تبقى ذكريات الطفولة ومواقف الصغر متربعة على عرش ذاكرة الكثير من الشابات، بل أن معظمهن يجعلن من نهاية العام فرصة يسترجعن فيها شريط أعوام مضت بحلوها ومرها لعبن فيها دور البطولة للحظات فحفر بعضها في الذاكرة أما البعض الآخر فتم تدوينه في دفاتر ذكريات وكشاكيل مخصصة لـ «البوح» خوفاً من نسيانه أو شغفاً بالاحتفاظ بأوراق تحمل بين طياتها قصص حياة. في حجرة كانت تضمهن في زمن الطفولة، اجتمعت البنات لتبدأ كل واحدة فتح صندوق الذكريات واسترجاع أجمل المواقف التي عاشتها بكل عفوية وبساطة. وتروي فرح (20 سنة): «قررت والدتي وخالتي حضور إحدى حفلات الزواج التي دعين لها قبل نحو 15 عاماً، وفوجئت بخالتي ترتدي فستان أمي وحذاءها فسحبت ذيل الفستان وصرخت بأعلى صوتي «ليه تلبسين فستان ماما؟ وهذي جزمتها يا لله اخلعيها». وعلى رغم تهديد والدتي ووعيدها لي وقرصها أذني محاولة تأنيبي إلا أن بكائي المتواصل والتفات المدعوين من حولنا إلى خالتي اضطرها إلى الانسحاب مبكراً والدموع تغمر عينيها». وتقول مريم (25 سنة): «في طفولتي تأثرت بإحدى الشخصيات الكرتونية المدبلجة، وكان بطلها يصطحب معه كلباً يرافقه في كل مكان، فرحت استجدي والدي لشراء كلب مثله. وبعد محاولات كثيرة ونوبات بكاء متكرر اشترى والدي كلباً أسميته «بوبي». وعلى رغم اعتياده علينا ولعبنا معه إلا أنه كان يرفض الأشخاص الجدد ولا يتقبل دخولهم المنزل إلا بعد تفحصهم وشمهم. وذات يوم جاءت جارتنا العجوز لزيارتنا فإذا بأصوات الصراخ وخطوات الأقدام المتواترة والركض حول المنزل ترتفع فجأة لأكتشف أنا ووالدتي وإخوتي، أن جارتنا رمت العكازة من يدها وأطلقت رجليها للريح بعدما أصر «بوبي» على تفحصها». أما التوأم مي ولمى (23 سنة) فكان دفتر الذكريات بالنسبة إليهما مأوى الأسرار والصدر الحنون الذي يحتضن بعضاً من مواقف كانتا وحدهما بطلتيها. فلم يغب عن ذهنهما يوم عقد قران أختهما أن يسجلا شعورهما وهو ما قرأته لمى لبقية الفتيات: «كانت الفرحة تغمرنا لعقد قران أختي الكبرى وبلغ بنا الفضول أنا وبقية إخوتي للتعرف إلى ملامح العريس، حد الوقوف خلف الباب المؤدي لحجرة الضيوف والتلصص من خلاله. وفي تدافعنا لاستراق السمع والوقوف قبل غيرنا في النقطة الأقرب من الباب، تكدسنا مرة واحدة ففتح الباب وقذفنا كلنا إلى حجرة الضيوف فلم نسمع إلا قهقهات العريس الذي دعانا لمشاركته شرب العصير». وفي زمن التواصل الإلكتروني, تغيرت النظرة إلى تدوين ذكريات الطفولة خصوصاً للفتيات بين 13 و17 سنة. وترى عبير وسارة الخثعمي وزميلتهما منيرة البارقي أن «سرد الذكريات أياً كانت من خلال الملفات الصوتية المتوافرة ضمن الأجهزة الذكية وكذلك ملف المذكرات الإلكترونية، يعد الخيار الأفضل في عصر التقنية الذي نعيشه. بل أنه أكثر سلاسة وواقعية». وتقول عبير: «بعد وفاة والدي سجلت مشاعري وافتقادي له صوتياً وكان ذلك أبلغ تعبيراً من الكتابة اليدوية». وتؤكد الاختصاصية النفسية مها العتيبي أن «الفتيات في هذا العمر عادة ما يبحـــثن عن أقرب شخص إليهن يعمدن إلى كشف ما في أعماقهن إليه وأخذ آرائه، وغالباً ما يكون هذا الشخص الصديقة أو القريبة. ففي كـــثير من الأحيان يستبعد البوح للأم أو الأب خصوصاً إذا كان الرد الانتقاد الدائم والتوبيخ اللاذع والتوجيه المبالغ فيه». وتتابع: «في أحيان كثيرة تفضل أخريات استخدام أساليب أخرى للفضفضة، مثل دفتر الذكريات اليدوي أو نظيره الإلكتروني لأنه يمثل الصديق الوفي الذي يستوعب المشاعر من دون فضحها أو انتقادها. وفي كل الحالات يعد البوح من أهم الطرق الإيجابية التي تساهم في التنفيس عن الذات بكل ما تحمله من سلبيات وأفكار وما تعانيه من ضغوط الحياة».
مشاركة :