أمريكا اللاتينية منطقة تعج بالمتناقضات الصارخة. فهي موطن ثاني أغنى رجل في العالم، ونحو 5 في المائة من مليارديرات العالم، وهي أيضا المنطقة التي يعيش فقراؤها فقرا مدقعا. وتتماثل بدرجة كبيرة معدلات وفيات الأطفال وسوء التغذية في المناطق الريفية والأحياء الشعبية الفقيرة، والفئات المحرومة في الدول المتوسطة الدخل في أمريكا اللاتينية، مع معدلاتها في الدول الأكثر فقرا بشكل ملحوظ. ويزيد الفقر بين المتحدرين من أصول إفريقية وجماعات الشعوب الأصلية مرتين وثلاث مرات، وأحيانا أكثر عنه بين السكان البيض. وأمريكا اللاتينية ليست المنطقة التي توجد فيها أكبر نسبة من فقراء العالم، "فجنوب آسيا تمتلك ذلك التميز". لكنها المنطقة التي تبلغ فيها نسبة التفاوت في توزيع الدخل أعلى المستويات، ما يعني أن الفقراء فيها يحصلون على نسبة أصغر من مجموع الدخل القومي، مقارنة بفقراء المناطق الأخرى. ونتيجة لذلك، تزيد معدلات الفقر في أمريكا اللاتينية بصورة منتظمة على المعدلات التي يمكن توقعها، مقارنة بالدول الأخرى ذات الدخول المتوسطة المماثلة. ومعامل جيني، هو مؤشر لانعدام المساواة، يستخدم على نطاق واسع في العلوم الاجتماعية. وإذا افترض أن الدخل كله يؤول إلى شخص واحد، يكون "معامل جيني". وإذا افترض أن كل شخص يحصل على الدخل نفسه، يكون "معامل جيني" صفرا. وكلما ارتفع "معامل جيني"، زاد التفاوت في البلد المعني أو المنطقة المعنية. وحسب هذا المقياس، يكون التفاوت في دول أمريكا اللاتينية أعلى بمقدار 30 في المائة من المتوسط العالمي. وحول الحديث عن انخفاض التفاوت، فإنه مع تزايد التفاوت تقريبا في كل جزء من العالم، أخذ التفاوت يتراجع في كل دول أمريكا اللاتينية تقريبا منذ 2000. فقد انخفض في الدول التي تحقق معدلات نمو مرتفعة، مثل شيلي وكولومبيا، لكنه انخفض أيضا في الدول التي تسجل معدلات نمو أقل، مثل البرازيل والمكسيك. وانخفض في الدول التي تحكمها نظم تميل إلى اليسار "مثل: الأرجنتين، بوليفيا، البرازيل، شيلي، الإكوادور، السلفادور، ونيكاراجوا، باراجواي، أوروجواي، وفنزويلا"، وفي الدول التي تحكمها نظم الوسط أو يمين الوسط "مثل: المكسيك وبيرو". كذلك انخفض في الدول المصدرة للسلع الأولية والدول المستوردة لها، وفي الدول التي تتزايد فيها الحدود الدنيا للأجر، وفي الدول التي لا تتحرك فيها تلك الحدود. ومن النتائج المهمة المترتبة على تراجع التفاوت، هو الحد من الفقر بوتيرة أسرع. فإذا لم يتغير توزيع الدخل، فإن أي تراجع في الفقر يعتمد على نصيب الفرد من نمو الدخل. ويؤدي تراجع التفاوت إلى تعزيز أثر ذلك النمو في الفقر. وفي الألفينيات تراجعت نسبة الفقراء الذين يعيشون فقرا مدقعا في أمريكا اللاتينية من 25 في المائة إلى نحو 12 في المائة، وهو تراجع يتجاوز 50 في المائة. ويمكن أن يعزى 60 في المائة من هذا التراجع في الفقر إلى النمو الاقتصادي، بينما يعزى 40 في المائة إلى تراجع التفاوت. وكان العاملان الرئيسان اللذان أسهما في تراجع التفاوت في أمريكا اللاتينية هما: تزايد المساواة في توزيع الأرباح، والتحويلات الحكومية... يتبع.
مشاركة :