نُريد وطنا.. ثورة البُطون الجائعة التي سَرقها الأوغاد مع اقتراب الذكرى الثالثة للانتفاضة التي سُمّيت "انتفاضة تشرين" يبدو أن الأغلبية بدأت تستعيد أنفاسها وتُراجع هَفواتها وتُحاول الانقضاض مرة أخرى على الصبّات الكونكريتية التي حَصّنت السُلطة أسوارها وقصورها بها. انتفاضة جماهيرية خرجت من خارج عباءة الأحزاب الحاكمة الأغلبية الصامتة التي كانت دائماً ما تُراهِن عليها الطبقة السياسية في صبرها واستكانتها ورضوخها للأمر الواقع فاجأت المنظومة الحاكمة بانتفاضة جماهيرية خرجت من خارج عباءة الأحزاب الحاكمة، كانت بِحق ثورة أحدثت ذلك الزلزال في النظام السياسي بتشرين الأول – أكتوبر من عام 2019 استحقّت ذلك الثمن الباهظ والغالي من استنزاف أرواح أكثر من 700 شهيد والآلاف من الجرحى والمعوّقين، وانتهت خواتيمها بكوميديا سوداء استغلّتها الأحزاب الحاكمة لتدوير الوجوه وتبديل اللاعبين، مثل المَثل العراقي “بدّلنا علّاوي بِعليوي”، فكانت فُرصة ذهبية لِمُراجعة أيديولوجياتها السُلطوية وتغيير ألوانها كالحرباء حين تَشعر أنَّ خطراً مّا قادم، لِتستمر ديمومة حياة السُلطة والنفوذ لهذه الطبقة الفاسدة والفاشلة مُتوهّمة أو واهمة استمرار الحال من دوام المُحال. ومع اقتراب الذكرى الثالثة لهذه الانتفاضة التي سُمّيت “انتفاضة تشرين” يبدو أن هذه الأغلبية بدأت تستعيد أنفاسها وتُراجع هَفواتها وتُحاول الانقضاض مرة أخرى على الصبّات الكونكريتية التي حَصّنت السُلطة أسوارها وقصورها بها، وربما تُحاول التبرؤ من الذين صَعدوا على جماجم ثوارها لِيرتقوا المناصب في هذه السُلطة التي خرجوا ضدها، في مُحاولة لمنع تدنيس ذلك الشعار المُهيب الذي رفعوه (نُريد وطنا)، ولو كان هناك من يستحق شُكر الأحزاب الحاكمة وتقديرها على منع الثوار من الوصول إلى مقراتهم وقصورهم لرفعوا القُبعات امتناناً وعِرفاناً لِجائحة كورونا، التي أوقفتْ هذا المّد التشريني حين استوجب انتشار الوباء مُلازمة البيوت ومنع الاختلاط، وخُدعة السُلطة التي استدرجت بعض من يُسمّون أنفسهم قادة تشرين إلى فخها فيما أصبح بعضهم تحت التُراب بينما انزوى الآخرون في زوايا غُرفهم المُظلمة مُعوّقين أو جرحى أو مُهاجرين إلى خارج الحدود. ما سيكتبه التاريخ عن هذه الثورة أنها كانت بدايات للتغيير وذات أهداف نبيلة، لكن أصحاب السوء من الطرف (الثالث والرابع…) استغلوها أبشع استغلال لأغراضهم الدنيئة أكادُ أُجزم أن أغلب الذين دخلوا قُبّة البرلمان باسم الشعب تحت مُسمّيات ثوّاره وشُهدائه لا يعرفون من هو نيلسون مانديلا، أو حتى سَمِعوا بِمقولته الشهيرة “إذا قَبضتُ المال ثمناً لِنضالي فسوف أتحوّل من مُناضل إلى مُرتَزِق”، وقد يَسرح بأحدهم خياله الواسع وشيطانه الذي يوسوس له بأن الثورة غاية تُبرر للثائر المزعوم أن يصعد إلى السُلطة على رؤوس الجماجم وهو يدهسها. في المُحصلة المُنتفض لا يرسم لنفسه صورة فيسبوكية وهو يدخل قُبّة البرلمان بـ”التوك توك” أو خِطاباته الرنّانة بأنه زاهد في امتيازات السُلطة وهِباتها، فِعل الثائر ليس ثرثرة كلام وصخب صُراخ في الفضائيات بأنه خير من يُمثّل أولئك الذين استغفلهم بلحظة من الزمن حين أقنعهم بِصِدق نواياه وأهدافه المُقدّسة. ما سيكتبه التاريخ عن هذه الثورة أنها كانت بدايات للتغيير وذات أهداف نبيلة، لكن أصحاب السوء من الطرف (الثالث والرابع…) استغلوها أبشع استغلال لأغراضهم الدنيئة باسم هؤلاء الثُوّار والشهداء، حين استدرجت السُلطة بعضهم إلى واحاتها فأصبحوا عناوين لها ولأدواتها السُلطوية وجُزءاً من نظام مُشوّه خرجوا من أجل إزالته، فهنيئاً لهم بِجائزة السُقوط في وحل السُلطة. من المؤكد أن كلمات مانديلا عندما قال “إن الفاسدين لا يبنون وطناً، إنما هم يبنون ذاتهم ويُفسدون أوطانهم” في وصف أولئك الذين انضمّوا إلى صف المنظومة السياسية التي تُحاول اليوم نصب الصبّات تلو الصبّات لمنع تدفق الحشود البشرية نحو منطقتهم الخضراء لكنها لا تعلم أن الشعب عندما يرفع أول صبّة منصوبة في طريقه فإن سُقوط السُلطة آتٍ لا محالة، تكبيرات نُريد وطنا التي صدحت بها أصوات البطون الجائعة مُعلِنة البدء في شعائر التغيير والانتفاض من واقع القهر والظُلم وعَبث الذين حكموا العراق بعد عام 2003 وعاثوا فيه فساداً لِتعلوا أصواتهم في الشوارع والساحات “حيَّ على الثورة…حيَّ على الانتفاضة”. سمير داود حنوش كاتب عراقي
مشاركة :