أكل العظام قصة قصيرة من الأدب البنغلاديشي

  • 9/17/2022
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

  شابنام‭ ‬ناديا‭ ‬هي‭ ‬كاتبة‭ ‬ومترجمة‭ ‬معاصرة‭ ‬من‭ ‬بنغلاديش،‭ ‬نشرت‭ ‬لها‭ ‬أعمال‭ ‬عديدة‭ ‬في‭ ‬مجلات‭ ‬وصحف‭ ‬مثل‭ ‬فلاش‭ ‬فكشن‭ ‬إنترناشيونال،‭ ‬ونورلد،‭ ‬الجزيرة‭ ‬أون‭ ‬لاين،‭ ‬بانك،‭ ‬أمازون‭ ‬داي‭ ‬ون،‭ ‬مجلة‭ ‬شيكاغو،‭ ‬ويبر،‭ ‬وغيرها‭. ‬قامت‭ ‬بترجمة‭ ‬رواية‭ (‬المرتزق‭) ‬للكاتب‭ ‬مونيل‭ ‬إحسان‭ ‬سابر،‭ ‬ورواية‭ (‬رنقومالا‭ ‬المحبوبة‭) ‬للكاتب‭ ‬شاهين‭ ‬أختر،‭ ‬مقيمة‭ ‬حالية‭ ‬في‭ ‬كاليفورنيا‭.‬ لم‭ ‬تغادر‭ ‬ديشا‭ ‬البيت‭ ‬وهي‭ ‬غاضبة،‭ ‬لم‭ ‬تفعل‭ ‬ذلك‭ ‬قط،‭ ‬انتظرت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مضى‭ ‬بعض‭ ‬الوقت،‭ ‬تلحفت‭ ‬بـ‭(‬الساري‭) ‬بعناية،‭ ‬عقدت‭ ‬شعرها‭ ‬وسحبته‭ ‬للخلف،‭ ‬تأكدت‭ ‬من‭ ‬حمل‭ ‬كيس‭ ‬نقودها‭ ‬وتمتمت‭ ‬بشيء‭ ‬عن‭ ‬الذهاب‭ ‬لرؤية‭ ‬الخياط،‭ ‬لم‭ ‬يكلف‭ ‬زوجها‭ ‬نفسه‭ ‬أن‭ ‬يزحزح‭ ‬عينيه‭ ‬عن‭ ‬التلفاز‭.‬ ‮«‬لقد‭ ‬انتهى‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يا‭ ‬شيش‮»‬،‭ ‬قالت‭ ‬ديشا‭ ‬بصوت‭ ‬عال‭.‬ وكانت‭ ‬اهتزازة‭ ‬الريكاشة‭ (‬1‭) ‬قد‭ ‬جعلت‭ ‬صوتها‭ ‬يرتجف‭ ‬مع‭ ‬آخر‭ ‬كلمة،‭ ‬وكأنه‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬هناك‭ ‬تردد‭ ‬باقي‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬نفسها‭. ‬ عشر‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الزواج،‭ ‬عشر،‭ ‬رقم‭ ‬جميل،‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أطفال،‭ ‬لم‭ ‬يدر‭ ‬أحد‭ ‬لم،‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الإشاعات‭ ‬والشكاوى‭ ‬والاتهامات،‭ ‬فإن‭ ‬الإنجاب‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬خيارا‭ ‬مطروحا‭.‬ وأثناء‭ ‬نزولها‭ ‬من‭ ‬الريكاشة،‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الزوايا‭ ‬العشوائية‭ ‬من‭ ‬الشارع،‭ ‬أخذت‭ ‬في‭ ‬تذكر‭ ‬تهكمه‭ ‬الصباحي‭ ‬المعتاد،‭ ‬كان‭ ‬تهكما‭ ‬جديدا‭ ‬اليوم،‭ ‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬ديشا‭ ‬عارفة‭ ‬بكل‭ ‬همزاته،‭ ‬كرشها‭ ‬المكتنز،‭ ‬وثدياها‭ ‬المترخيان،‭ ‬عقمها،‭ ‬بشرتها‭ ‬الداكنة،‭ ‬حياتها‭ ‬المنزلية‭ ‬المهملة،‭ ‬افتقارها‭ ‬لأي‭ ‬ميزات‭ ‬أو‭ ‬ممتلكات،‭ ‬ماذا‭ ‬كان‭ ‬نفعها؟ والآن‭ ‬هذا،‭ ‬كل‭ ‬الذي‭ ‬استطاع‭ ‬قوله‭ ‬هو‭ (‬طلاق‭)‬،‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات،‭ ‬وتكون‭ ‬ديشا‭ ‬مطلقة،‭ ‬مرمية‭ ‬خارج‭ ‬المنزل‭.‬ لم‭ ‬تجرؤ‭ ‬على‭ ‬ذكر‭ ‬المقال‭ ‬الذي‭ ‬قرأته‭ ‬في‭ ‬الصحيفة،‭ ‬والذي‭ ‬ذكر‭ ‬أن‭ ‬قول‭ ‬طالق‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات‭ ‬ليس‭ ‬كافيا،‭ ‬كان‭ ‬يتوجب‭ ‬على‭ ‬الرجل‭ ‬فعل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬لكي‭ ‬يخلص‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬امرأة،‭ ‬لم‭ ‬تجرؤ‭ ‬على‭ ‬ذكر‭ ‬دناءة‭ ‬الحياة‭ ‬العبثية‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭ ‬هنا‭ ‬لأحد،‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬شيء‭ ‬قد‭ ‬تسمعه‭ ‬خادمة‭ ‬من‭ ‬زوجها‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬ديشا‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬مكيف‭ ‬راق‭.‬ وبينما‭ ‬هي‭ ‬تتهادى،‭ ‬تسللت‭ ‬إلى‭ ‬خياشيمها‭ ‬رائحة‭ ‬الدجاج‭ ‬المشوي،‭ ‬كانت‭ ‬الرائحة‭ ‬تتحدث‭ ‬إليها،‭ ‬وهي‭ ‬تنسل‭ ‬إلى‭ ‬رأسها‭ ‬عبر‭ ‬أنفها،‭ ‬تاركة‭ ‬رسائل‭ ‬مبطنة‭. ‬سال‭ ‬لعابها‭ ‬وهي‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬الواجهة‭ ‬الزجاجية‭ ‬للمطعم،‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬يمين‭ ‬المقهى،‭ ‬بمحاذاة‭ ‬ممشى‭ ‬الشارع‭. ‬كانت‭ ‬الدجاجات‭ ‬محشوات‭ ‬في‭ ‬أسياخ‭ ‬تدور‭ ‬بلا‭ ‬توقف،‭ ‬تطالعها،‭ ‬يتصبب‭ ‬الدهن‭ ‬منهن،‭ ‬وبجانبهن‭ ‬يقف‭ ‬فتى‭ ‬غر،‭ ‬وخلفه‭ ‬طاولة‭ ‬صغيرة،‭ ‬عليها‭ ‬زجاجات،‭ ‬وأدوات‭ ‬للتقطيع،‭ ‬وفي‭ ‬الأرض‭ ‬بجوار‭ ‬قدمه،‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬علب‭ ‬بلاستيكية‭ ‬وأكياس‭ ‬ورقية،‭ ‬كل‭ ‬الأشياء‭ ‬المطلوبة‭ ‬لإعداد‭ ‬دجاجة‭ ‬مشوية‭ ‬ليأخذها‭ ‬الزبون‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكلف‭ ‬نفسه‭ ‬عناء‭ ‬دخول‭ ‬المطعم‭.‬ رآها‭ ‬وهي‭ ‬تحدق‭ ‬وبدأ‭ ‬سرد‭ ‬أسطوانته‭:‬ ‮«‬هل‭ ‬أحضر‭ ‬لك‭ ‬واحدة،‭ ‬آبا‭ (‬2‭)‬؟،‭ ‬إنها‭ ‬ناضجة‭ ‬الآن،‭ ‬سوف‭ ‬أضع‭ ‬عليها‭ ‬البهارات‭ ‬كما‭ ‬تحبين،‭ ‬لقد‭ ‬جئت‭ ‬هنا‭ ‬مسبقا،‭ ‬وجربت‭ ‬دجاجنا،‭ ‬أنا‭ ‬أذكرك،‭ ‬خذي‭ ‬واحدة‭ ‬،‭ ‬سأضع‭ ‬معها‭ ‬سلطة‭ ‬إضافية‭.. ‬‮»‬‭. ‬ ‭***‬ جلست‭ ‬ديشا‭ ‬على‭ ‬سريرها،‭ ‬عارية،‭ ‬مزقت‭ ‬العلبة‭ ‬البيضاء‭ ‬المتسخة‭ ‬الموضوعة‭ ‬بين‭ ‬قدميها،‭ ‬وأخذت‭ ‬تحدق‭ ‬في‭ ‬الدجاجة‭ ‬البنية‭ ‬المنبطحة‭ ‬على‭ ‬ظهرها،‭ ‬قدماها‭ ‬مفلطحتان،‭ ‬ميتة،‭ ‬لكنها‭ ‬تدعو‭ ‬بإغراء‭. ‬كانت‭ ‬شمس‭ ‬الظهيرة‭ ‬الآفلة‭ ‬تبث‭ ‬بقايا‭ ‬أشعتها‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬وفاجأها‭ ‬الضوء‭ ‬الذهبي‭ ‬عندما‭ ‬هبط‭ ‬على‭ ‬فخذيها‭ ‬السمينين،‭ ‬كان‭ ‬طعم‭ ‬الدجاجة‭ ‬رائعا‭ ‬في‭ ‬فهمها،‭ ‬تتذوق‭ ‬الملوحة‭ ‬والحلاوة‭ ‬ولسعة‭ ‬الصلصة‭ ‬الحارة‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الشحم‭ ‬قد‭ ‬تساقط‭ ‬كليا‭ ‬أثناء‭ ‬الطهي‭ ‬وكان‭ ‬بعضه‭ ‬يتقاطر‭ ‬على‭ ‬ذقنها‭ ‬وبعضه‭ ‬يسيل‭ ‬على‭ ‬كرشها‭ ‬الآن،‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تبال‭ ‬أن‭ ‬تمسحه،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬فكها‭ ‬يتحرك‭ ‬باستمرار‭.‬ لم‭ ‬تكن‭ ‬ديشا‭ ‬قد‭ ‬طبخت‭ ‬شيئا،‭ ‬وقف‭ ‬زوجها‭ ‬أمام‭ ‬غرفة‭ ‬النوم،‭ ‬فاتحا‭ ‬فاه،‭ ‬مشدوها،‭ ‬مثبتا‭ ‬عينيه‭ ‬علة‭ ‬منظرها،‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬فرغت‭ ‬من‭ ‬أكل‭ ‬الدجاجة،‭ ‬وأخذت‭ ‬تحملق‭ ‬في‭ ‬قطع‭ ‬العظام‭ ‬الصغيرة‭ ‬المتبقية،‭ ‬تذكرت‭ ‬أمها‭ ‬وهي‭ ‬تأكل‭ ‬الدجاجة،‭ ‬كانت‭ ‬تحب‭ ‬أن‭ ‬تمضع‭ ‬العظام،‭ ‬‮«‬هذه‭ ‬أجمل‭ ‬عظام‭!‬‮»‬،‭ ‬كانت‭ ‬تقول‭ ‬لطفلتها،‭ ‬وهكذا‭ ‬كانت‭ ‬أمها‭ ‬تأكل‭ ‬العظام‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يريدها‭ ‬أحد،‭ ‬الرقبة،‭ ‬الذنب‭ ‬ـ‭ ‬القدم،‭ ‬الرأس،‭ ‬والآن‭ ‬سوف‭ ‬تأكل‭ ‬هي‭ ‬هذه‭ ‬العظام،‭ ‬أخذت‭ ‬إحدى‭ ‬العظام‭ ‬الكبيرة‭ ‬ولعقت‭ ‬النتوء‭ ‬عند‭ ‬أطرافها،‭ ‬سوف‭ ‬تأكلها‭ ‬كلها‭ ‬الآن،‭ ‬اليوم‭ ‬سوف‭ ‬تأكل‭ ‬العالم‭ ‬بأسره‭.‬ —————————— ‭(‬1‭) ‬الريكاشة‭: ‬هي‭ ‬عربة‭ ‬هندية‭. ‬ ‭(‬2‭) ‬آبا‭: ‬أختاه‭ ‬باللغة‭ ‬البنغالية‭.‬

مشاركة :