' الاسلامية

  • 5/19/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عمان – صدر حديثا للأستاذ الدكتور مجدالدين خمش بروفيسور علم الاجتماع كتاب "سوسيولوجيا المدن في الحضارة العربية الإسلامية: طرق التجارة الصحراوية". ويقع الكتاب في مئتين وتسع وثمانين صفحة من القطع الكبير، ويتضمن ستة فصول، الأول منه حول المدن في الحضارة العربية الإسلامية، تعريفها وخططها، والثاني منه حول التحوّلات الحضرية في العالم العربي الإسلامي، والثالث منهحول التنظيم الاجتماعي للمدينة العربية الإسلامية، والرابع منه حول تأثير المدن العربية الإسلامية في النهضة الأوروبية الحديثة، والخامس منه حول تحديث المدن العربية الإسلامية على النمط الأوروبي، والسادس منه خاتمة الكتاب. ويُبرز الكتاب تركيز الجغرافيين والبلدانيين والمؤرخين العرب والمسلمين في وصفهم للمدينة على عنصري المساحة والحجم، وكثرة الجماعات والمهن، والرخاء المعيشي للسكان لإضفاء طابع الأهمية على المدينة، بالإضافة إلى وجود المسجد الجامع حيث تقام صلاة الجمعة وصلاة العيدين، ووجود العلماء والقضاة، والسوق التجاري، والتحصينات. وربط ابن خلدون بين نشوء المدن في العالم الإسلامي وترسيخ الحضارة والعمران حيث تُوفر المدينة لساكنيها مستوىً مناسباً من رغد العيش، والأمن والاستقرار لتحميهم من المضار والأخطار، وتيسر لهم العديد من المنافع الحياتية والروحية الأخرى. كما أبرز ألبرت حوراني الوظيفة التجارية للمدن الإسلامية، بوصفها مراكز توقف للقوافل التجارية، خصوصاً قيامها بدورٍ نشطٍ في استقبال ونقل السلع والبضائع. وربط آخرون بين المدينة والسلطة، والقانون والقضاء، وفرّقوا بين الأمصار، وهي مدن أنشأها العرب مثل البصرة، والكوفة (وهي أول مدينة أنشأها العرب خارج الجزيرة العربية، وكان ذلك في العام 17 للهجرة)، وواسط، والفسطاط لدعم وإسناد الفتوحات العسكرية، والمدن القديمة الرومانية أو اليونانية التي أعاد العرب انشاءها وتطويرها مثل دمشق، وحلب، وغيرها من المدن. كما أوضحوا عوامل نشوء المدن الإسلامية السياسية والإدارية في حالة بغداد، وواسط، وسامرّاء؛ والعوامل العسكرية في حالة الأمصار، خصوصاً الكوفة والبصرة؛ والعوامل الدينية في حالة النجف، وكربلاء، والكاظمية. كما ركزوا على العوامل الجغرافية والموارد الاقتصادية والنشاطات الإنتاجية خصوصاً الزراعة والري، والتجارة، والنشاطات الحرفية كما هو الحال في مدن عديدة في الخليج العربي مثل الجميرا، والفجيرة، وتوام. ومدن أخرى عديدة مثل سبهى، وحماة، وقرطبة، وشهرستان، ومدينة العريش في مصر. وأبرزوا كثرة الحمامات وانتشارها في المدن الإسلامية، مؤكدين أن المدن الإسلامية مدناً أصيلةً، مستقرةً، تتوافر على المؤسسات المهنية والتجارية والمالية، والعلمية، والدينية،والقضائية، والسياسية. ويتضح من تحليلات الكتاب أيضاً أن الحضارات الشرقية: الإسلامية، والصينية والهندية، والأفريقية كانت حتى نهايات القرن الثالث عشر الميلادي على نفس الدرجة من التطور مقارنة بالحضارات الأوروبية، بل إن بعضها كان أكثر تطوراً من الحضارة الأوروبية ذاتها في الفترة من 1000 – 1400. فقد تم وصف النشاط الاقتصادي في المدن الإسلامية بعد العام 800 بأنه كان نشاطاً رأسمالياً متقدما يقوم على عقلانية الإجراءات لتحقيق الأرباح، ويعكس فهماً عميقاً للسوق ومتطلباته، وحاجاته في مناطق الإسلام المختلفة، خصوصاً في المدن الإسلامية. كما كان لسلسلة الاختراعات الإسلامية التطبيقية دوراً كبيراً في تسهيل ذلك، فقد أتاح اختراع المسلمين للسفينة ذات الشراع المثلث الشكل، والتطويرات اللاحقة عليه الابحار لمسافات بعيدة،لا سيما في المحيط الهندي، كما ساهم تطوير الإسطرلاب المرتبط بالتطورات الكبيرة في علم الفلك والرياضيات في تطوير الملاحة التجارية والعسكرية أيضاً. ويبيّن جون هوبسن في كتابه (الجذور الشرقية للحضارة الغربية) أيضاً أن صناعة الورق التي بدأت في نهايات القرن السادس للهجرة/ القرن الثاني عشر الميلادي أسهمت في تطوير العلم والتأليف، وساهمت فيما بعد في نشوء الطباعة في أوروبا التي ساهمت بدور ملموس في إحداث النهضة الأوروبية الحديثة. وشهدت هذه المرحلة تنافساً شديداً بين الحضارتين العربية الإسلامية والحضارة الغربية في مجالات تطوير الأسلحة النارية، وتقنيات الملاحة البحرية، والعلوم بمختلف أنواعها بعد أن قام الأوروبيون بنقل الكثير من المعارف، والتطبيقات التقنية، والكتب العلمية العربية من الأندلس (إسبانيا) إلى بلادهم. كما كان الأوروبيون قبل ذلك قد أرسلوا البعثات إلى الأندلس لتعلم العلوم الطبية، وعلوم الفلك، والكيمياء، وتصنيع التقنيات المادية والعسكرية حيث عادت هذه البعثات إلى الممالك الأوروبية ونشرت العلوم والتقنيات العربية فيها، لا سيّما في المجالات الطبية والعسكرية. وشكّل ذلك عاملاً أساسياً في نهضة أوروبا علمياً وعسكرياً وصناعياً والتي توّجت فيما بعد بالثورة الصناعية الأولى في بريطانيا في بدايات القرن الثامن عشر.

مشاركة :