احتفت مكتبة مصر العامة بالدقي برواية "ذلك الغريب" للكاتبة اللبنانية مريم هرموش في ندوة شارك فيها نخبة من النقاد والكتاب والمثقفين المصريين. في قراءته للرواية أشار السفير رضا الطايفي، عضو مجلس إدارة سلسلة مكتبات مصر العامة إلىأنه استمتع بالسياق العام للرواية وبأحداثها وشخصياتها،وسعد بالأسلوب الأدبي الرفيع الذي صيغت به، فخرجت مقطوعة أدبية بما حفلت به من أحداث ووقائع مثيرة نجحت الكاتبة في تجسيدها بتمكن وبراعة مدهشتينعبر سرد مثير ومشوق وتوصيف دقيق غاص في أعماق شخصيات الرواية التي جمعت عددًا من الثنائيات في بناء درامي متماسك مثل: أريج ومدحت،أريج والغريب، أريج ودولشي (كلبها الوفي) ،نادر ونسرين،نادر وسيلفيا،نسرين وطارق،ليلي ووالدهاو غيرهم. وذكر أن الرواية تندرج ضمن الروايا ت الاجتماعية؛إذ تلاقت وتباعدت فيها مشاعر إنسانية مركبة جمعت بين الحب والكراهية، الصداقة والعداء، الوفاء والخيانة، كرم المشاعر وبخلها، نكران الذات والأنانية، التسامح والانتقام، القوة والضعف، المثالية والواقعية، دفء الوطن وصقيع الغربة، الحرب والسلام. وأضاف أن مريم هرموش تنتصر فيها لقصة حقيقية ليست من وحي الخيال.وأن الرواية جسدت ببراعة الأجواء الاجتماعية التي واكبتها، فكانت جائحة كورونا حاضرة وضاغطة على الأحداث ومؤثرة في أبطالها،كما كانت قضية الهجرة وتداعياتها المأساوية حاضرة بفعل الحروبوتداعيات العولمة وعولمة الفيروسات التي نثرت بذور الخوف في النفوس وفرضت العزلة الجبرية علي الجميع، وأصبح الكل يخاف من الكل وعلي الكل حيث توحد العالم حول الخوف. واختتم الطايفي حديثه مؤكدًا أن رواية "ذلك الغريب" بحق إضافة مهمة تثري المكتبة العربية وهي جديرة بالقراءة والتأمل. من جهة أخرى أكد الناقدا لدكتور شريف الجيار أنرواية "ذلك الغريب" تأتي عبر نسق سردي ما بعد حداثي، ولغة بصرية، ومشهدية سينمائية، وبنية روائية مفعمة بالبوح وتعدد الرواة، لتطرح واقعًا مأساويًا للمرأة في ظل هيمنة ذكورية تعاني من العقد الأبوية منذ الطفولة، فتتجلى الزوجة الفنانة التشكيلية أريج في واقع سوسيو نفسي مأزوم، لا تخرج من سطوته إلا بالحب لذلك الغريب الفنان الذي رحل، وتعرج بنا الرواية إلى الهزة الإنسانية التي أصابت الكوكب في ظل جائحة كورونا، لا سيما في أوروبا، ذلك الفيروس الذي وحد البشر لحماية أنفسهم من شبح الموت، وتنقلنا الرواية عبر رواتها المتعددين من مصر إلى كندا ثم إيطاليا، لتجسد عالمًا مأزومًا، وأنفس متشظية، لا مخرج لها في هذه الحياة إلا بالحب. اللغة الشجية وعن تجربته في القراءة لكاتبة "ذلك الغريب" قال د. كمال مغيث:"قرأت لمريم هرموش من قبل رواية "أكبر من العشق" فوجدتها صاحبة لغة وأسلوب مميزين، وكتابة جميلة ومتفردة وخاصة، تتجاوز فيها بطلاتها همهن النسوي الذاتي والمحلي ويسعين عبر دروب مختلفة للبحث عن الذات الإنسانية المفقودة وبعدما قرأت "ذلك الغريب" وجدتني أمام لغة عذبة سيالة، رقيقة شجية، وبناء درامي خاص ومتميز يعتمد على تعدد الأصوات السردية، ما أفسح المجال للأبطال ليعبروا بأنفسهم عن مشاعرهم ويبرروا مواقفهم ويتحدثوا عما يختلج بداخلهم. وتطرق مغيث إلى الحكاية التي تتناولهاالرواية وتدور حول فتاة رومانسية حالمة، تمتلك أنوثة غامرة وحبًا للحياة بلا حدود وأملًا كبيرًا في المستقبل، "أريج" التي شغفها "مدحت" حبًا فتزوجته، لكى تكتشف بعد قليل بجلاء كم هو أناني وانتهازي ومتسلق وفاسد ولا يمكنه أن يقدم لأحد شيئًا حتى لابنه وابنته اللذان يسعيان للبحث عن الحياة والحب بعيدًا عنه وعن وطنهم نفسه. أما أريج فتنطوي على خيبة أملها وتسعى للبحث عن ذاتها في لوحاتها التي تمتلأ بنساء محلقات في الفراغ بلا رؤوس ولا ملامح، حتى تلتقى "ذلك الغريب" الدافئ المثقف الإنسان الذي يتمكن ببساطة وطبيعية ودون عناء ولا قصد من امتلاك روحها ورغم هذا لا تلتقيه إلا لمامًا ومع هذا فهو يباغتها بموته المفاجئ، وتدهشنا الرواية بذلك التساؤل الوجودي، هل يمكننا أن نعيش حياة كاملة هي العبث والكذب والخداع والاستلاب وغربة الروح، بينما يخبئ لنا القدر السعادة فيما يتبقى لنا من سنوات قليلة مع غريب لم نعرف له اسم؟! وأشار مغيث إلى ما احتوته الرواية من معاناة مؤلمة لتلك الرومانسية الحالمة بين العمر الذي ضاع في الوهم والأكاذيب وبين الأمل المتوهج الذي سرعان ما خبا وأنطفأ، إذ تترك البطلة البيت الذي وهبته ذوب عمرها وحياتها واهتمامها والزوج الذي لم يعد لديه إلا الشكوك والتوجس والعدوانية وفضائح جنسية بالغة الخسة، وتترك خلفها مذكرات تشرح معاناتها وتشير للأمل الذي بعثه ذلك الغريب، وإن كانت مذكرات مقطوعة بعض صفحاتها التي شغلتنا مريم هرموش بالتفكير في محتواها، وتذهب أريج لتهب لذكرى ذلك الغريب الذي مات؛ مابقى لها من حياة، بينما تردد جدران بيتها اسمها الذى يغيب: أريج أريج أريج خطوط وظلال استهلت دكتورة بسمة الصقار حديثها بوصف رواية ذلك الغريب بأنها لوحة فنية ترسمها مريم هرموش وقالت: "إن هذه اللوحة تحملنا مع ظلال وخطوط كلماتها الساحرة إلى عالم الحب في زمن الكورونا، نحلق بين ثنايا صفحاتها في محاولة إصلاح أجنحة جبران خليل جبران المتكسرة كي تهيم أرواحنا في سماء الحب العذري الطاهر الذي يسمو مترفعا عن كل دنس". وواصلت: "في هذه الرواية الرائعة أعادتنا المبدعة مريم هرموش في ثالث تجربة روائية لها إلى عالم الكتابة الرائقة والألفاظ والتراكيب التي تداعب الروح وتشغل الفكر، ولم تعوِّل هرموش علي براعتها في نسج لغة خاصة بها ولكن تلك المهارة كانت بمثابة الإطار الذهبي الذي صاغت به تجربتها الإبداعية بحرفية، فكان الخط النفسي للرواية متسق مع بواعث وخلفيات الشخصيات المحورية بشكل يدفع القارئ إلى مواصلة القراءة دون شعور بانفصال نفسي عند الانتقال من مكان لمكان ومن راوي إلى آخر". وأردفت: "تمكنت الكاتبة من التفاصيل الدقيقة لمعطيات كل شخصية فكانت مفردات "أريج" الفنانة التشكيلية في الرواية هي مفردات فنان تشكيلي حقيقي حين يصف تأثيرات الألوان والظلال علي إظهار بواعث ومدلولات العمل الفني، كذلك عند وصف أماكن بعينها في بلدان عدة مثل كندا وإيطاليا ومصر، وذكر تفاصيل مناطق بعينها فتتحول الكلمات إلى صورة حية أمام القارئ". وأشادت ببراعة التعبير المتباين عن الخوف الذي اعترى العالم منذ جائحة كورونا وانعكاساته المختلفة على شخصيات الرواية باختلاف معطياتهم ودوافعهم والذي تُرجم إلى طاقة عطاء عند أحدهم، وإلى اكتئاب عند الأخرىوإلى فزع من الموت عند الأخير. وأكدت الصقار أن مريم هرموش قامت بطرح إشكالية الغربة بمختلف ظلالها وبمنتهي الألم دون عبارات وشعارات رنانة، إلى أن أوصلتنا إلى حقيقة أكثر ألماً وهي أن غربة الروح أكثر وجعًا من غربة المكان. فلسفة الإبداع قام الفنان التشكيلي والكاتب أحمد الجنايني برسم صورة غلاف رواية "ذلك الغريب" بعد أن خاض تجربة خاصة مع سطورها دفعته لقراءة الأعمال السابقة للكاتبة وهذا ما أكده قائلًا: "كان طبيعيًا أن أعيد قراءة مريم هرموش بعد أن أنهيت قراءتي لروايتها المدهشة "ذلك الغريب"؛فلم تكن تلك الرواية بمعزل عن أسئلة كانت تدفعني للاقتراب من عالمها ليس لكتابة رؤية نقدية حول ذلك الغريب فقد سبق أن قمت بذلك وأُضيفت رؤيتي النقدية إلى الطبعة الثانية للرواية ولكن الدافع الحقيقي ربما كان محاولة للاقتراب أكثر من هذا العالم الذي صدرته لنا مريم هرموش عبر روايتيها (شيء مني ) و(ذلك الغريب ) وقبلهما كنت أقرأ (أكبر من العشق ) وأكمل: كان السؤال ملحا ويمثل نافذة مهمة أطل منها على عالم ليس يشبه كثيرا ما قرأته سابقا من أدب الأظافر الطويلة التي خربشت صفحات وذاكرة ستينيات القرن الماضي حين كتبت غادة السمان وليلى بعلبكي وغيرهن عن تلك الأنثى التي تصرخ في وجه العالم لتعلن عن أنوثتها المتمردة وعالمها الذي تحاول أن تقهر به الواقع المجتمعي الذي خرجت منه وثارت عليه؛فهاهي غادة السمان تعلن في مجموعتها القصصية (عيناك قدري)(..ماأروع وما أسوأ أن تكون امرأة) .. وتساءل: كيف إذن كانت مريم هرموش وهي التي لم تخرج من عباءة الأظافر الطويلة تكتب رواياتها؟ أو تنزف إبداعاتها؟ هل كانت تحمل صندوقا سحريا خبأته في ذاكرتها، مليء بالمعلومات التي سوف تواجه بها أبطال روايتها فتهندس عبرها خطوط الدراما التي ستصعد بها مرتفعات الرواية؟ تمامًا كما فعلت في رواية "شيء مني" التي غامرت بصندوق معلومات خبأته في ذاكرتها لتمارس دور الطبيبة النفسية وتحتمي ببقعة روشاخ النمساوي وتنزع عن ذاكرة مريضها، تلك الغلالات التي حجبت عنه ذاكرته وضيعتها، فاستحال المريض إلى محض رقم في دفتر المشفى! أم أنها غامرت وهي تحمل فقط مفتاح روايتها وظلت كساحرة ترتدي أقنعة تخبئها وتستتر وراءها لتتعرف بنفسها على تفاصيل أحداث وتصاعد دراما لم تكن قد سطَّرت بنودها وأحداثها وعناوينها مسبقًا، فأصبحت الرواية عندها محض سرد تكتشف هي ماهيته أثناء الحمل، ومخاض ولادة الجنين الإبداعي. وأكد الجنايني أن تلك المغامرة لايقوى على الولوج فيها سوى مَن قبض على فلسفة الإبداع وأمسك بسرة الدراما التي تصنع نفسها وتتوالد عبر شهيق وزفير أنفاسها فتصبح مريم -بحد وصفه- وكأنها تقرأ نصًا لم يكتب من قبل وتشاهد مسرحًا برختيًا تكون هي فيه محض عنصر من عناصر كثيرة تتحاور وتشتبك وتشتعل معها فلاندري كيف يكون ومتي يسدل بريخت ستارًا، سموه الحائط الرابع؟! وقال: إن تلك الفلسفة الإبداعية هي التي نزفت عبرها مريم هرموش روايتها "ذلك الغريب"فكانتنزفامغايرًا، يستحق الوقوف على عتباته ليس فقط لكونها عبرت كما قال المسيح من الباب الضيق فاختارت المغامرة التي هي الأصعبلكتابة نص إبداعي مغامر ولكن لأنهابتلك الرواية أنجزت مع رواياتها السابقة، روايتها الأولى التي ستشكل بنية عالم أرى علىجدرانه ثقبًا ضيقًا - حتمًا- لابد أن تعبر منه مريم لتكتب رواية جديدة لعالم جديد يبشر بأساطير زمانية ومكانية تصيبنا بالدهشة. عندها سوف تكون هرموش قد أمسكت بسلم الإبداع الذي أتمناه. الوطن والحنين من جهة أخرى تناول الروائي والناقد الدكتور طارق منصور قضية الغربة في رواية "ذلك الغريب" مؤكدا أنها تبرز بجلاء في كل صفحات الرواية، وكأن الكاتبة تجرعت آلامها في يوم من الأيام، فجاءت مشاعر الغربة على يديها صادقة تمامًا، وأجادت الحبكة الدرامية بحيث يرى القارئ مظاهر هذه الغربة المتنوعة داخل إطار هذا العمل الرفيع. وأضاف قائلا: "إن مظاهر الغربة في هذه الرواية، تتمثل ما يمكن أن نسميه "غربة الوطن"، فمدحت البطل الثاني في الرواية، زوج أريج، نجح بجدارة في أن يجعل كل أفراد أسرته غرباء داخل الوطن؛ حتى قرر كل فرد منهم الانصراف عنه والفرار بنفسه إلى أرض أخرى عسى أن تكون أكثر حنانًا من أرض الوطن. لكن يكتشف أفراد تلك الأسرة أن الغربة كتبت عليهم جميعًا، فنادر هاجر إلى إيطاليا برغبته هربًا من جحيم أبيه مدحت، وتلبية لدعوة صديقته الإيطالية التي قرر الزواج منها، فهاجم الفيروس اللعين إيطاليا بشراسة، وكان عليه أن يكافح في أرض جديدة من أجل الحب والبقاء، ونجح في تحقيق هدفه، واكتملت سعادته حين شعر بقيمة وجوده كإنسان". وأردف: "أما الابنة نسرين فقد هجرت الوطن وتركت المنزل، الذي كان من المفترض أن يحتويها حتى بعد زواجها، إلا أنها لجأت إلى الهجرة مع زوجها إلى كندا أيضًا، على طريقة شقيقها نادر، عسى أن يجدا أرضا تحتويهما، وتأمن لهما مستقبلهما. وتأتي أصعب اللحظات هنا حين تنجح الكاتبة في تصوير لحظات الألم والحيرة وتمزق العواطف حين تقترب الابنة من ساعة الولادة ولا تجد سندًا لها إلا الله، وصوت الأم أريج المتمزق ألمًا عبر الهاتف". وأكد منصور أن الاسم الذي أتت به الكاتبة -عن عمد- للطفلة التي أنجبتها نسرين "حنين"، يشي بما ترسَّخ بداخلهما، بل بداخل كل غريب، حنين كل منهما إلى الأخر، بل وحنين نسرين إلى الوطن، بعد أن تجرعت أولى آلام الغربة الحقيقية. وتدلل المؤلفة على هذا في متن كلامها حين تقول: "الحنين، ذلك الشعور الغامض بأن روحك في مكان لا يستطيع أن يبلغه جسدك" (ص 28). أما المذنب هنا -كما يقول لمنصور- فهو ذلك الأب الغريب عن أبنائه وزوجته أريج، الذي شتتهم جميعًا في الأرض حتى يتفرغ لنزواته النسائية، التي كان يستمتع بها ليل نهار، ليتجرع مرارتها في نهاية الطريق. لم يكن مدحت سوى شخصية انتهازية، نجحت الكاتبة في أن تدفع القارئ وبسلاسة لكراهيتها منذ الوهلة الأولى، فما أتى به من أفعال لا يمكن أن يأتي بها إلاَّ إنسان شاذ عن ناموس الكون، تفنن في تصوير ضحاياه من الفتيات الباحثات عن عمل يليق بهن، ثم مضاجعتهن تحت ضغط الحاجة والصور الفاضحة، ثم استمراء مضاجعتهن رغم أنوفهن؛ في وقت هجر فيه زوجته طوعًا، مستمتعًا بعالمه المعتم. وفي نهاية حديثه أكد منصور أن الفصل الأخير للرواية، يشي بما للكاتبة من مهارة عازف أوركسترا إذ اختتمت روايتها بنهاية طبيعية ملائمة للخط الدرامي، تم التمهيد لها عبر الفصول الأخيرة منها، حيث سيتجرع مدحت هنا من ذات الكأس، كأس الغربة داخل الوطن، حين خلا البيت عليه، وأصيب بذلك الفيروس، رغم إجراءاته الوقائية الشديدة، ولم يجد إنسيًا يؤانسه، فخرج إلى الشارع ليجد كلبًا ضالاً يبحث عمن يأويه، بعد أن لفظ الأهالي حيواناتهم الأليفة، خوفًا من انتشار ذلك الفيروس اللعين، فأتى به إلى فيلَّته ليرافقه في تلك الغربة؛ ويتحدث إليه من حين لآخر، قائلا له ذات يوم: "لم يبق لي غيرك" (ص 166). وهكذا، صنع مدحت غربته بأفعاله الماجنة، وأنانيته المفرطة، وحياته البائسة. الانتصار للمرأة تحدثت الناقدة نشوة أحمد عما يحمله عنوان الرواية "ذلك الغريب" من مفارقة تتكشف عبر السرد، لندرك أن ذلك الغريب هو الأقرب، وهو الذي لم يكن ينبغي له أن يكون غريبًا، وكأن وصفه بالغريب له دلالة تشي بالنقص، الذي لو لم يكن، لكانت حياة بطلة الرواية اكتملت واستقامت. وواصلت قائلة: إن اللبنة الأساسية التي نهض عليها النص، هي قدرة الخوف على فضح هشاشة النفس الإنسانية، فخوف أريج على أبنائها كان سببا في استسلامها لحياة بائسة، وهذا الاستسلام -بحد قولها- شكل من أشكال الهشاشة، أما مدحت الذي اتسم بالعنف والصلف والتكبر، فقد حوله خوفه من الوباء والموت إلى شخصية هشة مهزومة ومذبذبة، وهكذا مضى الخوف في تعرية الشخوص وتجريدها من قوتها طوال الرحلة السردية. ورأت أن الكاتبة عمدت إلى الانتصار للمرأة، عبر نماذج شخصياتها المألوفة لكثرة تكرارها في الواقع المعيش، فكم من أريج تدفع عمرها قربانًا من أجل سلامة أبنائها، وكم من نسرين تتطوع لنصرة مظلوم لا تعرفه، وكم من رضا تعول أسرتها، وتمضي حياتها بظهر ينوء بأحمال ثقيلة. وأضافت: رغم ذلك لم تقع الكاتبة في فخ تأليه شخوصها، بل أظهرت من كل شخصية جانبيها المظلم والمضيء، حتى في شخصية مدحت وهو الأكثر ظلامية؛ إذ عمدت هرموش عبر تقنيات التذكر والاسترجاع إلى كشف العطب في طفولته، وكأنها تمرر فلسفة مفادها؛ أن طفولة الإنسان وحدها، تصنع كل لاحق في مراحل عمره التالية.
مشاركة :