في محاولة لسحب فتيل التوتر العسكري بين إسرائيل ولبنان من جراء الخلافات حول ترسيم الحدود البحرية، كثف الوسيط الأميركي آموس هوكستاين جهوده للتغلب على الأزمة والتقدم نحو اتفاق في الأيام المقبلة. وأكدت مصادر في البيت الأبيض أن هوكستاين يجري اتصالات حثيثة مع كل من بيروت وتل أبيب، وقد يعود إلى المنطقة لهذا الغرض. وبحسب مصادر إسرائيلية عليمة، فإن الإدارة الأميركية عبرت للطرفين عن غضبها من تصرفهما. وقالت هذه المصادر إن واشنطن فوجئت بالتحفظات اللبنانية على مسودة الاتفاق التي عرضها عليها هوكستاين، ومن الرفض الإسرائيلي الحاد لها وأبلغتهما بأنه ما كان يجب الخروج بتلك التصريحات من الطرفين، والتي أثارت التوتر وعرقلت الاتفاق، وأكدت رغبتها في رؤية تقدم جديد في المفاوضات. وإذا لم يكن ممكناً التوصل إلى اتفاق في عهد حكومة يائير لبيد، فإنها ترى في ذلك إضاعة فرصة ستؤدي إلى خسارة فادحة للبنان. ولذلك تسعى إلى إنجاز اتفاق قبل الانتخابات الإسرائيلية، التي ستجري في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني)، أو على الأقل التقدم نحو الاتفاق بشكل جدي. وقال البروفسور إيتان غلبواع، الباحث الكبير في معهد القدس للدراسات الاستراتيجية والأمنية، والخبير في الشؤون الأميركية، إن الإسرائيليين لا يفهمون معنى أن تقول لا للأميركيين بهذه الحدة والفظاظة. والأميركيون لا يستوعبون كيف يمكن للبنان وإسرائيل رفض مقترحات هوكستاين. وأضاف، في حديث إذاعي أمس الجمعة، أن «هوكستاين واحد من أهم خبراء الطاقة في العالم. وهو يهودي أميركي ولد في إسرائيل لوالدين أميركيين لكنه تمكن من الحظوة بثقة اللبنانيين وقناعتهم بأنه غير متحيز لإسرائيل. وكان واضحاً أنه قدم مقترحاً جدياً ومهنياً يستجيب لأهم المطالب من الطرفين. لكن واشنطن تفهم اليوم أن الخلافات حول الاتفاق نابعة من حدة الصراعات الحزبية الداخلية في كل من البلدين، عشية الانتخابات (البرلمانية في إسرائيل والرئاسية في لبنان)». والمعروف أن لبيد اضطر إلى رفض الملاحظات اللبنانية، ليس فقط لأنه لا يوافق عليها، بل بالأساس لأنه وضع نفسه في موضع الدفاع عن النفس في وجه اتهام خصمه الانتخابي بنيامين نتنياهو، الذي أظهره خنوعاً أمام تهديدات «حزب الله»، «بمجرد سماعه تصريحات حسن نصر الله بأنه سيقصف حقول الغاز الإسرائيلية تنازل عن السيادة على أرض إسرائيلية وأرباح بالمليارات». وحسب استطلاع رأي أجري لصالح «قناة 12» للتلفزيون الإسرائيلي، قال 29 في المائة من الإسرائيليين إنهم يعارضون الاتفاق المعلن مع لبنان بادعاء أنه سيئ لإسرائيل، فيما أيده 27 في المائة وقالوا إنه جيد لإسرائيل. واعتبر 44 في المائة أن الاتفاق ينطوي على إيجابيات وسلبيات بالنسبة لإسرائيل. كما اعتبر 49 في المائة من ناخبي الأحزاب المنضوية في معسكر لبيد إن للاتفاق إيجابيات وسلبيات، فيما أيده 46 في المائة من هؤلاء الناخبين. وعبر 55 في المائة من الناخبين المؤيدين لمعسكر نتنياهو عن معارضتهم للاتفاق. يذكر أن المجلس الوزاري المصغر لشؤون السياسة والأمن في الحكومة الإسرائيلية «الكابينيت»، منح الخميس، تفويضاً للبيد، ووزير الدفاع، بيني غانتس، ورئيس الحكومة البديل، نفتالي بنيت، لاتخاذ القرارات لمواجهة تصعيد محتمل على الجبهة الشمالية مع لبنان دون الرجوع للكابنيت، في حال فشل التوصل لاتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان. وأعلن غانتس إصدار تعليمات للجيش للتأهب لمواجهة حربية. لكن مصدراً أميركياً في واشنطن قال إن إمكانية التوصل لاتفاق بين البلدين ما زالت قائمة وفي «متناول اليد». فيما اعتبر مسؤولون أن التهديدات الإسرائيلية «جزء من المفاوضات»، حيث إن الجيش الإسرائيلي في حالة تأهب قصوى على الحدود مع لبنان منذ قيام «حزب الله» بإرسال ثلاث طائرات مسيرة للتصوير فوق حقل كاريش الإسرائيلي في عرض البحر قبل نحو أربعة شعور، وبالتالي لا حاجة لتعليمات جديدة. وأكدت مصادر في تل أبيب أن الخلافات الإسرائيلية - اللبنانية سطحية وقابلة للتسوية. ففي الموضوع المالي، تحصل إسرائيل على حصتها في بئر قانا من الشركة الفرنسية «توتال» التي ستعمل على استخراج الغاز. وحسب مدير عام وزارة الطاقة الإسرائيلية، ليئور شيلات، فإن مجمل الأرباح المحتملة من حقل الغاز قانا سيكون 3 مليارات دولار فقط، وهي أرباح منخفضة بشكل كبير عن تقديرات نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية في وقت سابق، وبينها صحيفة «ذي ماركر»، التي ذكرت أن الأرباح من الغاز المستخرج من هذا الحقل تصل إلى 20 مليار دولار. وحسب موقع «واللا» الإخباري، فإن «قسماً كبيراً من الوزراء فوجئوا لدى سماعهم هذا المبلغ، وقالوا إنهم اعتقدوا أن الأرباح أكبر من ذلك بكثير. فقال لهم شيلات إن الاتفاق الذي تجري بلورته مع شركة توتال، يقضي بأن تحصل إسرائيل على 17 في المائة، أي ما يعادل نصف مليار دولار». أما في قضية الحدود، فإن بالإمكان التوصل إلى حل معقول ينهي الأزمة ويمنع التسبب في حرب.
مشاركة :