عانت أمريكا اللاتينية لفترة طويلة الشعبوية اليسارية. فقد بـرع نيكولاس مادورو في فنزويلا، ورافائيل كوريا في الإكوادور، وآل كيرشنر "الزوج والأرملة" في الأرجنتين، في تصوير أنفسهم على أنهم الممثل الحقيقي الوحيد للشعب ـ ثم شرعوا في إضعاف المؤسسات الديمقراطية التي قد تحاسبهم على سياساتهم الكارثية. الآن، ابتليت المنطقة أيضا بالشعبوية اليمينية. الواقع أن جايير بولسونارو في البرازيل، وبعض تلامذة ألفارو أوريبي في كولومبيا، وخوسيه أنطونيو كاست في شيلي، يتلون السيناريو ذاته الذي كتبه دونالد ترمب، القانون والنظام، والقومية المعادية للمهاجرين، والحرب الثقافية المضادة لليقظة. قريبا، ستعقد تشيلي والبرازيل وكولومبيا انتخابات رئاسية من المتوقع أن تدور جولاتها الثانية بين كونج كونج يميني وجودزيلا يساري. في الفيلم، لم يخلف الـصدام بين الوحشين سوى الدمار. وقد يحدث الشيء ذاته في أمريكا اللاتينية. علاوة على ذلك، في حين أن الجائحة ربما تكون في طريقها إلى الزوال، فإن شبح أزمة الديون يلوح في الأفق. النبأ السار هنا هو أن أغلب الدول لم تفقد القدرة على الوصول إلى الأسواق. لذا، تستطيع الحكومات والشركات أن تستمر في الاقتراض للتغلب على عقبة الجائحة. أما النبأ السيئ فهو أنها مضطرة الآن إلى التعايش مع العواقب. تشكل الديون العامة والخاصة التي أصبحت أعلى كثيرا، وآجال الاستحقاق متزايدة الـقـصر، وارتفاع أسعار الفائدة العالمية، مزيجا ساما. في عديد من الدول ـ بما في ذلك البرازيل والأرجنتين ـ ارتفعت نـسـب الدين الحكومي بالفعل إلى مستويات مثيرة للقلق. وقد يتسبب إحكام السياسة النقدية بشكل أسرع من المتوقع من قـبـل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، في تمهيد الطريق لتلك الأشكال من أزمات تراكم الديون والديون المرحلة التي كثيرا ما عصفت بالمنطقة. لكن على الرغم من كل الـمـحـن التي تعيشها، تستطيع أمريكا اللاتينية أن تعاود النمو مرة أخرى إذا اغتنمت فرصتين. تتمثل إحداهما في إعادة الإنتاج إلى الدول الأصلية للشركات وتصاعد التوترات بين الصين والغرب. فقد تكون خسارة قوانجدونج مكسبا لجوادلاخارا. وإذا عملت اقتصادات أمريكا الجنوبية الأكثر تقدما على تحسين موانئها وطرقها، وتمكنت من الإبقاء على مواردها المالية مستقرة بدرجة معقولة، فقد تستفيد هي أيضا. هذه هي فرصة الاقتصادات الثانية "وربما الأخيرة" للحاق بسفينة سلاسل التوريد التي فاتتها أولا قبل جيل كامل. من الممكن أن تساعد أيضا زيادة الاستثمار على البنية الأساسية الخضراء. ستتطلع الجهات المقرضة متعددة الأطراف إلى تمويل المشاريع في أي من المجالات الخضراء، وينبغي للمنطقة أن تستفيد من هذا بشكل كامل. سيستلزم الأمر زيادة الاستثمار مع الحرص في الوقت ذاته على إضافة أقل قدر ممكن من أعباء الديون العامة إلى المنطقة. في الدول منخفضة الدخل، يجب أن تلعب الـمـنـح دورا مركزيا. وفي الدول متوسطة الدخل ينبغي لتدفقات حقوق الملكية إلى الداخل، والشراكات بين القطاعين العام والخاص، وغير ذلك من أشكال ترتيبات التمويل المبتكرة، أن تحتل مركز الصدارة. وفقا لبنك التنمية للدول الأمريكية، تستطيع حكومات أمريكا اللاتينية أن تفسح المجال للاستثمار الأخضر إذا خفضت النفقات التراجعية. هذا صحيح، لكن القول أسهل من الفعل غالبا. يرغب اللاعبون الأقوياء بشدة في الأغلب في أشكال غير مرغوبة من الإنفاق. من الأمثلة على ذلك إعانات دعم الطاقة التراجعية وغير الرحيمة بالبيئة. وما عليك إلا أن تسأل الساسة في الأرجنتين والإكوادور الذين كافحوا لإزالتها. ينبئنا أحد الأقوال المأثورة بأن "البرازيل هي بلد المستقبل وستظل كذلك دوما". وفي أيامنا هذه، يسعى عديد من دول أمريكا اللاتينية الأخرى التي تفتقر إلى الحكم الرشيد إلى اكتساب المصير ذاته. خاص بـ «الاقتصادية» بروجيكت سنديكيت،
مشاركة :