واشنطن – جددت التخفيضات الأخيرة في إنتاج أوبك+ لشهر نوفمبر تحمّس الأميركيين لسن قانون نوبك، الذي يهدف إلى مواجهة قرارات كبار المنتجين في كارتل أوبك+ بدعوى ممارسة الاحتكار، في وقت يقول فيه محللون إن أوبك+ تنحاز إلى روسيا بشكل واضح، وإن النفط والسياسة أصبحا متشابكين. ويأتي سعي واشنطن لسن هذا القانون نوبك بالتزامن مع سعي الاتحاد الأوروبي لتشكيل كارتل من المستهلكين يكون قادرا على فرض سقف للأسعار على المزودين وعدم الوقوع تحت تأثير الضغوط والتهديدات مثلما يجري حاليا مع روسيا في موضوع الغاز. ومع تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن الآن “بالتشاور مع الكونغرس” بشأن طرق “تقليل سيطرة أوبك على أسعار الطاقة”، يبرز مشروع قانون نوبك مرة أخرى بُغْية “منع التكتلات الاحتكارية لإنتاج وتصدير النفط” وحماية المستهلكين والشركات الأميركية من ارتفاع أسعار الطاقة. ومنح كبار أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي من كلا الحزبين الخميس قوة دافعة لهذا المشروع من خلال قانون يضغط على مجموعة أوبك+ لمنتجي النفط بعد أن تحدثت المجموعة هذا الأسبوع عن خفض كبير في إنتاج النفط على الرغم من ضغوط إدارة الرئيس جو بايدن للإبقاء على مستويات الإنتاج ومواصلة ضخ الإمدادات. وقال زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الديمقراطي تشاك شومر “ما فعلته السعودية لمساعدة (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين في مواصلة شن حربه الدنيئة الشرسة ضد أوكرانيا سيظل الأميركيون يذكرونه لفترة طويلة”. وأضاف في بيان “نحن نبحث في جميع الأدوات التشريعية للتعامل على أفضل وجه مع هذا العمل المروع… بما في ذلك مشروع قانون نوبك”. وأعلن السيناتور الجمهوري تشاك غراسلي، الذي يرعى نوبك، أنه يعتزم إرفاق الإجراء كتعديل لقانون تفويض الدفاع الوطني المرتقب. وحصل نوبك بسهولة على موافقة اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ في مايو. وإذا تم تمريره في مجلسيْ الكونغرس ووقعه الرئيس جو بايدن فإن نوبك سيغير قانون مكافحة الاحتكار الأميركي لإلغاء الحصانة السيادية التي تحمي أعضاء أوبك+ وشركات النفط الوطنية في تلك الدول من الدعاوى القضائية. وسيعطي هذا القانون المدعي العام الأميركي خيار مقاضاة الدول الأعضاء في أوبك+ مثل السعودية أو روسيا، أمام محكمة اتحادية. وفي نبرة تهديد مبطنة قال وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن إن بلاده تدرس “عددًا من خيارات الرد” في ما يتعلق بالعلاقات الأميركية – السعودية على خلفية قرار أوبك+ خفض إنتاج النفط، واصفا القرار بأنه “قصير النظر ومخيّب للآمال”. واستطرد وزير الخارجية الأميركي قائلا إن “بلاده لن تتخذ أي إجراء يضر بمصالحها”. أليكس كيماني: إذا قاضت واشنطن دولا أخرى فستواجه بتهمة التلاعب بالأسواق وحذر محللون كثيرون من أن مشروع القانون قد يؤدي إلى رد فعل غير مقصود، وقد ترد دول أوبك بطرق أخرى؛ إذ هددت السعودية على سبيل المثال في 2019 ببيع نفطها بعملات غير الدولار الأميركي إذا أقرت واشنطن نسخة من مشروع قانون نوبك. ولفت المحلل الاقتصادي أليكس كيماني، في تقرير لموقع أويل برايس الأميركي، إلى أنه إذا كانت واشنطن ستقاضي دولا أخرى بتهمة التواطؤ، فقد تواجه هي نفسها انتقادات بسبب محاولاتها التلاعب بالأسواق، على سبيل المثال، من خلال إطلاقها كميات نفط قياسية من احتياطيات الطوارئ بين مايو ونوفمبر. واعتبر كيماني أن من شأن مثل هذه الخطوة أن تخفّض نفوذ واشنطن في التجارة العالمية من خلال تقويض مكانة الدولار كعملة احتياطية رئيسية في العالم، مع إضعاف قدرة الولايات المتحدة على فرض العقوبات على الدول التي تعارض توجهاتها. كما قد يرد السعوديون بشراء أسلحتهم من مكان آخر، وبالتالي يُحرم مقاولو الدفاع الأميركيون من الأعمال المربحة. وكان البيت الأبيض قد ذكر الأربعاء أنه سيتشاور مع الكونغرس بشأن “أدوات وسلطات إضافية” لتقليل سيطرة أوبك+ على أسعار الطاقة، في إشارة إلى الدعم المحتمل لتشريع نوبك. ولا يزال من غير الواضح بالضبط ما إذا كان بالإمكان أن تنفذ محكمة فيدرالية أميركية قرارات قضائية لمكافحة الاحتكار ضد الدول الأجنبية. وتبحث أوروبا بدورها عن صيغة لمواجهة ارتفاع أسعار الغاز الروسي. ولئن كانت تدعم مشروع قانون نوبك الأميركي، فهي تتحرك لإنشاء كارتل مستهلكين يضغط بشكل جماعي بُغْية وضع سقف لأسعار الغاز الروسي، وكذلك أسعار النفط، والتمسك به ودفع موسكو إلى القبول بالأمر الواقع. ووضع رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي في وقت سابق من هذا العام خطة جذرية لاحتواء ارتفاع أسعار النفط. وطرح فكرة إنشاء كارتل يضم مستهلكي النفط في اجتماع مع جو بايدن من أجل زيادة القوة التفاوضية على غرار الطريقة التي اجتمعت بها أكبر الدول المنتجة للنفط من خلال أوبك للاتفاق على حصص إنتاج النفط السنوية. Thumbnail وقال دراجي “كلانا غير راضٍ عن الطريقة التي تسير بها الأمور، بشأن النفط بالنسبة إلى الولايات المتحدة والغاز بالنسبة إلى أوروبا. ليست للأسعار علاقة بالعرض والطلب”. ووفقا لمركز أبحاث بيروجيل في بروكسل أنفقت ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا (أربعة من أكبر اقتصادات الاتحاد الأوروبي) منذ سبتمبر 2021 ما بين 20 و30 مليار يورو لخفض أسعار الطاقة التي ارتفعت بشكل مصطنع. وهي بهذا تساعد على تمويل موسكو واستنزاف الأموال العامة والإضرار بالبيئة. وناقش دراجي وبايدن مسألة تطبيق سقف على أسعار الغاز بالجملة، وهي فكرة دفعت بها إيطاليا داخل الاتحاد الأوروبي. لكن العديد من القادة الأوروبيين عارضوا في البداية وضع حدود قصوى لأسعار النفط والغاز الروسيين. اقرأ أيضا: دول الخليج العربي: أمن الطاقة له ثمن يجب أن يُدفع ولم يتوصل الأوروبيون إلى اتفاق إلا مؤخرا لفرض حزمة جديدة من العقوبات على روسيا، بما في ذلك حظر النقل البحري للنفط الروسي إلى دول خارجية ما لم يتم بيع النفط بأقل من سعر معين. لكنهم كانوا أكثر تقبلا لفكرة إنشاء كارتل لمشتري الغاز بعد أن وافق الاتحاد الأوروبي في مارس على استغلال ثقله الاستهلاكي الكبير لافتكاك أسعار غاز أفضل. وصرحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين “لدينا نفوذ مهم. لذلك يجب أن نضع ثقلنا المشترك بدلا من المزايدة على بعضنا البعض ورفع الأسعار”. وفي الآن نفسه اقترح مايكل بلوس، عضو البرلمان الأوروبي من حزب الخضر الألماني، أن على الاتحاد الأوروبي إنشاء كارتل لمستهلكي النفط مع دول أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان وكوريا الجنوبية التي تمثل “حصة كبيرة من استهلاك النفط” في السوق العالمية. وصرّح “إذا قالوا معا إن هذا هو السعر الذي سندفعه وليس أكثر، فسيتعين على البائعين الالتزام به… يحتاج هذا الظرف الخاص إلى إجراء خاص”.
مشاركة :