يقال إن عين ابن آدم لا يملأها إلا التراب، وتلك حقيقة عند معظم الناس، في إشارة إلى فطرة بعض البشر، وربما الطمع، وربما عدم القدرة على التمتع بفضيلة الصبر واليقين، أو ربما عادات وتقاليد بالية خاطئة، أو ربما عجز تربوي أو طفولة محرومة تسبّبت في ذلك الطبع. هذا الشره، أو العيون الجائعة، يتمثل كثيراً في الولائم المفتوحة، حيث يتاح للشخص أن يأخذ ما يستطيع تناوله من أنواع الأطعمة المتوافرة، فالبعض يأخذ ما يكفيه، والبعض الآخر يأخذ فوق حاجته شرهاً، أو ربما لعينه التي ترغب في المزيد ولا تشبع، فيتبقى لديه الطعام، ومن ثم يرمى مباشرة في الأوساخ، ولو أن الطعام ترك مكانه لسهل الاحتفاظ به أكثر من أن يكون في إناء أكل فيه شخص وترك جزءا منه، ليصبح قابلا للتلف بعد اللمس. في اليابان، في البيت وفي المدرسة يُعلم الطفل شكر النعم، أخذ ما يكفي بطنه من دون إسراف، وفي بلاد اوروبا يفعل الناس نفس الشيء، وتجد في الولائم والعزائم القليل المفيد من الطعام، بل في بعض الدول إذا دخلت مطعماً ينبهك وإذا تعمّدت وطلبت فوق حاجتك فستحاسب من قبل جهة معينة يتصل عليها صاحب المطعم لتأتي وتحاسبك على الطعام الذي طلبته وتركته وتدفع مقابل ذلك غرامة مالية، وفي حالة تكرار الفعل ستتخذ ضدك إجراءات قانونية أخرى. في الإسلام قال تعالى في سورة الأعراف: «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (آية: 31) وقوله تعالى في سورة الإسراء الآية: 27 «إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا». وورد في الحديث قوله (عليه الصلاة والسلام): «مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لا مَحَالَةَ: فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ». فما ورد في الإسلام كان أحق بأن يعمل به في كبح جماح النفس وإحسان التعامل مع الطعام وكل النعم، كما وجب أيضا أن يؤخذ في عدم إكثار الطعام إلا على قدر الحاجة. في العادات والأعراف قد يعد إكثار الطعام في الإناء أحيانا كرما وضيافة، وقلته بخلاً، لكن ذلك خطأ فتقليل الطعام قدر الحاجة تقدير للنعمة وحفاظ عليها، كما أنه شيء يعطي الإنسان إحساساً ليأكل كفايته لأن كثرة الطعام في الإناء تسد النفس. «كثرة الطعام تميت القلب، كما تميت كثرة الماء الزرع». (علي بن أبي طالب) «احذروا البطنة، فإن أكثر العلل إنما تتولد من فضول الطعام». (ابن سينا) «نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع». «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ». (النحل: 112) آدم إبراهيم سوني
مشاركة :