كان واضحا أيضا من خلال تزايد انعدام الأمن الغذائي. إذ يقول آخر تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، إن نسبة الأشخاص الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، ارتفعت من 31.9 في المائة في 2019 إلى 40.9 في المائة في 2020. وكانت هذه الزيادة -وهي الأكبر من نوعها بالنسبة إلى أي منطقة في العالم- مدفوعة في المقام الأول بالانكماش الاقتصادي الناجم عن الوباء، ونقص الدعم الكافي للفئات الضعيفة خلال الأزمة، على الرغم من أن العوامل الأخرى، مثل النزاعات العنيفة والكوارث الطبيعية، قد تكون أسهمت في ذلك أيضا. والآن -في وقت يشهد فيه العالم عودة الاقتصادات إلى مستويات ما قبل الوباء- يهدد التضخم بزيادة انعدام الأمن الغذائي إلى معدلات أعلى. ويمكن أن تترك هذه الإخفاقات ندوبا اقتصادية واجتماعية دائمة إذا لم تعالج. تماما كما هو الشأن بالنسبة إلى تأثير الضعف الخفي الثاني في أمريكا اللاتينية، انتشار السمة غير الرسمية في سوق العمل. في أثناء الوباء، كان على معظم العمال والشركات تدبير أمورهم بأنفسهم، لأنه عموما، لا يتمكن من الوصول إلى الدخل الرسمي ودعم الائتمان إلا من لديهم دخل رسمي. وفي أعقاب الأزمة النظامية الأخيرة، تجب متابعة الجهود المبذولة لاستعادة الاستدامة المالية، لكن مع اتخاذ تدابير تأخذ في الحسبان تأثيرها الاجتماعي، ولا سيما في صفوف أولئك الذين استبعدوا من برامج حماية الأعمال التجارية والوظائف، وتحملوا الوباء دون دعم عام كاف. وأمريكا اللاتينية فريدة من نوعها، بحيث إنها تضم اقتصادات نامية تعد في معظمها ديمقراطيات أيضا. هذا يعني أنه في الوقت الذي يحاول فيه صانعو السياسات تحفيز النمو وإعادة بناء الحيز المالي، يجب أن يدركوا ما يعانيه الناخبون من إحباط في ظل عدم المساواة وانعدام الثقة واسع النطاق بالحكومة، وينبغي أن يستجيبوا له. هنا، يحمل الإصلاح الضريبي الذي اعتمدته كولومبيا في 2021 دروسا قيمة. إذ كان لا بد من تعديل الاقتراح الأصلي لإصلاح ضرائب القيمة المضافة والدخل "وإدراج ضرائب أعلى على الشركات" من أجل سنه، بعد احتجاجات الشوارع واسعة النطاق. إن تقليل التأثير الاجتماعي للسياسات الاقتصادية ليس مجرد مسألة أخلاقية، بل أيضا مسألة استقرار. إذ لا يمكن للسياسات التي تهدف إلى ضمان الاستدامة المالية أن تنجح إلا إذا كانت مستدامة اجتماعيا وسياسيا. وتحقيقا لهذه الغاية، يجب استكمالها بسياسات تعزز النمو الهيكلي. ولا يمكن لصانعي السياسات إهمال أي جزء من هذه المشكلة إذا كانوا يتطلعون إلى تحقيق مكاسب اقتصادية واجتماعية مستدامة. خاص بـ «الاقتصادية» بروجيكت سنديكيت، 2023.
مشاركة :