الفكرة بغض النظر عن طبيعتها حسنة أو سيئة، نافعة أو ضارة، تمثل في الأساس بذرة لشيء ينمو ويكبر بالعناية والرعاية، والاهتمام الذاتي، أو من طرف خارج الذات، كالوالدين، أو المعلم، أو المدرسة بكاملها. وسير الأعلام من الرواد والمخترعين والقادة الكبار تكشف أن ما توصل إليه كل واحد من هؤلاء إنما يمثل في الأساس فكرة بسيطة ربما مرت على غيره، لكن مرور الكرام، وماتت في مهدها لافتقاد الرعاية والاهتمام. أما أولئك الذين أولوا الفكرة جل عنايتهم واهتموا بها ورعوها حق الرعاية، فقد تبلورت الفكرة، وتحولت إلى مشروع ضخم، ومنجز كبير تجسد في حياة صاحبها، أو في تاريخ الإنسانية. توماس أديسون - على سبيل المثال لا الحصر - أحد النوابغ الذين كرسوا حياتهم للاختراع في مجال التقنية التي نعيش آثارها في الوقت الراهن، وما المصباح الكهربائي الذي تمكن من اختراعه في 1879 إلا أحد إنجازاته العظيمة التي بلغت 1093 اختراعا، ليمثل لنا أن الفكرة متى ما تولدت عند صاحبها وأصر على تحقيقها فسيصل إليها في يوم من الأيام وينعم بآثارها، أو ينعم بها من يأتي من بعده، وما من شك أن أديسون لم ينعم بالأجهزة التي بنيت على اختراعه التي نقتنيها في بيوتنا وأيدينا وجميع التقنيات الحديثة، ولو قدر له وخرج إلى الدنيا لصدم من هول ما يراه من أجهزة كهربائية. عباس بن فرناس تولدت لديه فكرة الطيران محاكاة للطيور وحاول، ومع أن تجربته باءت بالفشل وسقط ومات على أثر التجربة هذه، إلا أن الفكرة لم تمت، وجاء الأخوان رايت واخترعا أول طائرة في تاريخ البشرية، لتتوالى الابتكارات والتجديد في هذا المجال، لنصل إلى الوضع المتقدم والهائل في صناعة الطيران، وما الطائرة دون طيار إلا أحد الابتكارات الحديثة. ما سبق يمثل أفكارا إيجابية لها قيمتها في حياة البشرية أينما وجدت في هذا العالم الفسيح، لكن في المقابل نجد البشرية تعاني أفكارا شريرة وجد من يطلقها وينميها ويسعى حثيثا إلى جعلها واقعا ملموسا ينغص حياة حياة الآخرين أفرادا، أو أمما، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فكرة العنصرية والكراهية تظهر على ممارسات بعض الناس وسلوكهم وأحاديثهم. وقد فجعت وأنا أشاهد "يوتيوب" لمدير جامعة الحرية في أمريكا، وهو يخاطب آلافا من طلاب الجامعة المحتشدين ويدعوهم إلى اقتناء كل واحد منهم سلاحه الناري لقتل المسلمين، وأخبرهم باستعداد الجامعة لتدريبهم على استخدام السلاح، وأخرج مسدسه من جيبه متسائلا بكل عجرفة لا أدري إن كان القانون يمنع ذلك أم لا. ما أثار استغرابي، وأشعرني بالقشعريرة من المشهد كيف بمدير جامعة يفترض فيه النضج والرزانة أن يتصرف هذا التصرف العنصري المعيب؟! وكيف بمجلس الأمناء أن يختار مثل هذا الشخص ليرأس كيانا أكاديميا يفترض فيه نشر السلام والطمأنينة في حرم الجامعة وخارجها في بلد صدع العالم بحقوق الإنسان، ونصب نفسه معيارا يجب الاحتكام إلى نظمه وقوانينه وثقافته، وينبش خبراؤه وإعلاميوه في كتب الآخرين وإعلامهم، كما فعلوا في مناهجنا مع أحداث 11 / 9، وفي الوقت نفسه يتم تجاهل الجهود المبذولة في نشر ثقافة السلام والتقريب بين الأمم التي تقوم بها المملكة. ما من شك أن نزعات الخير والشر الكامنة في نفوس البشر لها دورها في التصرفات العنصرية التي يقوم بها البعض، فالحب والخيرية بناءان نفسيان يبنيان داخل الأسرة، والثقافة العامة، وكذلك الحقد والكراهية، ورفض الآخر، والعداء، ليبقى السؤال: أين الإعلام الأمريكي وخارجه من حديث رئيس الجامعة، بل أين الجهات الرسمية عن محاسبة هذا وأمثاله ممن يدعو إلى ضرب الكعبة المشرفة؟! وهل نجد تفسيرا لمثل هذا التصرف، أم أنه حرية الرأي المفصلة خصيصا للإنسان الأمريكي دون غيره؟!
مشاركة :