بعد قراءاتي مخرجات لقاء معالي الشيخ سلمان بن خليفة آل خليفة وزير المالية والاقتصاد الوطني برؤساء تحرير الصحف الوطنية في يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي، تأكدت عندي صورته مسؤولا رفيع المستوى يحرص فضلا عن التفاني في أداء واجبه الحيوي لمملكتنا على إطلاع الرأي العام على ما تنجزه الوزارة في سبيل تعافي المالية العمومية وضمان موازنات الدولة، فتذكرت لقاءه الذي عقده معهم عن بُعد، في شهر يونيو من العام الجاري والذي قد أماط فيه اللثام عن كثير مما يمكننا القول إنه يشكل هاجسا لدى جمهور المواطنين بكافة انتماءاتهم الطبقية؛ حيث إن كل مجتمع من المجتمعات ينقسم، وأقول بشكل مبسط، إلى ثلاث طبقات اجتماعية رئيسة، الطبقة الفقيرة والطبقة المتوسطة وطبقة الأغنياء، ولكل طبقة من هذه الطبقات طموحها وتطلعاتها ورؤيتها لما تنجزه الدولة أو في سبيلها إلى إنجازه وانعكاسات ذلك على وضعها ووضع البلاد الاقتصادي والمالي، ولهذا نرى واقع حال هذه الطبقات الاجتماعية متحركا وليس ثابتا. ويُستنَتج من هذه الحركة أنه كلما اتسعت رقعة الطبقة الوسطى كلما زاد المجتمع أمنا واستقرارا. معالي الوزير أوضح إذّاك حجم العمل المنصرف إلى تسخير الجهود والإمكانات المتاحة لدى الحكومة لتحويل التحديات إلى فرص، والآمال والطموحات إلى إنجازات ملموسة وفق التوجيهات الصادرة من لدن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى ملك البلاد المعظم، حفظه الله ورعاه. وأشار معاليه إلى الإنجاز المتحقق وفق ما هو مخطط له ومرسوم من أجل تحقيق أهداف خطة التعافي الاقتصادي، موضحا أن حكومة البحرين تسير وبخطى حثيثة على الخط الصحيح، وقد استعادت التعافي وهي ماضية في ذلك حتى يصل نفع ذلك إلى المواطنين. لقد قدم معاليه في لقائه الأخير الذي عقده حضوريا مع رؤساء التحرير بالأرقام حجم الإنجاز الذي حققته القطاعات الاقتصادية والجهود التي بذلتها الحكومة من أجل «تعزيز القوة الشرائية»! وأكد مواصلة الجهود من أجل تحقيق أهداف التوازن المالي التي تتوافق مع خطة التعافي الاقتصادي. وللقارئ أن يلاحظ أني وضعت «تعزيز القوة الشرائية» بين هلالين أردفتهما بعلامة تعجب؛ لأني حقيقة لا أشعر بأن القوة الشرائية قد تعززت إلا إذا أخذنا قيمة المساعدات وزيادة المتقاعدين المستحقة وإضافة قيمة شهر واحد لذوي الاحتياجات الخاصة جملة واحدة وتخيلنا فعلها في السوق، وهي كما يدرك الجميع بفعل الواقع والتجربة مساعدات تضمن قوة شرائية محدودة جدا لا يكاد يذكر تأثيرها على الأسر وتنهار بعد زمن معين سواء بحكم النسق الجنوني لارتفاع الأسعار الناتج عن عوامل كثيرة أو بحكم محدودية فاعليتها في زمن الاستهلاك. وبقطع النظر عن مسألة القدرة الشرائية هناك جملة من الأرقام قد أشار إليها الوزير تدلك على حجم الإنجاز ومنها أنه تم الانتهاء من 17 برنامجا من أصل 27 برنامجا وهي برامج، كما أوضح معاليه، «تسهم في خلق فرص عمل واعدة لجعل المواطن الخيار الأول»، وأحسب أن هذا بالضبط هو ما يأمله المواطن في ظل هذه الظروف التي تشتد فيها الحياة الاقتصادية قسوة على الأسر التي تبحث لأبنائها عن فرص عمل ولا تجد. إذًا الحكومة من أولى أولوياتها خلق فرص عمل، وهذا ما بشر به معالي الوزير وما قرأناه في ما طرحه معاليه لقائه مع رؤساء التحرير، ونحن نأمل القضاء على البطالة في القريب العاجل، ذلك أن زيادة قوة الدينار وتقليص نسبة التضخم لا يكفيان لوحدهما للحد من تآكل الطبقة الوسطى التي يعتبر وجودها صمام أمان لحفظ التوازنين الاجتماعي والاقتصادي. وفق المعطيات التي عرضها الوزير على رؤساء التحرير ونشرتها الصحف، وهي معطيات في مجملها واعدة وتبشر باستقرار اقتصادي ومالي وتعطي المواطنين الأمل في خلق فرص عمل جديدة تستوعب العاطلين، ولكنها مع ذلك تجعل هؤلاء المواطنين يتمنون ألا يطول بهم الانتظار. فعلى الرغم من أهمية الأرقام التي عرضها معالي الوزير الشيخ خليفة إلا أنها لا تسهم بالشكل المطلوب في جعل المواطن يشعر بتغير إيجابي في موازناته المالية؛ فالقول مثلا إن «البحرين حافظت على معدلات التضخم عند 4 في المئة مقارنة بارتفاعها عالميا والتي تجاوزت 10 في المئة» لا يقدم للمواطن زيادة ملموسة في دخله، فالزيادات السنوية التي تصدر لفائدة موظفي الحكومة والمقدرة بـ3 في المئة، أي نسبة التضخم مثلما يتم احتسابها على أساس سنوي وبشكل ثابت، تعني أن المواطن سيدفع مرغما 1 في المئة من هذه الزيادة نتيجة نسبة التضخم المعلَنة في هذه السنة، وإذا ما أضفنا هذه النسبة إلى جملة الضرائب والرسوم وغيرها فإننا سنبقى أمام مشكلة العوز التي يشكو منها الموظفون الحكوميون خاصة بعد الارتفاع الملحوظ في كلفة العيش. وددت مما طرحت هنا أن أقدم رأيا أو قراءة خلاصتها أن وزارة المالية والاقتصاد الوطني تبذل جهودا جبارة لضبط ميزانية الدولة وترشيد الإنفاق بما يحفظ إيرادات الدولة خاصة في ظل سلسلة من الأزمات الاقتصادية العالمية التي لم تنج من آثارها دولة واحدة في عالمنا الرحب، وأن هذه الوزارة الحيوية تعمل جاهدة على ألا يمس هذا الترشيد عيش المواطن وألا يشكل الاقتصاد الوطني حالة طاردة للمقيمين. صحيح أن لغة الأرقام لا تكذب، ولكنها لا ينبغي أن تحجب مهما كانت واقع المواطنين المعيش ومعاناتهم اختلال توازناتهم المالية.
مشاركة :