بريطانيا عظمى.. أم عظيمة؟

  • 9/16/2022
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

أقلب صفحة من تجربتي في هذا البلد بعد مفارقة الملكة اليزابيث الثانية الدنيا بعمر مديد ناهز 96 عاماً، 70 سنة منها على رأس الحكم، مما يعد من أطول الفترات التي تقضيها ملكة على العرش. أتحدث عن بريطانيا العظيمة وليست العظمى لأنها ورّثت ذلك لأميركا بعد الحرب العالمية الثانية. في عام 2016 تلقيت دعوة كريمة من السفارة البريطانية بالدولة لحضور حفل استقبال ملكة بريطانيا وقد أرفقت الدعوة كتيب خاص يحوي شرحا مختصرا لبروتوكول هذا الحدث وضرورة إتقانه والالتزام به أثناء المراسم وقد نلت شرف مصافحة هذه الملكة الأنيقة والراقية صاحبة القامة الرفيعة. تسلمت بعد فترة وجيزة من هذا اللقاء الذي لن يتكرر، دعوة أخرى للمشاركة في مناسبة مرور أربع قرون على ولادة «شكسبير» أحد أعظم كتُاب بريطانيا، وكان من المؤكد عند العقاد أنه من أعظم المواهب في التاريخ. لقد كانت روايته عن «تاجر البندقية» أحد المقررات الدراسية لنا في المرحلة الثانوية بالدولة، بل إن بيته أصبح أحد المعالم السياحية التي تعتبر جزءا من برنامج الزيارات للطلبة الدارسين في الجامعات البريطانية ويدخِل هذا المنزل البسيط سنوياً مئات الملايين من الجنيهات الإسترلينية. أما مسرحيته «شايلوك» فهي تعرض يوميا على الجمهور كل ليلة منذ قرن ونصف من دون توقف. أثناء فترة الدراسة في بريطانيا، وخلال مراجعتي للمشرف كانت تأتي سيرة «شكسبير» ولغته الصعبة ليس علينا، بل على الإنجليز أنفسهم، وذكر لي يوما بأنه عندما يقرأ لشكسبير لابد وأن يستعين بالقواميس لفهم مراده، فكيف بالطلبة من اللغات الأخرى. أمام قصر باكنجهام وقفت مع أفراد العائلة، من النقطة التي تحكم بريطانيا شؤون العالم، وهو المكان الذي يحرص الناس والزوار على المرور عليه لرؤية حراس البوابات، بالذات الأطفال الذين يقتربون من أناقتهم وسكونهم المتجمد، فلا ترف لهم عين ولا يتحرك عندهم جفن، وكأنهم ليسوا في صندوق للحراسة، بل في محراب للعبادة. واصلنا طريقنا إلى الساحة المقدسة للحريات وكذلك المساحة المخصصة للترفيه عن الأطفال وممارسة براءتهم باللعب واللهو. أما الكبار فإنهم يتوجهون لسماع لغات الديمقراطية في الهواء الطلق، وكانت الفترة ما بين 1990 - 1996 من أشد فترات الأحداث الساخنة على الأرض البريطانية التي تُصنع فيها القرارات الدولية. خلال حرب الخليج الأولى والثانية وثالثة الأثافي في حرب البوسنة والهرسك، كانت «الهايد بارك» نقطة صراع الأفكار والآراء المتلاطمة عبر المسيرات والمظاهرات والملاسنات التي تخرج أحياناً عن حد اللياقة الأخلاقية إلى البذاءة الكاشفة للسوء. بعد سنوات، حضرت مناسبة يتحدث فيها السفير البريطاني لدى الدولة عن «البريكست»، يشرح فيها بأن هذا لا يعني «بريكداون» لبريطانيا العظمى، لأنها لا زالت تحمل في باطنها معاني أعظم من امبراطوريتها الماضية، ولها القدرة على اتخاذ قراراتها المستقلة المستقبلية والمسؤولة. أما تشارلز الثالث هو ليس ملكا فحسب، بل هو قيمة مضافة لشخصيته وإدراكه لمهمته ورؤيته التي يدرك من خلالها حسن التعامل مع مختلف الأديان لتعزيز سبل التعايش الإنساني بين مختلف فئات البشر.

مشاركة :