مدارس الأزهر ملاذ الفارّين من غلاء التعليم المدني في مصر القاهرة - دفع غلاء التعليم المدني في مصر في ظل المصاعب المالية والاقتصادية العائلات المصرية للجوء إلى مدارس الأزهر رغم سلبياتها خاصة نوعية التعليم والمخاوف من تسرب التطرف إلى الناشئة. واضطر عاطف إبراهيم، وهو أب مصري من الطبقة البسيطة، لتحويل أولاده إلى التعليم الأزهري في المرحلتين الابتدائية والإعدادية هذا العام الذي بدأ السبت، بعد أن ضاق ذرعا بمصروفات المدارس الحكومية التي لم يعد قادرا على الالتزام بها لأبنائه الثلاثة، في ظل ارتفاع معدلات غلاء الأسعار وعجزه عن توفير المتطلبات الأساسية لأسرته، في حين لا تزال مصروفات المدارس الدينية منخفضة. ولا ينكر الأب أنه لم يكن ميالا إلى تعليم الأزهر لأسباب كثيرة مرتبطة بانغلاق مناهجه وتقليدية طرق التدريس وقلة الخيارات الوظيفية أمام خريجي المعاهد الأزهرية، لكنه اضطر لهذه الخطوة أمام ضيق الحال، فيما تصر الحكومة على تحميل الأولياء جزءا من فاتورة تطوير التعليم. وتفكر العديد من الأسر المصرية بنفس الطريقة مع التعليم الأزهري، وتتعامل معه باعتباره المنقذ لأولادها، رغم أن أغلب أولياء الأمور ليسوا من هواة هيمنة الدين على العقول في ظل الانفتاح والعصرنة لكنهم مضطرون بسبب غلاء المصروفات وارتفاع الإنفاق على التعليم بالنسبة إلى البسطاء ومحدودي الدخل أو تخبط خطط التطوير. وسمحت المدارس الحكومية بتقسيط المصروفات الدراسية لرفع العبء عن أولياء الأمور، وقررت تحصيلها على ثلاث دفعات، لكن بعض الصفوف وصلت فيها المصروفات إلى خمس مئة جنيه، علاوة على مصروفات الكتب التي تصل إلى قرابة عشرة أضعاف ما يدفعه الطالب في المرحلة الابتدائية بالتعليم الأزهري، بعد أن تمسكت المؤسسة الدينية بعدم تحريك المصروفات لأيّ من الصفوف الدراسية. وقال عاطف إن الكثير من الأسر الكادحة في القرى والمناطق الشعبية تتعامل مع المعاهد الأزهرية على أنها ملاذ من المصروفات التي تفرضها مدارس من المفترض أنها مجانية. ويرى مراقبون أن الإمبراطورية الاقتصادية للأزهر وكثرة موارده المالية البعيدة عن تدخلات الحكومة تنقذانه من مجاراة المغالاة في مصروفات التعليم، عكس المدارس الحكومية التي تعاني من أزمة في تدبير الموارد المالية للإنفاق على الصيانة والتطوير وتكلفة طباعة الكتب مع تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية. وحال استمرار استقلال المنظومة المالية للأزهر مع تطبيق مصفوفة تعليمية قديمة بعيدة عن المناهج المتطورة في المدارس المدنية التابعة للتعليم العام، قد يمثل ذلك عبئا مضاعفا على الحكومة في طريق عصرنة الفكر ومدنية الدولة وهيمنة الدين على كثير من مناحي الحياة بعدما أصبح التعليم الديني حاضنة لأبناء الشريحة الفقيرة. وإذا كان قرار الأزهر ببقاء المصروفات التعليمية هزيلة وتناسب ظروف البسطاء ومحدودي الدخل وتراعي الأحوال المعيشية لغير القادرين، لكن استمراره على نفس الوتيرة دون تنقيح المناهج من النصوص القديمة وهيمنتها يعني أن هناك أزمة ستواجه الحكومة في سبيل تحجيم جماعات الإسلام السياسي المتماهية مع مناهج الأزهر. وتبني الأصوات المتخوفة من زيادة الإقبال على التعليم الديني مقابل الهروب من المدارس الحكومية وجهات نظرهم على أن جماعات الإسلام السياسي تأسست في الماضي بطريقة التأثير في عقول الناس من خلال الوعظ والنقل الحرفي للنصوص دون نقد أو تحليل كما يحدث في التعليم الأزهري، ما يعيد إنتاج جيل جديد لا يؤمن بحرية الفكر والإبداع. وأمام الانقسام المجتمعي والسياسي حول استمرارية التعليم الديني وتقييد نفوذه يظل التحدي الكبير الذي يواجه الحكومة في سبيل القضاء على الرجعية الفكرية استمرار وجود نظامين تعليميين، أحدهما ديني يخاطب الماضي، والثاني مدني ينشد الحداثة، ما يوسع الفوارق بين طبقة كادحة تجد ضالتها في المعاهد الأزهرية وأخرى تذهب إلى الحكومة، وثالثة للمدارس الأجنبية. ويخشى معارضون لهذا الواقع التعليمي الذي تبدو الحكومة عاجزة عن فك اشتباكه أن يكون هناك انفصام ثقافي يصعب على أي نظام علاجه، لأن الشريحة التي تعلمت في الأزهر تربت على الاحتكام للدين مقابل طبقات أخرى منفصلة عن هذا المسار، ما يسهل اختراق المجتمع فكريا والتأثير على الاستقرار بسبب حدة الاستقطاب.
مشاركة :