عائشة البوسميط.. امرأة إماراتية اختارت الصعاب والتحديات

  • 9/19/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

قبلتْ أن تركب الصعاب وتواجه التحديات وتبني نفسها خطوة خطوة حتى غدتْ سيدة يـُشار إليها بالبنان في بلادها وخارج وطنها كنموذج للمرأة الإماراتية العصامية الجسورة، العاملة على أكثر من صعيد، والمنخرطة في أكثر من مجال. فهي كاتبة وشاعرة وإعلامية ومصورة ومذيعة تلفزيونية وأستاذة جامعية في الاتصال والتسويق ومديرة إدارة في «الهيئة الاتحادية للمواصلات البرية والبحرية» وسفيرة للنوايا الحسنة لدولة الإمارات في «المنظمة البحرية الدولية». وقبل كل هذا هي إنسانة معجونة بخدمة وطنها ومجتمعها، وهو ما تجلى في قيادتها لفكرة «الأم الحاضنة» التي طيقتها على نفسها يوم أن احتضنت الطفلة اليتيمة «ريم» ذات السنوات الثلاث، والطفلة اليتيمة الأخرى «حصة» ذات الأربعين يومًا، وذلك من منطلق ايمانها بأن أفضل مكان للطفل اليتيم هو حضن العائلة وليس مراكز الإيواء ودور الأيتام.   تلك هي ابنة الإمارات الدكتورة عائشة البوسميط المنحدرة من قبيلة البوسميط العربية الكبيرة ذات النسب الرفيع والذكر المتكرر في تاريخ الخليج العربي بساحليه. إذ تفيد كتب الأنساب القديمة (مثل كتابي «سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب» و«نهاية الارب في أنساب العرب») بأن آل بوسميط يرجعون في الأصل إلى المغيرة بن لام من طي، وينقسمون إلى ثلاثة فروع (المخامرة، الشعيفان، آل يوسف). أما كتاب دليل الخليج لمؤلفه البريطاني جون غوردون لوريمر (1870 ــ 1914)، ووثائق الهند البريطانية وأوراق شركة الهند الشرقية، فتشير إلى أنهم نزحوا مع العتوب من نجد إلى سواحل الخليج وسكنوا منطقة «الخور» بقطر، وفي سنة 1810م هاجروا من الأخيرة إلى البحرين حيث سكنوا بقرية «جو»، لكنهم تركوا البحرين إلى مدينة الدمام وجزيرة دارين السعوديتين عام 1824م بسبب حدوث نزاعات، قبل أن يعودوا مرة أخرى إلى البحرين عام 1840م لتحدث مرة أخرى خلافات بينهم وبين قبيلة النعيم القوية، وهو ما جعلهم ينتقلون للإقامة بجزيرة قيس أو كيش (كانت وقتها تحت حكم قبيلة آل علي ومنهم المعلا حكام أم القيوين الحاليين)، حيث بقوا فيها حتى 1843م، وهو عام انتقالهم إلى لنجة زمن حكم القواسم حيث رحب بهم الشيخ قضيب بن كايد القاسمي. وفي عام 1899م نشبت خلافات بينهم وبين السلطات الإيرانية بسبب محاولات الأخيرة الاستيلاء على لنجة وطرد القواسم العرب منها وعزل حاكمها الشيخ محمد بن خليفة القاسمي (ت: 1874). وطبقًا للمصادر التاريخية البريطانية طلب الشيخ عيسى بن علي آل خليفة (1848 ــ 1932) حاكم البحرين وتوابعها آنذاك من الحكومة البريطانية توفير الحماية للبوسميط، فتم لهم ذلك وخرجوا من لنجة وانتشروا في السعودية والكويت والبحرين وقطر. ويخبرنا موقع تاريخ الكويت بأن البوسميط الذين سكنوا الكويت قادمين من لنجة هم من فرع المخامرة ويسمون بـ«اليوحة» وأن أخوالهم من الجلاهمة والمعاضيد، وأنهم عملوا في الطواشة وبرز منهم العديد من الشخصيات التي وردت أسماؤها في كتاب «دليل الخليج» للوريمر، وكتاب «مجموع الفضائل في فن النسب وتاريخ القبائل «لمؤلفه الشيخ راشد بن فاضل آل بن علي»(1877 ــ 1960) ومنهم: عبداللطيف بن حمد بن جهجاة البوسميط، فيصل بن غزيان البوسميط، يوسف بن أحمد البوسميط، ماجد بن سيار البوسميط، محمد بن أحمد اليوحة البوسميط، وغيث بن إرحمه البوسميط. ولدت عائشة سعد يوسف البوسميط بمدينة المحرق البحرينية لأب تنقل في حياته بين دولة الإمارات ومملكة البحرين قبل أن يستقر في الإمارات ويعمل بها قائدًا وقبطانًا بحريًا. أما والدتها فهي ربة بيت متعلمة سخرت حياتها لتربيتها تربية عربية اسلامية قويمة، بل قامت ايضًا بدعمها منذ طفولتها ثم مساندتها حينما كبرت في تطلعاتها وخطواتها وهواياتها المختلفة كالرسم والكتابة والتصوير، على الرغم من أعبائها الأسرية الكثيرة تجاه زوجها وأولاها الثمانية الآخرين (ثلاث بنات وخمسة أولاد). أخبرتني عائشة عن مراحل تعليمها النظامي فقالت إنها درست المرحلة الابتدائية بمدرسة آمنة بنت وهب بمدينة المحرق، حيث ولدت ونشأت وعاشت سنوات طفولتها في ظل والديها اللذين كانا يقيمان وقتها هناك، ثم درست المرحلة الإعدادية بمدرسة زنوبيا الإعدادية النموذجية في البحرين. أما مرحلة دراستها الثانوية فقد بدأتها بمدرسة المحرق الثانوية وأنهتها في مدرسة الزهراء الثانوية للبنات في الشارقة. بعد حصولها على شهادة الثانوية العامة عام 1983 التحقت بكلية الإعلام التابعة لجامعة الإمارات والتي منحتها درجة البكالوريوس في الاعلام سنة 1988. وأثناء دراستها بجامعة الإمارات برزت مواهبها القيادية والإعلامية بدليل توليها رئاسة الجمعية الإعلامية للجامعة، وقيامها بأعباء عريف الحفلات الطلابية، وهذا ــ إلى جانب ولعها بالشعر والأدب ــ قادها إلى الظهور على شاشة التلفزيون آنذاك لتقديم برامج أسرية وثقافية، وهذا بدوره فتح أمامها أبواب الصحافة المحلية، لتحرير صفحة خاصة بأخبار الحرم الجامعي. تقول البوسميط في هذا السياق أنها قسمت وقتها فترتذاك بين دراستها وعملها بالتلفزيون والصحافة الذي كانت تتقاضى مقابله مكافأة قدرها 2000 درهم إماراتي، وهم مبلغ كبير بالنسبة لطالبة مثلها. واستمر هذا إلى أن تخرجت من الجامعة لتبدأ على إثره مشوارها الصحفي الحقيقي من خلال صحف البيان والخليج والاتحاد. الأمر الآخر الذي أفصحت عنه البوسميط في مقابلاتها الصحفية هو أنها عشقت التصوير الفوتوغرافي الذي مارسته حينما كانت مديرة لبرامج الأسرة والطفل بتلفزيون الشارقة، فأسهمت بتصوير مناطق الإمارات البعيدة ومجتمعات أطفالها والتقاط صورعفوية للحظات جميلة بتوجيه من الإعلامي العربي المعروف الأستاذ أحمد سالم الذي كان وقتذاك ضمن طواقم تلفزيون الشارقة. لاحقًا قررت مواصلة تعليمها العالي، مدفوعة بطموحاتها في الارتقاء بذاتها ومدعومة بما غرسته قراءاتها منذ سنوات الطفولة من عشق للعلم والمعرفة والاطلاع، فسافرت إلى مصر، حيث حصلت أولاً على درجة الماجستير في الإعلام الجماهيري من جامعة القاهرة بمرتبة الامتياز في سنة 1999، وأتبعتها بدرجة الدكتوراه في الاتصال الجماهيري من نفس الجامعة بمرتبة الامتياز أيضًا في عام 2004.  لم تكتفِ عائشة البوسميط بكل هذه الانجازات الأكاديمية، فبعد عودتها إلى الإمارات عملت على الحصول على درجة ماجستير أخرى، لكن في تخصص الإدارة الرياضية، من الجامعة الأمريكية بدبي في سنة 2016. والجدير بالذكر أنها حصلت قبل ذلك، وتحديدًا في عام 2012م على دبلوم المدير التنفيذي للمعرفة من جامعة غراس للتكنولوجيا Graz University of Technology بمدينة فيينا النمساوية (تأسست عام 1811م وتعتبر الجامعة الأقدم بين الجامعات النمساوية الخمس).   ومن جانب آخر، أخبرتني عائشة عن صور من اهتماماتها المبكرة وهي على مقاعد التعليم النظامي، ومنها أنها عشقت الكتابة والقراءة في طفولتها من خلال مجلة «ماجد» للأطفال التي راحت ترسل لها بعض كتاباتها الأولى للنشر، وبعد نموها واكتمال وعيها بدأت تراسل وتكتب لمجلة «الأزمنة الحديثة» الإماراتية السياسية، فقط لأنها وجدت طريقًا سهلاً إليها من خلال صديق أخيها الذي كان على علاقة بالمجلة المذكورة. أما عن حياتها المهنية فقد عملت كخبيرة في الاتصال الحكومي بوزارة الطاقة والبيئة الإماراتية، ومديرة لإدارة الاتصال الحكومي بالهيئة الاتحادية للمواصلات البرية والبحرية، ناهيك عن عملها كمتحدثة رسمية وإعلامية، واستاذة جامعية ورئيسة الإستشاريين بجامعة الفلاح بدبي، وعضو في فريق الاستشاريين بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا، ورئيسة لفريق تنظيم مؤتمر دبي الرياضي ما بين عامي 2010 و2014م. تقول البوسميط إنها، خلال السنوات الخمس التي مارست فيها التدريس بجامعة عجمان، اكتشفت أن أساليب التدريس التقليدية التي تركز على الجانب النظري تقتل الإبداع وتحبس الطالب في إطار ضيق وتنفره من المادة. لذا قامت بممارسة التدريس وفق أساليب عملية مختلفة وبمشاركة الطلبة أنفسهم.  وما بين هذا وذاك، نشطت ككاتبة صحفية في مجال الإتصال الحكومي والتسامح والإبداع المعرفي وإدارة الأزمات، وكباحثة في اعداد الكثير من البحوث والدراسات في مجال وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، وكمشاركة في العديد من الأعمال التطوعية الوطنية ذات العلاقة بالمرأة والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة.  وفي خضم كل هذه المسؤوليات، تمكنت من نشر العديد من المؤلفات في مجال تخصصها وغير تخصصها. فقد نشرت في عام 2006 أول دواوينها الشعرية تحت عنوان «سيدة الرفض الأخير»، وهو الديوان الذي تمت ترجمته إلى عدة لغات، بل تمّ اختياره أيضا من قبل دائرة الثقافة واتحاد الكتاب والأدباء ليجوب المعارض العالمية للكتاب مع أربعين كتابًا إماراتيًا آخر. وفي العام التالي (2007) أصدرت ديوانها الشعري الثاني تحت عنوان «عودة شهرزاد»، وهو ما شجع مسؤولي الثقافة بدولة الإمارات على اختيار البوسميط للمشاركة في محفل عالمي للشعراء بألمانيا.  ولا يكتمل الحديث عن هذه السيدة المبدعة دون التطرق إلى إصداراتها الأخرى ذات الصلة بمجال تخصصها الأكاديمي. ففي عام 2009 أصدرت كتابا عن «التلفزيون الكابلي في الوطن العربي»، وفي عام 2016 أصدرت كتابا ثانيا حول «الاتصال الحكومي»، واتبعته في العام التالي بكتاب آخر حول نفس الموضوع حمل عنوان «أفضل الممارسات». لم تتوقف البوسميط بعد ذلك عن رفد المكتبتين الخليجية والعربية بمؤلفات أخرى، بدليل أنها اشتغلت على كتاب آخر جديد انتهت من تأليفه في عام 2020 بالتعاون مع وزارة التسامح والتعايش في الحكومة الإتحادية ويحمل عنوان «التسامح في المجتمع الإماراتي». إلى ما سبق قامت عائشة بكتابة سيناريو الفيلم التسجيلي الإماراتي لمعرض إكسبو لشبونة عام 1998، والفيلم التسجيلي الإماراتي لمعرض إكسبو هانوفر عام 2000. من اصداراتها الأخرى كتاب يحمل عنوان «أمومة اختيارية» أصدرته عام 2018 حول تجربتها الشخصية في الإحتضان والتي قالت عنها: «أشعر بأن لي رسالة وهي (الاحتضان) لأنني استطعت أن أكــّون الأسرة التي أحلم بها، وأن أختار أبناني، فاخترت بنتيّ ريم وحصة. والحمد لله، من بعدي كثير من السيدات احتضن أطفالاً، سواء المحرومات من الأبناء أو حتى الأسر التي لديها أبناء». وحول هذا الكتاب كتبت صحيفة الخليج الشارقية (3/‏12/‏2019) إنها تجربة امرأة لا تتحسس بطنها لتنجب الأمومة، بل تتلمّس كيانها لتلدها الأمومة ففازت بلقب (أُم)، لكن من مخاض أطل عليها من حنين قلب، خاصة أنها تؤمن أن الأم ليست بالضرورة التي تلد، وأن الأمومة فن وموهبة قبل أن تكون والدة. وأضافت الصحيفة: «يسرد الكتاب رحلة المؤلفة نحو (الاحتضان)، حين بحثت عن أمومة خاصة فعثرت على ضوء شمعة يتراقص لهبها في آخر النفق، فأعدت عدتها لترسو على شاطئ (الاحتضان). وقد حرصت الكاتبة على إزالة الالتباس بين الاحتضان والتبني، وبينت الفرق بينهما وهو أن طفل التبني يُنسب لاسم للأسرة المُتبنية ويورّث وهو ما يحرمه الدين الإسلامي، بينما الاحتضان هو ضمن كفالة اليتيم في أعلى مراتبه، حيث يتم تربية الطفل ورعايته وتعليمه في كنف أسرة حاضنة، وأنه في حالة ظهور أحد من أفراد عائلة الطفل المحضون الحقيقيين يحق له استرداده في أي وقت، وهو أمر يجب الامتثال إليه رغم ألمه».     ومن كانت مثل عائشة البوسميط في الدأب والتألق والإنجاز والعمل المتقن من أجل رفعة شأن وطنها ومواطنيها، كان لابد وأن تكرم بالجوائز. فقد حصلت على امتداد السنوات الماضية من حياتها المهنية على جوائز وتكريمات كثيرة منها: جائزة ستيفي الذهبية للإبداع في الاتصال الدولي (2020)، تكريم خاص في عام 2019 لمشاركتها في أعمال معارض إكسبو العالمية من لدن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة /‏ رئيس مجلس الوزراء/‏ حاكم دبي، جائزة أفضل اتصال حكومي خارجي (2018)، جائزة الأم المثالية (2016) من دائرة الخدمات الاجتماعية في الشارقة، جائزة الأم المثالية الحاضنة (2015) من مؤسسة زايد للرعاية الإنسانية، جائزة أفضل جهة حكومية في الاتصال الحكومي (2014)، جائزة الإبداع في الهوية الوطنية على مواقع التواصل الاجتماعي (2012) من مجموعة دبي للجودة، جائزة مشروع دبي للمعرفة كمشروع تخرج في برنامج محمد بن راشد لإعداد القادة (2011)، جائزة العام لأفضل هوية مؤسسية وأكثر الأسماء بريقا (2011) من قبل هيئة الطرق والمواصلات في دولة الإمارات، جائزة الإمارات للسيدات في الإبداع (2010) من مجموعة دبي للجودة، جائزة أفضل جهة حكومية إماراتية على مواقع التواصل الإجتماعي ــ فئة الحملات التسويقية (2010)، جائزة أفضل أداء بصفة عامة في الإبتكار (2010)، جائزة أفضل إدارة في خدمة العملاء (2009) من هيئة الطرق والمواصلات، جائزة أفضل موظفة حكومية في برنامج دبي للأداء الحكومي المتميز (2007)، جائزة أفضل مصمم في الشرق الأوسط (2006)، جائزة أفضل مصور في معرض بينالي (1990). وعائشة التي تـُعرّف نفسها بأنها «إنسانة بسيطة، محبة للحياة والعلم والمعرفة والإطلاع.. عصامية تعبتُ على نفسي، ولله الحمد هناك الكثير من العناصر بحياتي ساعدتني ودعمتني مثل والدي واخواني»، تعتبر نفسها من أسعد نساء العالم «لكوني محظوظة بقيادة تدعم المرأة، وبأهل أتاحوا لي الفرصة في التعلم والوصول إلى ما وصلت عليه الآن، كما أني فخورة لوجود دور فعال لي في هذا المجتمع، ولأننا نعيش في بيئة تشجع المرأة على اقتحام كافة الميادين»، طبقًا لحوارها مع مجلة سيدتي (27/‏3/‏2020). وهو الحوار الذي أفصحت فيه أيضا عن أحد عوامل نجاحها وابداعها وهو التجربة، بقولها: «لم يكن للإبداع حدود في حياتي، لأني أحب أن أجرب كل شيء ولأن التجربة تعطيك المعرفة». أما نصيحتها للشباب من الجنسين فقد اختصرتها بقولها: «أتمنى أن يستمتعوا بحياتهم، وأي تحديات تواجههم يجب ألا تمنعهم من إكمال المسيرة، فكل العظماء والناجحين فشلوا في بداياتهم، فعلى الشباب أن يضعوا أهدافا أمامهم، ومهما حاول الناس أن يعرقلوا مسيرتك ووضع العصا في العجل أو رمي الحجارة بطريقك، ابتسم وأكمل طريقك.. لا تقف وتجادل، لأنك بذلك ستفوت فرصة والحياة فرص».

مشاركة :