نواصل في هذه الحلقة ما كنا قد بدأناه في الحلقة السابقة عن تطور العلاقات الإيرانية مع (الإسرائيليين) منذ عهد الملك كورش الذي ساعدهم في العودة إلى فلسطين وبناء الهيكل الثاني وحتى عهد الشاه، وكيف تطورت العلاقات بين إيران وإسرائيل بعد حرب 67 -على عكس المتوقع باعتبار أن إيران دولة محسوبة على العالم الإسلامي-، نواصل في هذه الحلقة تطور تلك العلاقات التي لم تعد سرية الآن بعدما كشفت العديد من الوثائق الغطاء عنها في عهد الملالي. يقدم الأستاذ محمد أمين في بحثه: «إيران وإسرائيل والعلاقات المشبوهة» (مركز أكتوبر للدراسات الإنسانية) العديد من الأدلة والبراهين على عمق العلاقات الإيرانية الصهيونية، والتي لا يستطيع حتى من يمتلك منهم وجهة نظر حيادية تجاه عدوانية إيران وإسرائيل وأطماعهما في المنطقة العربية والإسلامية أن ينكرها، ومنها ما كشف عنه من التعاون الإيراني الإسرائيلي الحثيث أثناء حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، حيث أظهرت الوثائق التاريخية أن جسرًا من الأسلحة كانت تأتي إلى إيران من أمريكا عبر الكيان الصهيوني، وأنه كان هناك تعاون بين الأطراف الثلاثة منذ بداية الحرب العراقية - الإيرانية، حتى تبين أن أحد الإيرانيين واسمه «صادق طبطبائي»، أحد أقرباء «آية الله الخميني»، والذي كان يلعب دور الوسيط بين الطرفين، وذلك من خلال علاقته المميزة مع الصهيوني «جوزيف عازر»، الذي كان بدوره له علاقة بأجهزة المخابرات الصهيونية والجيش الإسرائيلي، وتم اكتشاف حقيقة تلك العلاقة بعد إلقاء القبض على طبطبائي في يناير (1983) في مطار برلين وبحوزته كميات من الهيروين وعلى جواز سفره تأشيرات دخول وخروج صهيونية. حقائق صادمة وفي واقعة أخرى مماثلة، وبالتحديد في 18/7/1981، انكشف التعاون الإيراني الإسرائيلي الحثيث في المجال العسكري، وذلك عندما تمكنت قوات الدفاع الجوي السوفيتية من إسقاط طائرة أرجنتينية، تابعة لشركة «أروريو بلنتس»، ضلت طريقها ودخلت الأجواء السوفيتية، وكانت هذه الطائرة تنتقل بين طهران والكيان الصهيوني، محملة بالسلاح، وكشفت صحيفة «التايمز» البريطانية وقتها تفاصيل دقيقة عن هذا التعاون العسكري الصهيوني الإيراني، حيث أكدت أن إيران استلمت ثلاث شحنات أسلحة في أيام (10و12و17) من يوليو عام (1981). وفيما يعد دليلاً دامغاً على سعي النظام الإيراني على التعاون الكامل مع إسرائيل، اعتراف الرئيس الإيراني السابق «أبو الحسن بني صدر»، في مقابلة صحفية له مع صحيفة (الهيرالد تريبيون) الأمريكية نشرت في 24/8/1981 «أنه أحيط علمًا بوجود هذه العلاقة بين إيران وإسرائيل وأنه لم يكن يستطيع أن يواجه التيار الديني هناك والذي كان متورطًا في التنسيق والتعاون الإيراني الإسرائيلي»، وفي 3/6/1982 اعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيجن بأن الكيان الصهيوني كان يمد إيران بالسلاح، وعلل شارون وزير الحرب الصهيوني آنذاك أسباب ذلك إلى أن « تقوية إيران من شأنه أن يضعف العراق». الأطماع المشتركة كان المتوقع مع نجاح الثورة الإسلامية عام 1979 واستلام الخميني للسلطة في إيران أن تكون العلاقات العربية - الإيرانية أكثر قوة، وأن تظهر إيران الثورة أية مؤشرات تثبت نواياها الطيبة إزاء جيرانها العرب بدءًا من الدول الخليجية التي تأملت من النظام الجديد إنهاء الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث، لكن مع الأسف ذلك لم يحدث حتى الآن. وهو ما أكد على حقيقة راسخة ذات شقين، الشق الأول أن تلك الثورة لم تغير من النزعة العدوانية والتوسعية لإيران بغض النظر عن تغير نظام الحكم، بل سنرى كيف ازدادت هذه النزعة بمرور الزمن كما نراه الآن في الوجود الإيراني العسكري في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وحيث لا يبدو من قبيل المبالغة القول: إن سوريا تعتبر دولة محتلة من قبل إيران. الشق الثاني يتعلق باستمرار النزعة الفارسية القومية والعقائدية، والتي ذكرنا بعض مظاهرها في الحلقة السابقة، ونضيف عليها تمجيد إيران لعيد النيروز، وفي المقارنة بين النظرة العدوانية والتوسعية بين البلدين سنرى أنه كما أن إسرائيل ترفض حتى الآن الاعتراف بحدود نهائية لها، وكما أنها ترفض الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكما انها تمارس أبشع صور الاضطهاد وانتهاك حقوق الانسان في تلك الأراضي، فإن إيران هي الأخرى تواصل اضطهادها للعرب في عربستان التي قامت بالاستيلاء عليها بالقوة المسلحة في عهد علي رضا شاه وأطلقت عليها اسم «خوزستان»، التي تعتبر أكبر مصدر للنفط الإيراني، وقد تم ذلك بموافقة ومباركة بريطانيا التي كانت تهيمن على معظم أجزاء الخليج العربي في ذلك الوقت تمامًا مثلما دعمت من قبل يهود فلسطين ومهدت لقيام إسرائيل من خلال إصدارها وعد بلفور. لم تكتف إيران بذلك بل أخذت تهدد باحتلال البحرين وضمها إليها، ورغم استفتاء الأمم المتحدة بداية السبعينيات ونتيجته التي أكدت الإجماع الساحق لمطلب الاستقلال العام، إلا أن إيران لم تخف أطماعها في البحرين، وحيث لم تعد تخفي تلك الأطماع بعد ثورة الخميني، لتأخذ في نهاية المطاف شكل التدخل السافر في شؤون البحرين ونشر الخلايا الإرهابية في البلاد، كما أن إيران الخميني استمرت في احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى). ما زال المخطط مستمرًا وربما أن البعض لا يعرف أن قصف إسرائيل لمفاعل أوزريك العراقي عام 1981 سبقته محاولة إيرانية سابقة لقصف المفاعل نفسه، كما أن فضيحة إيران جيت (إيران كونترا) لم تكن الفضيحة الوحيدة التي أدانت التعاون بين نظامي طهران وتل أبيب في عهد الملالي، فهناك أيضًا فضيحة (الفالاشا) الإيرانية التي أثبتت أن طهران تقوم بمقايضة هجرة اليهود الإيرانيين إلى إسرائيل في مقابل تمرير صفقات الأسلحة الأمريكية إلى إيران رغم الحظر المفروض عليها. من جهة أخرى لابد من الإشارة إلى حدث هام كشف عن مظهر آخر من مظاهر التعاون الإيراني - الإسرائيلي في عهد الملالي، فإضافة إلى التدخلات العسكرية الإيرانية السافرة في العديد من الدول العربية التي أشرنا إليها آنفًا، نذكر هنا بعض الأحداث المتعلقة بالاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وحيث لا يعتبر من المبالغة القول: إن أهم أهداف تلك الحرب هو ربط الدور الإسرائيلي والدور الإيراني في المنطقة عند عقدة لبنان، وهو الأمر الذي ما كان من الممكن التوصل إليه لولا الوجود الفلسطيني في جنوب لبنان ليحل محله الوجود الإيراني الشيعي الذي تمثل في ذلك الوقت بولادة حزب الله الذي سيعتبر يد إيران الطولى في لبنان ودولة داخل الدولة، ولم تمض فترة طويلة بعد الغزو الإسرائيلي للبنان حتى أخذت كل من إيران وإسرائيل في التنسيق بينهما عبر نفوذ كل منهما في لبنان. إن كل ما سبق وما نشهده الآن يؤكد على أن المخطط الفارسي - الصهيوني الخبيث بهدف إضعاف الأمة العربية واقتسام النفوذ في المنطقة من خلال أسلحة الإرهاب والفتن ونثر بذور الانقسام والفوضى في البلدان العربية هو مخطط متكامل ومتواصل رغم ما يظهره الطرفان من محاولات الظهور بمظهر الدولتين المعاديتين لبعضهما البعض.
مشاركة :