من التقليد الى الابتكار

  • 9/24/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

إبراهيم الريامي في الثمانينات عندما كنَّا نسمع عن الصناعة اليابانية يتبادر إلى الذهن مباشرة التقليد وتردي الجودة وضعف المُنتج، وكان حينها ينظر إلى المنتج البريطاني والأمريكي على أنه الأرقى والأكثر ضمانا وأمانا للمستفيد. وبمرور الوقت بدأت الصناعات اليابانية تغزو الأسواق وبدأت الثقة تزداد بالمنتجات اليابانية حتى أصبحت الصناعة اليابانية تنافس المنتجات الغربية؛ بل وتتفوق عليها. وهنا أستحضر قصة الطالب الياباني تاكيو أوساهيرا، الذي أرسلته بلاده إلى ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية لدراسة الدكتوراه في علوم الميكانيكا كان أساتذته الألمان يريدون أن يعلموه النظريات لكن. " أوساهيرا" كان يحلم بصناعة أول محرك ياباني. كان يعلم أن لكل صناعة هناك وحدة أساسية، "نموذج "prototype هي أساس الصناعة كلها، وذات يوم، قرأ عن معرض محركات إيطالية الصنع في مدينة هامبورج الألمانية، فذهب واشترى محركاً صغيرًا وذهب به إلى غرفته، وراح ينظر إليه ويقول في نفسه : هذا هو سر قوة أوروبا! لو استطعت أن أصنع محركاً كهذا لغيرت تاريخ اليابان، اشترى محرك حصانين وقام بتفكيكه قطعة قطعة، ثم أعاد تركيبه ثم اشتغل في مصنع لصهر الحديد وتعلم كيف تصنع قطع الغيار. كانت السفارة اليابانية تتابع هذا الشاب وعندما سمع إمبراطور اليابان بقصة هذا الشاب دعمه بمبلغ من المال، واستمر في شغفه لسنوات إلى أن تمكن من صناعة أول مُحرك. عاد زملاؤه إلى اليابان وهم يحملون شهادات الدكتوراه بينما عاد هو حاملا المُحرك. وسمع الإمبراطور بقصته وطلب مُقابلته، لكن الشاب قال ما زلت لا أستحق مقابلة الإمبراطور حتى أحقق حلمي مستمرا في شغفه إلى أن حالفه النجاح وتمكن من صنع عدة محركات يابانية وعند الانتهاء من ذلك ذهب إلى قصر الإمبراطور الياباني ومعه 10 محركات صنعت في اليابان. فأدار المُحركات فعملت جميعها فقال الإمبراطور الياباني عندما سمع هديرها هذه أعذب موسيقى أسمعها في حياتي. ويُقال من هناك انطلقت ثورة المحركات وصناعة السيارات اليابانية. الشرارة التي انطلقت منها ثورة الصناعات اليابانية بدأت بتقليد صناعة محرك، وكذا فعلت الصين بدأت بتقليد الصناعات الغربية وشيئا فشيئا تطورت المعرفة وكثرت المعامل الصينية المنتجة وتحول التقليد إلى ابتكار حتى إن بعض الصناعات الصينية أصبحت الآن تنافس تدريجيا نظيراتها العالمية. إنَّ النجاح دائمًا يترك أثرًا، فما أحوجنا اليوم إلى تتبع أثر قصص النجاح هذه حول العالم والبدء في سياسات تقليد ناجحة لتتحول بمرور الوقت إلى ابتكارات ذاتية الصنع. وبعض الدول أصبح لديها فرق كشافة تجوب العالم للبحث عن الأفكار الجديدة وتستوردها وتدخل عليها بعض اللمسات التحسينية لتظهر بحلة زاهية جميلة وهكذا يتحول التقليد إلى ابتكار، على أن يصاحب ذلك بناء مراكز للبحث والتطوير وإنشاء مختبرات وورش صناعية في المدارس، الكليات، الجامعات والشركات. نعم.. هناك أهمية للمحافظة على حقوق الملكية الفكرية للآخرين، لكن ليس كل ما يمكن تقليده فيه انتهاك لحقوق ملكية الآخرين، إذ يمكن تقليد فكرة إيجاد طرق للمشاة، على سبيل المثال، دون انتهاك لحقوق الغير، يمكن تقليد من تقدمنا في تخطيط المدن دون انتهاك لحقوق الغير، يمكن تقليد الغير في طرق تحسين الأداء والإنتاجية وغيرها الكثير الكثير، وحتى في الجوانب المتقدمة والتكنولوجيا، ويمكن للتغلب على موضوع الملكية الفكرية من خلال فتح مصانع لبعض المنتجات المتقدمة من خلال تقديم مغريات تنافسية بهدف توطين التكنولوجيا كما فعلت سنغافورة وماليزيا والصين والعديد من الدول، كذلك من خلال التدريب ووضع برامج لهذا الغرض، فالرغبة والشغف والإرادة القوية هي مفاتيح النجاح. وعلى مستوى الطلبة والأفراد عمومًا، فإنه إذا كان لدى الإنسان شغف في مجال معين فإنه يمكنه بحث وتتبع ومحاكاة تجارب ونماذج ناجحة في هذا المجال، ثم عليه أن يضيف عليها بعض اللمسات التحسينية حتى لا تصبح تقليداً أعمى ليختصر الوقت والجهد. ويقال لا حاجة لأن تعيد اختراع العجلة فقد اخترعها غيرك، وابدأ من حيث انتهى الآخرون. تمعن في استراتيجية التقليد التي أتبعتها كل من اليابان والصين وهو ما أدى الى تقدمهما وازدهارهما. والآن نجد أنفسنا أمام سؤال حقيقي ومن الضروري أن نفكر في الإجابة عنه، ألا وهو هل يمكن أن نكون أمة متقدمة مبتكرة؟ المقال المقبل سوف يجيب- بإذن الله- على هذا السؤال المهم "أن نكون أمة متقدمة مبتكرة أمر ممكن".

مشاركة :