عصي.. قصة قصيرة من الأدب الأمريكي للكاتب: جورج ساندرز*

  • 8/21/2021
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في‭ ‬ليلة‭ ‬عيد‭ ‬الشكر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬كنا‭ ‬نحتشد‭ ‬خلف‭ ‬أبي‭ ‬بينما‭ ‬يجر‭ ‬بدلة‭ ‬سانتا‭ ‬إلى‭ ‬الطريق،‭ ‬ثم‭ ‬يقوم‭ ‬بإلباسها‭ ‬على‭ ‬صليب‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬صنعه‭ ‬من‭ ‬عمود‭ ‬فولاذي‭ ‬في‭ ‬الساحة‭.‬ وفي‭ ‬أسبوع‭ ‬السوبر‭ ‬باول‭ ‬كان‭ ‬العمود‭ ‬يكتسي‭ ‬بحلة‭ ‬جرسي‭ ‬وخوذة‭ ‬رود،‭ ‬وكان‭ ‬على‭ ‬رود‭ ‬أن‭ ‬يتحدث‭ ‬مع‭ ‬أبي‭ ‬ليخلع‭ ‬الخوذة‭. ‬وفي‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬يوليو،‭ ‬يصبح‭ ‬العمود‭ ‬هو‭ ‬العم‭ ‬سام،‭ ‬وفي‭ ‬يوم‭ ‬المحاربين‭ ‬القدماء‭ ‬يكون‭ ‬العمود‭ ‬جندياً،‭ ‬وفي‭ ‬يوم‭ ‬القديسين‭ ‬شبحاً‭.‬ كان‭ ‬العمود‭ ‬هو‭ ‬مصدر‭ ‬سعادة‭ ‬أبي‭ ‬الوحيد‭.‬ كان‭ ‬أبي‭ ‬يسمح‭ ‬لنا‭ ‬بأخذ‭ ‬طبشورٍ‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬كاريولا‭ ‬من‭ ‬العلبة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭. ‬وفي‭ ‬إحدى‭ ‬ليالي‭ ‬الكريسماس‭ ‬زعق‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬كيمي‭ ‬لإسقاطها‭ ‬شريحة‭ ‬تفاح‭. ‬كان‭ ‬ينحني‭ ‬فوقنا‭ ‬ونحن‭ ‬نسكب‭ ‬الكاتشاب‭ ‬قائلاً‭:‬ ‭- ‬‮«‬يكفي‭.. ‬يكفي‭.. ‬يكفي‭.. !!‬‮»‬‭.‬ كانت‭ ‬حفلات‭ ‬أعياد‭ ‬الميلاد‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬الكعكات‭ ‬فقط،‭ ‬لا‭ ‬بوظة‭ ‬هنالك‭.‬ وفي‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬أحضرت‭ ‬صديقتي‭ ‬إلى‭ ‬المنزل،‭ ‬قالت‭ ‬لي‭:‬ ‭- ‬‮«‬ما‭ ‬قصة‭ ‬أبوك‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬العمود‭..!‬؟‮»‬،‭ ‬وكنت‭ ‬أنا‭ ‬هاجداً‭ ‬أرمش‭ ‬بعيني‭.‬ غادرنا‭ ‬المنزل،‭ ‬وتزوجنا،‭ ‬وصار‭ ‬لدينا‭ ‬أطفال،‭ ‬ثم‭ ‬إننا‭ ‬وجدنا‭ ‬أن‭ ‬بذور‭ ‬البخل‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬أزهرت‭ ‬فينا‭ ‬أيضا‭.‬ أخذ‭ ‬أبي‭ ‬يغطي‭ ‬العمود‭ ‬بطريقة‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيداً،‭ ‬وبأقل‭ ‬منطقٍ‭ ‬مفهوم‭.‬ ‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬ألقى‭ ‬على‭ ‬العمود‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬الفراء‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬عيد‭ ‬فأر‭ ‬الأرض،‭ ‬ثم‭ ‬انتزع‭ ‬كشاف‭ ‬ضباب‭ ‬ورماه‭ ‬ليتأكد‭ ‬من‭ ‬حصول‭ ‬تأثير‭ ‬ظلال‭. ‬وعندما‭ ‬ضرب‭ ‬زلزال‭ ‬تشيلي،‭ ‬قام‭ ‬ببطح‭ ‬العمود‭ ‬على‭ ‬جانبه،‭ ‬ورش‭ ‬صبغا‭ ‬راسماً‭ ‬شكل‭ ‬صدع‭ ‬في‭ ‬الأرض‭.‬ ماتت‭ ‬أمي،‭ ‬وقام‭ ‬هو‭ ‬بإلباس‭ ‬العمود‭ ‬كالموت،‭ ‬وعلق‭ ‬بعض‭ ‬صور‭ ‬أمي‭ ‬وهي‭ ‬طفلة‭ ‬على‭ ‬عارضة‭ ‬العمود‭. ‬كنا‭ ‬نتوقف‭ ‬أحيانا‭ ‬أثناء‭ ‬مرورنا،‭ ‬لنجد‭ ‬طلاسم‭ ‬غريبة‭ ‬من‭ ‬أيام‭ ‬شبابه‭ ‬مرتبة‭ ‬حول‭ ‬قاعدة‭ ‬العمود،‭ ‬قلادات‭ ‬عسكرية،‭ ‬تذاكر‭ ‬مسارح،‭ ‬قمصان‭ ‬قديمة،‭ ‬قناني‭ ‬مساحيق‭ ‬تجميل‭ ‬تخص‭ ‬أمي‭. ‬وفي‭ ‬أحد‭ ‬فصول‭ ‬الخريف‭ ‬قام‭ ‬بطلاء‭ ‬العمود‭ ‬بلون‭ ‬أصفر‭ ‬براق‭. ‬ قام‭ ‬بتغطية‭ ‬العمود‭ ‬بفوط‭ ‬قطنية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الشتاء‭ ‬للتدفئة،‭ ‬ثم‭ ‬عمد‭ ‬إلى‭ ‬توفير‭ ‬ذرية‭ ‬للعمود،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬غرس‭ ‬ست‭ ‬عصي‭ ‬متقاطعة‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬الساحة،‭ ‬ثم‭ ‬جهد‭ ‬بتوصيل‭ ‬أسلاك‭ ‬تربط‭ ‬هذه‭ ‬العصي‭ ‬مع‭ ‬العمود‭ ‬وعلق‭ ‬رسائل‭ ‬اعتذارٍ،‭ ‬اعترافات‭ ‬بذنوبٍ،‭ ‬دعواتٍ‭ ‬للتفهم،‭ ‬كلها‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬كتبت‭ ‬بخطٍ‭ ‬مسعور‭ ‬على‭ ‬بطاقات‭.‬ قام‭ ‬بتعليق‭ ‬لافته‭ ‬تقول‭: ‬‮«‬حب‮»‬‭ ‬خلف‭ ‬العمود،‭ ‬ولافته‭ ‬أخرى‭ ‬تقول‭: ‬‮«‬مغفرة‮»‬‭.‬ وفي‭ ‬يوم،‭ ‬مات‭ ‬في‭ ‬الصالة،‭ ‬وكان‭ ‬المذياع‭ ‬مشغلاً‭. ‬ لقد‭ ‬بعنا‭ ‬المنزل‭ ‬لزوجين‭ ‬يافعين،‭ ‬اللذان‭ ‬انتزعا‭ ‬العمود‭ ‬والعصي‭ ‬ورموها‭ ‬في‭ ‬قارعة‭ ‬الطريق،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬القمامة‭.‬ *جورج‭ ‬ساندرز‭ ‬هو‭ ‬كاتب‭  ‬قصص‭ ‬قصيرة‭ ‬وروائي‭ ‬أمريكي‭ ‬معاصر‭ ‬ولد‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1958‭. ‬فاز‭ ‬بجوائز‭ ‬عديدة‭ ‬كانت‭ ‬آخرها‭ ‬جائزة‭ ‬مان‭ ‬بوكر‭ ‬عن‭ ‬روايته‭ ( ‬لينكولن‭ ‬في‭ ‬البرزخ‭) ‬عام‭ ‬2017‭.‬

مشاركة :