سياسة التوظيف في القطاع العام تستنزف مالية العراق

  • 10/3/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

سياسة التوظيف في القطاع العام تستنزف مالية العراق بغداد - يواجه العراق معضلة اقتصادية صعبة، من بينها القيام بإصلاحات جذرية في القطاع العام، الذي أصبح يستنزف موارد الدولة المالية دون أن يسهم في انتشال البلد من أوضاعه المتردّية. وتجذب الرواتب الشهرية “المنصفة” والاستقرار العديد من الخريجين العراقيين إلى الوظائف الحكومية، لكنّ ثمة إجماعا بين أوساط المحللين على أنه “ينهك” توازنات بلد يعاني من أزمة سياسية مزمنة، خاصة وأن القطاع الخاص فيه لا يلبّي طموحات الشباب. وبينما يعتمد 40 في المئة من القوة العاملة بالبلاد على رواتب الحكومة، فإن البلد يشهد تقلصا في نشاط القطاع الخاص وفي عدم قدرته على توفير وظائف، رغم وجود بوادر مهدت الطريق لبروز كيانات ناشئة. كما تقوض سياسات التوظيف القائمة على المحسوبية، في ظل عدم قدرة الحكومات منذ 2003 على توفير الرواتب بشكل مستدام، هدف تنويع الاقتصاد شبه المعتمد على النفط، مع تضاعف الفساد في كافة القطاعات. ومنذ سنوات، تشهد مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار تظاهرات كل يوم تقريبا لخريجين باحثين عن تعيين في القطاع العام، يرى ميثم محمد رضا البالغ من العمر 32 عاما، أنه حق مشروع. وهناك في جنوب العراق الذي يعاني من الإهمال، تبدو “الواسطة” فقط هي ما يضمن عملا لطالبيه، لكن ميثم البالغ من العمر 41 عاما لا يملك من يمكن التدخل له للحصول على فرصة عمل، لذا يتوجه مباشرة إلى المحافظ للمطالبة بتعيين. وتلخص حالة هذا الشاب المشهد الاقتصادي العام في العراق، البلد الذي يضم قرابة 42 مليون نسمة، وحيث الدولة هي الموظِّف الأول للأفراد. ويعتمد العراق الغني بالنفط الذي يشكل 90 في المئة من إيراداته، إلى حد كبير على الوظيفة العامة. ويرى فيها الشباب ملاذا وسط الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي تمرّ بها البلاد، علما أن أربعة من كلّ عشرة شباب ناشطين اقتصاديا، عاطلون عن العمل. وبالنسبة لمحمد العبيدي الموظف في إحدى الوزارات منذ 19 عاما، فإن العمل بالقطاع العام أمر إيجابي لأن “الرواتب منصفة”. ويقول لوكالة الصحافة الفرنسية إن “المنافع والضمان للمستقبل” بعد التقاعد في عمر 55 أو 60 عاما مضمونة، ما يسمح للشخص بأن يواصل العمل في القطاع الخاص. ورغم رغبة الشباب فيها، فإن للوظيفة العامة ثمنا يقلق رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، فخلال مؤتمر صحافي الصيف الماضي، قال إن “الحكومات الماضية لم توفر فرص عمل للمواطنين، وكانت هناك فوضى في التعيينات في العراق”. ورأى أن “هذه الزيادة الكبيرة في عدد موظفي الدولة العراقية بطريقة شعبوية عبثية أنهكت الاقتصاد العراقي”. ومنذ 2004، أي بعد عام على إسقاط نظام صدام حسين وحتى 2019، بلغت “نسبة الزيادة بموظفي الدولة العراقية 400 في المئة”، وفق الكاظمي، مشيرا إلى أن القطاع العام “يشكّل ثلثي الموازنة العراقية”. وتشرح مها قطّاع، منسقة العراق في منظمة العمل الدولية، بالقول إن ذلك يجعل ذلك النسيج الاقتصادي هشا في بلد “يوظف فيه القطاع العام 3.3 مليون شخص، أي نحو 37.9 في المئة من السكان الناشطين اقتصاديا، أحد أعلى النسب في العالم”. وتضيف “هذا ضغط كبير على الحكومة”. ويقرّ الكاظمي بذلك، لكن قدرته على الإصلاح دونها صعوبات، فبقاؤه على رأس الحكومة يعتمد على المفاوضات بين المعسكرين الشيعيين المهيمنين على المشهد السياسي في العراق. دعوة للقضاء على الفساد شباب يطالب بحقه في التوظيف وبعد عام على انتخابات أكتوبر 2021، لا يزال الطرفان عاجزين عن الاتفاق على الحكومة الجديدة. وفي القطاع العام كما في القطاع الخاص أيضا، يتمّ التوظيف عادة بالاتفاق والتنسيق بين أبناء العشيرة الواحدة أو الحزب السياسي الواحد. ونظام المحاصصة والواسطة أسهم في “ترسيخ استمرار الممارسات الفاسدة التي تدمّر الأسس الأخلاقية والمادية للبلد”، كما كتب وزير المالية السابق علي علاوي في رسالة استقالته من منصبه لمجلس الوزراء. وتحدّث علاوي عن الفساد الذي “يمكن وصفه بالسرطان الذي يمكن أن يقتل الجسم”، معتبرا أن الدولة “لم تتحرر ككل من سيطرة الأحزاب السياسية وجماعات المصالح الخارجية”. 72 في المئة من الشركات الحكومية خاسرة والعاملون فيها يحصلون على رواتب دون عمل والأمر لا يقف عند ذلك، بل ثمة خسائر تطول شركات القطاع العام التي وجدت نفسها طيلة سنوات في مرمى الصراعات وسوء الإدارة وتراجع الإنتاجية. والعام الماضي، أكد مظهر صالح، المستشار المالي للكاظمي، أن 72 في المئة من شركات القطاع خاسرة، ويتقاضى نحو 400 ألف من العاملين فيها منحا حكومية شهرية على شكل رواتب دون أداء أعمال منتجة منذ عام 2003. ونتيجة لهذا الوضع الكارثي قد تكون هذه فرصة ملائمة للقطاع الخاص ليبدأ بجذب الشباب، لكن مها قطّاع ترى أن الشركات ينبغي عليها أولا “تحسين ظروف العمل”. وتضيف “يجب دفع تأمين طبي، ولا بدّ لرواتبها أن تكون على نفس مستوى رواتب القطاع العام. وهذا أكثر تعقيدا، لأنّ في القطاع الخاص ما يهمّ هو الربح”. ومع ذلك، فإنّ بعض المشاريع الخاصة الصغيرة قد أطلقت. ويأمل أصحابها في تحقيق أرباح في اقتصاد بصدد إعادة البناء بعد عقود من الحروب والنزاعات، ويتوقّع صندوق النقد الدولي أن ينمو بنسبة عشرة في المئة هذا العام. وأنشأ ميثم قبل ثلاث سنوات شركة “برحية” لتسويق تمر جنوب العراق. ويقرّ الرجل الذي يدير شركة من 30 موظفا، بأنه واجه صعوبات في إيجاد موظفين، لاسيما من الشباب. ويقول “لكن ما إن توظفوا في القطاع الخاص، وطالما أن مديرهم جيّد، فهم يشعرون بالاستقرار لأن بإمكانهم التفاوض على رواتبهم”. ويضيف ميثم “لديهم كذلك حرية، لديهم إجازات، وهم فعليا جزء من مجموعة”.

مشاركة :