النقد الأدبي بين الحضور والغياب!

  • 9/22/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

في الحركة الأدبية يفترض نظريّاً أن يسير النقد الأدبيّ بموازاة ومواكبة الكتابات الإبداعية الجديدة، وفي دولة الإمارات سخاء إبداعيّ متجدد يتطلّب أن تستمرّ العمليّة النقديّة بذات الزخم، وتتأطّر بشكلٍ علميٍّ مستدام. واستمرار العمليّة النقديّة مرهونٌ بمدى اقتناع الكاتب نفسه بأهمية ودور النقد، وأنّه وَجهُهُ الإبداعيّ الآخر، وهذا ما يجعله يعرض عن أيّة مخاوف من تنبيه النقّاد على أية أوجه قصور في النصوص، أو كشفهم عن أية مواطن خلل، فالفرح بالنقد الاحتفالي والإطراء وتذوّق الجماليات يتعيّن أن توازيه أيضاً سعادة بمكاشفة النقّاد حول نقاط الضّعف في المنتج الأدبي والتنبيه عليها، وذلك كي يمكن للكاتب مستقبلاً تدارك ما فاته في مشروعه الأدبي بقية مسيرته في الكتابة. فطالما أنّ المشروع الإبداعي في الكتابة كمنجز أدبي يتّسم بالاستمرار الزمني، فإنّ المشروع النقدي هو الآخر يجب أن يتسم بالاستمرار وطول النفَس، كمشروع له أُطُر وتخصصات واحترام على منصّات تُقدّم الإفادة حين يتوهّج الجميل واللافت من مواضيع الكتابة والإبداع. ويستلزم هذا الاحتفاء بالنقد والإبداع معاً، حملة توعوية وتثقيفية من المؤسسات والهيئات الثقافيّة العاملة، بالإكثار من المنصّات النقديّة وجمعيّاتها ذات العلاقة، لكي يصبح النقد أمراً عاديّاً ويشعر أصحاب النصوص المُقيَّمة سلباً أو إيجاباً باحترام وتثمين الجهود التي تَنْصَبُّ على نصوصهم وتُعمل فيها مبضع القراءة والفهم، لتكريس الشواهد والضوابط العامة التي تفتح الآفاق ولا تقيّد المنجزات أو تحدّ منها أو تتقصّد هدمها وجعل أصحابها يعزفون عنها أو يزهدون فيما يقدّمونه منها. النقد والثقافة الجماليّة والجمهور أيضاً بات يعرف الجهود النقديّة ويقدّرها ويحترم الصّادق منها، وربما خسر الأدعياء سمعتهم بسبب نقدٍ متحامل لا يتسلّح بالأدوات ويكون مدفوعاً بروح الاستهداف والتثاقف على الكُتّاب، وبخاصّة الأدباء الجدد الذين ينبغي أن نعاملهم بإيجابية، فيتعيّن أن نُحفزهُم، وقد نهمس في آذانهم حول أية أوجه قصور في الوقت ذاته. ولا ننسى، في هذا المقام، أن ثقافة النقد عمليّة جماليّة وانطباعيّة في النهاية، حتى أنّ الجمهور نفسه بات ناقداً، فضلاً عن معرفته الجيّدة بالنقاد وفرزه لصاحب السّمعة الطيّبة منهم، فهو جمهورٌ يعرف متى يصفّق، أو يصمت إزاء بيت ضعيف من الشعر على سبيل المثال، أو قطعة أدبيّة غير مستوفية لشروطها الإبداعيّة. مهمّة الناقد وربما يكون علينا التنبيه، هنا، إلى أنّ من مهمّة الناقد أيضاً تقديم اتجاهات إضافيّة أو أُطُر عامّة، وفتح آفاق جديدة، فالنقد مشروع لا يتوقّف أو ينضب بتراجع الإبداعات أو في حال قلّتها، وإنّما على النقّاد التكاتف أمام ألوان أدبيّة جديدة عصيّة على التجنيس الأدبيّ مثلاً أو تمزج بين أجناس متعددة، ولدينا في وطننا العربيّ نُقّاد باتوا محطّ احترام، ويتمثّل برؤاهم النقّاد والدارسون ذوو الصفة، تماماً كما قد نتمثّل، أحياناً، بناقدٍ أجنبي له نظريات في النقد. والمسألة أعمق من مجرد تَقَبُّل النقد أو الإعراض عنه، فمعنى «موت الناقد»، على غرار «موت المؤلف»، التي قد يرددها البعض كيفما اتفق، إنما هي، في الواقع، انسداد لآفاق قراءة واضطراب لإبداعات تبحث عن عيون فاحصة ومواكبة ذات ثقافات متنوعة، تقرأ السياق وتؤمن بمناهج النقد الحقيقيّ المكرّس بالممارسة والضوابط الأكاديميّة. الفضاء الإبداعي وعلى النقد الأكاديميّ أيضاً أن يخرج من أسوار الجامعات إلى رحابة الفضاء الإبداعيّ العام، وينجح النقد أكثر، ويزداد دوره وحضوره، حين تكون دروسه مبنيّةً على نماذج من إبداعات أدبائنا وأفكارهم، فلا يكون النقد فقط مبنيّاً على ما هو مستورد من النظريات، فلدينا من البيئة الإبداعيّة ما يسمح للنقد بأن يظهر ويتجلّى ويتوهّج عالياً ويشار إليه بالبنان، في كل مكان. كما أنّ نجاح أيّ عملٍ نقديٍّ معناه نجاح الأعمال الأدبيّة التي يقوم عليها، وعلى الناقد أن يقول كلمته ويمضي، بعيداً عن تضخيم الضعيف من الكتابة أو إحباط اللافت والمتوثب من الأصوات الإبداعيّة. مريم الهاشمي: التذوّق الجماليّ أساس الحكم النقديّترى الكاتبة والناقدة الدكتورة مريم الهاشمي أنّ العلاقة بين الناقد والنصّ أو النتاج الأدبيّ، إنّما هي علاقة إبداعيّة في المقام الأوّل، ولهذا، فإنّ القراءة الواعية للنصوص هي أساس التذوّق الجماليّ، كمنطلق أساسي للحكم النقديّ. وتُنبّه الهاشمي إلى نقطة مهمّة جداً هي أنّ النقد الأدبيّ نوعٌ من القراءة الفلسفيّة والسياق الأدبيّ للإبداع، فإذا ما غاب هذا الشّرط المهمّ فإنّنا سنُواجه بقرّاء يطالبوننا بأن نساعدهم في فهم كلّ كلمةٍ أو جملة، وهذا مُتعبٌ وله أثره حتماً، لأنّهم إنْ أعجزهم أن يفهموا كلّ ذلك ربما ذهبوا يرمون العمل بما هو مجحفٌ وغير دقيق من التّهم. وتتابع الهاشمي بأنّ هؤلاء لو أدركوا أنّ هناك سياقاً يوجّه النصّ ويتحكّم في الفهم والتفسير، لعرفوا وأدركوا مسالك هذا الجنس الأدبيّ، فالنصّ الأدبي هو تماماً مثل الفرس الأصيل -بحسب الناقد عبدالله الغذامي- يحتاج فارساً حقيقيّاً، وإلا فإنّه سيُلقي بالمتطفّل على صهوته أرضاً، ولذلك تؤكّد الهاشمي أنّ هذا الفارس هو الناقد المتمكّن بمداخل النصّ، فالتذوّق الجماليّ كفاعليّة للقراء قد يُصاب أحياناً بما تُصاب به حالة القارئ النفسيّة الثقافيّة مما يؤثّر فيه ويطبعه بطابعه أو تصوّراته، كحالات الغضب أو الفرح، وحالات التعب أو الراحة، والتي تخضع أحياناً لتأثير بعض الإيحاءات الثقافيّة والاجتماعيّة التي قد تسود مجتمع القارئ. الكفاءة التداولية والتواصلية ولهذا، تدعو الناقدة الهاشمي إلى أن ينسلخ الناقد من كلّ ما يمكن أن يؤثر سلباً في دقة وموضوعية حكمه النقديّ، وعليه أن يحاول جاهداً في هذا النوع من المنطلق النقديّ، أن يتمسّك بنزاهة الحكم، واضعاً نصب عينيه العمل الأدبيّ منفصلاً عن أيّ حكمٍ خارجي. وتضيف: هذا شرط أن يمتلك الناقد من الكفاءة الموسوعيّة والمنطقيّة والبلاغيّة التداولية والتواصلية ما يجعله يصل إلى تلك النزاهة المنشودة، مؤكدةً أنّ الكفاءة تدخل في فكّ ترميز المحتويات المضمرة، إذ غالباً ما يتعيّن اللجوء إلى معرفة قوليّة خاصّة، بل وإعادة بنائها اللغوي بطبيعة الحال. خالد الظنحاني: النقد الإيجابي يظهر جماليات النصّ ويدعو الكاتب والشاعر خالد الظنحاني أصحاب النصوص لأن يتقبّلوا النقد ويهتموا به، فهو المُقيّم لنصوصهم والمجوّد لها باستمرار، ولكنّ الظنحاني لا ينكر أنّ هناك أيضاً من النقد ما قد يتقصّد هدم المنجز وتقويض روح الإبداع، ولهذا فإنّ على الناقد أن يطرح نقده بطريقة مناسبة ونزيهة، مبتعداً به عن التحامل والتشهير والهدم. ويؤكّد الظنحاني أنّ الساحة الإبداعيّة الإماراتيّة بحاجة إلى النقد، من نقاد محليين وعرب، لأن النقد الإيجابي يظهر جماليات النصّ وسلبياته، ويساعد على تطويره ورفع مستواه، نحو الوصول أو الفوز بجوائز عربيّة وعالميّة. محمد بن جرش: بين الكاتب والناقد علاقة تكامليّة بنّاءة ويرى الكاتب د. محمد بن جرش أنّ الكاتب المبدع هو من يسعى إلى النقّاد ويطلب رأيهم، اعتماداً على ما للناقد من مقدرة في فهم النصوص وقراءة أوجه الضعف لتفاديها، وإبراز نقاط القوّة والإبداع لتعزيزها وتأكيد حضور صاحبها، فالنقد أساس ثقافة الإبداع، ولهذا فإنّه من المسلّم به كشرط أصيل أن يكون النقد علميّاً بعيداً عن التحامل أو تقصّد النيل من المبدعين، فنحن معنيّون بتقديم منتج أدبي أفضل حالاً، تأسيساً على أنّ العلاقة بين الناقد والكاتب إنّما هي علاقة تكامليّة في إطارٍ من التفهّم والموضوعيّة بين الطرفين. أخبار ذات صلة الإمارات تشارك السعودية الاحتفال بيومها الوطني الـ92 سلطان القاسمي: «استراحة جبل ديم» هدية جديدة لكلباء بديعة الهاشمي: النقد يدعم الرؤى الإبداعية وتقول الكاتبة والناقدة الدكتورة بديعة الهاشمي إنّها على المستوى الشّخصي، وكما هو حاصلٌ عند مبدعين مهتمين بإبداعهم والشراكة في تقييمه، ترحّب بأيّ قراءة نقديّة مكاشفة لأعمالها، فذلك، كما تؤكّد، مما يثري تجربة الأديب ويضعه بصورة أوسع لتطوير إبداعه وفق رؤى جديدة تدعم رؤيته وتحفزه على تقديم الإبداع النوعي دائماً، ولذلك فلا يمكن بحال من الأحوال فصل الإبداع الأدبي عن وجهه الآخر وهو النقد. فهد المعمري: النقد عدسة مكبّرة ترى ما وراء النصّ ويرى الكاتب فهد المعمري أنّ الناقد هو من يرسم خريطة طريق في مسار الكاتب والمبدع في السياق الأدبي، باعتباره عدسة مكبّرة ترى ما وراء النصّ، في الوقت الذي يكون فيه الكاتب مهتمّاً بتقديم فكرته الرئيسة للمتلقي، وقد لا ينتبه إلى أنّ كثيراً من الأفكار يطرحها في سياق معالجته لهذه الفكرة، وبالتالي كان النقد عاملاً مهمّاً لا ينقص من قيمة الكاتب، بل يدفعه إلى المضيّ في مشروعه الإبداعي، بسبب عين أخرى ترى بمعايير موضوعيّة الجوانب التي تظهرها وتقرؤها للكاتب في سياق عملية نقديّة ذات معايير تمتاز بالكفاءة والنزاهة. حياة الحمادي: عدم تقبّل النقد قلة ثقة في الإبداع وتعتبر الكاتبة حياة الحمادي كلّ كاتب لا يتقبّل النقد كاتباً قليل الثقة في نصوصه وإبداعاته، فهو يخشى ظهورها أمام النقّاد، ولذلك فهي شخصيّاً تتقبّل كلّ النقد الذي يقرأ أعمالها بموضوعية، فذلك معناه التحسين المستمرّ لهذه الأعمال، وهو ما تتخذه شعاراً لها في كتاباتها ومشاريعها الإبداعيّة، وخصوصاً حين تجيء الملاحظات النقديّة من أصحاب الخبرة والاختصاص، مع أنّ الأمر يختلف من كاتب لآخر في مدى تقبّل النقد وتأثيره على الأدباء والمبدعين. محمد نور الدين: العمل الأدبي الناجز ملك للقراء والنقّاد ويرى الكاتب محمد عبدالله نور الدين أنّ العمل الأدبي حينما يخرج من صاحبه للناس يصبح ملكاً لهم، فلا يستطيع الكاتب ساعتها الإعراض عن النقد الحقيقي الذي يتوخّى تقديم قراءات موضوعيّة وصادقة من النقد العلمي المبني على مناهج مدروسة وليس اعتباطيّة أو انتقاميّة، وذلك معناه أنّ الناقد يقدّم للكاتب قيمةً مضافةً لا يمكن تجاهلها في بناء نصوصه ومعالجتها في مشروعه الإبداعي الأدبي. فاطمة المعمري: استراتيجية أدبية وطنية من جانبها، قالت الناقدة والأكاديمية الدكتورة فاطمة المعمري: نشاهد جميعاً ونلمس ونلاحظ واقع المشهد النقدي في الإمارات، حيث يتضح جلياً أنه ليس مشهداً محدود الدور والحضور كما قد يرى البعض، بل هو في الحقيقة مشهد له امتداد طويل وحراك مترامي الأطراف بدأ مع بعض النقاد المقيمين في الدولة الذين قدموا إضاءات ودراسات نقدية في بدايات ازدهار المشهد الأدبي الحديث، ثم نجد اليوم عدداً من الجامعات والأكاديميات التي تدرس النقد وتخرج نقاداً أكاديميين مثل جامعة الوصل التي تمنح الشهادات العليا في الأدب والنقد. أما المؤسسات الحكومية والأهلية والخاصة أيضاً المعنية بالقطاع الثقافي فهي تبذل جهوداً كبيرة في مجال دعم الحركة النقدية، واليوم وامتداداً لكل الجهود السابقة لدينا عدد كبير من الأكاديميين الباحثين والنقاد، إضافة إلى رواد المشهد الأدبي الذين يملكون سنوات ممتدة من الخبرة تؤهلهم لنقد النصوص الأدبية على أقل تقدير، ويتحتم علينا من باب المصداقية كأفراد ومثقفين أن نعطي الجهود التي يقوم بها الأدباء والمسؤولون حقها، فالمحاولات موجودة والدولة مضت مسرعة في مجالات عديدة منها الإنجازات الثقافية الباهرة، وفي الصدارة من ذلك الأدب والنقد بطبيعة الحال، ولكن لا يعني هذا أيضاً عدم وجود بعض التحديات التي يتعين علينا كمثقفين أن نتكاتف مع المؤسسات الثقافية لحلها. حركة نقدية فعالة حيث إن الإشكالية التي تواجهنا اليوم في المشهد النقدي هي إشكالية مرتبطة بالحراك الثقافي نفسه، حيث التسارع في اتساع وتضخم المنتج الأدبي، مما يعني أن الأدوار الفردية للنقاد لم تعد تستطيع أن تغطي كل هذا الكم والزخم الأدبي، إضافة إلى اتساع البرامج النقدية المتفرقة دون مظلة استراتيجية نقدية محددة للمشهد الأدبي في الدولة. وأضافت: لقد آن الأوان لنتحدث عن حركة نقدية فعالة ومؤثرة تتجاوز محض المحاولات الفردية المتفرقة الموجودة في الساحة الثقافية اليوم إلى المظهر الذي يأخذ فيه النقد شكل الظاهرة الممنهجة والمتكاملة التي تستدعي زخماً في الحضور، وفاعلية في المشهد، وصدى لدى المتلقين، وهذا ما يستدعي وضع استراتيجية أدبية وطنية للنقد بدءاً من تنظيم عمل النقاد، إلى وضع معايير للمشهد النقدي نفسه وأجندة مرتبطة بتطوير المنتج الأدبي عن طريق النقد، ومن ثم يتم تعميم هذه الاستراتيجية. زيادة الوعي ومن شأن هذه الاستراتيجية، زيادة الوعي بأهمية النقد وتقبله لدى الشباب والرواد ممن يصرحون بأهميته، ولكن قد لا يتقبلونه حقيقة أبداً، وهذا التناقض أحد أهم أسباب تراجع الحركة النقدية. يوسف أبو لوز: النقد الأدبي بين الأمس واليوم قال الشاعر والإعلامي يوسف أبو لوز: يرى كثير من المتابعين للحركة الثقافية والأدبية.. الشعرية والروائية في الإمارات، أن النقد الأدبي كان حاضراً في الساحة المحلية الإماراتية في الثمانينيات، وتحديداً في وسط ذلك العقد الذهبي فعلاً في الثقافة الإماراتية، أي أنه بيننا الآن وبين ازدهار النقد الأدبي في الثمانينيات أكثر من ثلاثين عاماً لم تتشكل خلالها ظاهرة نقدية أدبية أو على الأقل حالة نقدية أدبية لها شخصية وخصائص محددة، ظاهرة تتوازى مع ظاهرة حركة الشعر والرواية في الإمارات ولكي لا نتحدث من فراغ دعونا نعود إلى وقائع النقد الأدبي الذي يعود في ملتقياته إلى أواسط ثمانينيات القرن العشرين، فقد انعقد المؤتمر الأول للكتابات القصصية والروائية في الإمارات في 27 فبراير وحتى الأول من مارس عام 1985 ونظمته آنذاك دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، بالتعاون مع اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وشارك في ذلك الملتقى القاص الإماراتي عبدالحميد أحمد، والناقد العراقي رعد عبدالجلیل جواد والكاتب السوداني يوسف خليل اللذان كانا يعيشان آنذاك من الإمارات. وعلى أية حال كان ذلك الملتقى أولياً ولكن من باب التأريخ الثقافي نشير إليه لنقول إن الحيوية النقدية قبل أكثر من ربع قرن من الزمن كانت تتسم بالجدية والمسؤولية الأدبية والقيمية أيضاً، ففي الفترة من 10 إلى 18 أكتوبر 1989 نظمت دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة مع اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، الملتقى الثاني، وكان ناضجاً وتنوعت أسماء الكُتاب والنقاد البارزين الإماراتيين والعرب المشاركين فيه آنذاك. لا بل كانت في الثمانينيات تنعقد ندوات وملتقيات نقدية أدبية تغطي الأدب الخليجي مثل ندوة الأدب في الخليج العربي التي انعقدت من 10 إلى 14 يناير 1988 ونظمها الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب واتحاد كتاب وأدباء الإمارات والمجمع الثقافي من أبوظبي، وشارك من تلك الندوة النقدية الأدبية الخليجية المتخصصة نقاد بارزون. ومن الأهمية بمكان العودة إلى مثل هذه الأسماء والندوات والوقائع كي نقول بكل أمانة ومتابعة محضة وثقافية: إن المؤسسات الثقافية مثل دائرة الثقافة في الشارقة، واتحاد كتاب الإمارات، والمجمع الثقافي، وحتى الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب، كانت معنية كمؤسسات بالنقد الأدبي وكانت تنظم ملتقيات نقدية متخصصة، وقد لاحظنا أنه كان ينعشها نقاد متخصصون أو روائیون محترفون أو مثقفون إماراتيون وعرب لديهم أفق ثقافي وعندهم الاجتهادات النقدية التي طبقوها على الأدب في الإمارات آنذاك. واليوم لا توجد مثل هذه الحيوية النقدية الأدبية، مع أن الساحة الثقافية فيها العديد من النقاد والناقدات، وهناك أيضاً أكاديميون إماراتيون ونقاد أدب.. وفي الإمارات حالياً كتابة أدبية وفكرية وفلسفية تتجه نحو المستقبل وتصافح الحداثة والمعاصرة والجمال.. وكل هذا الثراء الأدبي ينتظر نقداً موازياً أمامه عشرات التجارب الإبداعية القابلة للقراءة بأكثر من مستوى تحليلي وجمالي ومهني.. ونأمل ألا يطول هذا الانتظار.

مشاركة :