اليابان وأزمة الثقة بعد آبي

  • 10/11/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لم يكن لأحد أن يتوقع أن تتدهور شعبية رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا إلى هذا الحد بعد فترة وجيزة من انتصار الحزب الديمقراطي الليبرالي في انتخابات يوليو لاختيار أعضاء مجلس الشيوخ في البرلمان الياباني. حتى وقت قريب، كانت مستويات شعبية حكومة كيشيدا مرتفعة على نحو ثابت، لكن ارتباطات الحزب الديمقراطي الليبرالي بجماعة دينية مثيرة للجدل، إلى جانب جنازة رئيس الوزراء السابق آبي شينزو الرسمية الباهظة التكلفة، تسببت في زعزعة قاعدة كيشيدا السياسية، ما عرض للخطر التعافي الاقتصادي الهش في اليابان. السببان الرئيسيان وراء انخفاض مستويات شعبية كيشيدا مترابطان، فبعد اغتيال آبي أثناء حدث انتخابي في نارا في يوليو، أفادت المنافذ الإعلامية أن قاتله كان يضمر رغبة شخصية في الانتقام ضد كنيسة التوحيد، الحركة الدينية التي أصبحت علاقاتها الوثيقة بالمشرعين في الحزب الديمقراطي الليبرالي الآن في قلب فضيحة سياسية كبرى. كانت علاقات الحزب الديمقراطي الليبرالي بكنيسة التوحيد والجدل الذي أحاط بجنازة آبي الرسمية من الأسباب التي دفعت كثيرين إلى فقدان الثقة في الحكومة. يأتي تدهور شعبية كيشيدا في وقت أصبحت الثقة الشعبية مطلوبة لمحاربة التضخم. لا يبشر هذا بخير للاقتصاد الياباني، الذي تعافي من جائحة كورونا ببطء مقارنة بأغلب الاقتصادات المتقدمة. عاد الناتج المحلي الإجمالي الياباني إلى مستويات ما قبل الجائحة في النصف الأول من عام 2022، بعد عام واحد من الولايات المتحدة. وعلى الرغم من ازدياد مؤشر أسعار المستهلك في اليابان بأكثر من 2 % طوال خمسة أشهر متتالية، وهو ارتفاع حاد وفقاً للمعايير اليابانية، فإن الطلب الكلي يظل أضعف من أن يسمح لبنك اليابان بإلغاء السياسة النقدية المفرطة التساهل التي أبقى عليها منذ أطلق آبي برنامجه الاقتصادي («اقتصاد آبي») في عام 2013. مع إقدام بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي على رفع أسعار الفائدة لترويض التضخم، تسبب تباعد السياسة النقدية في انخفاض قيمة الين بسرعة. وبسبب التباطؤ الاقتصادي في الولايات المتحدة والصين، الشريكين التجاريين الرئيسيين لليابان، يتعين على اليابان أن تبتكر سياسات الاقتصاد الكلي التي تستهدف تعزيز الطلب. ينبغي لصناع السياسات في اليابان أيضاً الضغط على أصحاب العمل لحملهم على زيادة الأجور بما يتماشى مع التضخم، كما فعل كيشيدا عدة مرات، وخاصة في صناعات رعاية كبار السن، ورعاية الأطفال، حيث الـغَـلَـبة لحضور القطاع العام. تكمن المشكلة الأساسية في توقعات التضخم الغريبة والمحافظة في اليابان، والتي يمنع تشكيلها معدل التضخم من الارتفاع. للتخفيف من هذا ينبغي لصناع السياسات أن يعكفوا على بناء استراتيجية قادرة على تغيير عقلية عامة الناس، على سبيل المثال، من خلال توليد روايات إيجابية حول الاقتصاد في ظل معدل تضخم معقول. أفضت زيادات الأجور البطيئة وشبه الانكماش إلى عقود متواصلة من الركود الاقتصادي، والآن حان وقت تغيير المسار. مع فشل إصلاحات عصر آبي البنيوية ــ «السهم الثالث» في جعبة اقتصاد آبي ــ في تعزيز النمو الاقتصادي، بات لزاماً على صناع السياسات في اليابان تنفيذ سياسات داعمة للنمو أكثر فعالية. لتحقيق هذه الغاية، ينبغي لهم أن يعملوا على إنشاء آلية حكومية يمكن التعويل عليها لدعم الزخم الإصلاحي، كما اقترحت مجموعة أعمال بارزة في أغسطس، وتفويض التحسين المستمر للسياسات المعمول بها، استناداً إلى مراقبة تأثيرها. يتطلب توجيه الاقتصاد الياباني عبر الاضطرابات العالمية الحالية التحلي بالحكمة والشجاعة، ولكن من المؤسف أن كلا العنصرين غير متوفر. بعد انتخابه العام الماضي، كان من المتوقع أن يتعاون كيشيدا مع آبي، زعيم أكبر فصيل في الحزب الديمقراطي الليبرالي، في تفعيل أجندته الاقتصادية. لكن وفاة آبي المفاجئة أوجدت فراغاً سياسياً معوقاً. ماذا يفعل كيشيدا إذن لاستعادة ثقة الجماهير؟ بادئ ذي بدء، يمكنه حل مجلس النواب في البرلمان الياباني والإعلان عن انتخابات مبكرة. وفي ظل ضعف المعارضة إلى الدرجة التي تعجز معها عن تحدي الحزب الديمقراطي الليبرالي، يستطيع كيشيدا الفوز، لكن هذا لن يساعده في التغلب على عقبة عجز الثقة. لتحقيق هذه الغاية، ينبغي له أن يتخذ خطوات أكثر جرأة، مثل إعادة توزيع وزاراته وتعيين من تقل أعمارهم عن 60 عاماً فقط، على أن يكون نصفهم من النساء. ينبغي له أيضاً أن يعمل على اجتذاب الموظفين من القطاع الخاص، وهذا من شأنه أن يشير إلى انفصال واضح عن حكم الشيوخ في الحزب الديمقراطي الليبرالي، الذي يقرنه الناخبون بالحكم الهزيل والافتقار إلى الشفافية. تقدم أزمة الثقة الحالية أيضاً الفرصة للبيروقراطية اليابانية. أجبر نقص موظفي الخدمة العامة المخضرمين الهيئات الحكومية على البحث في أماكن أخرى عن المواهب بين الموظفين في منتصف حياتهم الوظيفية. ويتعين على القطاع العام في اليابان أن يبادر إلى تنفيذ إصلاحاته الخاصة. إن الخدمة المدنية الأكثر انفتاحاً وشفافية قادرة على اجتذاب المحترفين الشباب الموهوبين الطموحين مرة أخرى، وتعزيز الثقة في قادة اليابان. طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App

مشاركة :