يتطلب توجيه الاقتصاد الياباني عبر الاضطرابات العالمية الحالية، التحلي بالحكمة والشجاعة. لكن من المؤسف أن كلا العنصرين غير متوافر. بعد انتخابه العام الماضي، كان من المتوقع أن يتعاون كيشيدا مع آبي، زعيم أكبر فصيل في الحزب الديمقراطي الليبرالي، في تفعيل أجندته الاقتصادية. لكن وفاة آبي المفاجئة أوجدت فراغا سياسيا معوقا. ولا يساعد أسلوب كيشيدا في القيادة السلبية، كما أن البيروقراطية اليابانية ـ التي لا تزال مؤتمنة على صنع السياسات الفعلية ـ ليست في وضع يمكنها من تولي زمام القيادة. الأمر ببساطة أن قادة اليابان يبدون عدم الاستعداد لاتخاذ الخطوات الجريئة اللازمة. لم تكن هذه هي حال الاقتصاد الياباني دوما. ففي خمسينيات القرن الـ20، لعبت السياسة الصناعية الوطنية دورا بالغ الأهمية في رفع الاقتصاد الياباني من الخراب في زمن الحرب إلى الصدارة العالمية. في ثمانينيات وتسعينيات القرن الـ20 ساعد الدعم الحكومي اليابان على شق طريقها عبر حرب تجارية مع الولايات المتحدة. في أثناء إدارة آبي وخليفته يوشيهيدي سوجا، فرض مكتب رئيس الوزراء إرادته على عديد من الوزراء، حتى إنه تدخل في تعييناتهم التنفيذية. أربك هذا النهج في ممارسة السلطة، عديدا من المسؤولين رفيعي المستوى، حتى بات من المعتاد أن ينفذوا توجيهات رؤسائهم السياسيين، بصرف النظر عن مدى جدارتهم في صنع السياسات. على النقيض من ذلك، أعطى كيشيدا الوزراء مساحة أكبر. لكن إدارته عرضت البيروقراطية للضغوط من جانب ساسة المقاعد الخلفية في الحزب الديمقراطي الليبرالي، الذين استسلموا في الأغلب للضغوط من جانب المصالح الخاصة. علاوة على ذلك، يتعرض موظفو الخدمة المدنية على نحو مستمر للتخويف والترهيب من جانب الساسة من أحزاب المعارضة الذين يحاولون تسجيل نقاط سياسية عن طريق قصفهم بأسئلة تافهة في الأغلب أثناء جلسات البرلمان. تملك السأم من المسؤولين الحكوميين الأكثر شبابا إزاء إلزامهم بإبداء الاحترام المفرط لمديريهم السياسيين وشعورهم الدائم بالاستخفاف بقدرهم، فاتجهوا على نحو متزايد إلى الاستقالة من وظائف الخدمة العامة. وفقا لهيئة الأفراد الوطنية في حكومة اليابان، تزايد عدد الأشخاص الذين تركوا وظائف الصفوة بعد عشرة أعوام من الخدمة بنحو 43 في المائة خلال الفترة من 2013 إلى 2020. وفي حين كانت الجامعات المرموقة تخدم ذات يوم كقنوات تجنيد للموظفين الحكوميين المحتملين، فإن عدد طلاب جامعة طوكيو الذين اجتازوا امتحان القبول لوظائف الخدمة العامة الرفيعة، انحدر بما يقرب من النصف خلال الأعوام العشرة الأخيرة. ماذا يفعل كيشيدا إذن لاستعادة ثقة الجماهير؟ بادئ ذي بدء، يمكنه حل مجلس النواب في البرلمان الياباني، وإعلان انتخابات مبكرة. وفي ظل ضعف المعارضة إلى الدرجة التي تعجز معها عن تحدي الحزب الديمقراطي الليبرالي، يستطيع كيشيدا الفوز. لكن هذا لن يساعده للتغلب على عقبة عجز الثقة. لتحقيق هذه الغاية، ينبغي له أن يتخذ خطوات أكثر جرأة، مثل إعادة توزيع وزاراته وتعيين من تقل أعمارهم عن 60 عاما فقط، على أن يكون نصفهم من النساء. ينبغي له أيضا أن يعمل على اجتذاب الموظفين من القطاع الخاص. وهذا من شأنه أن يشير إلى انفصال واضح عن حكم الشيوخ في الحزب الديمقراطي الليبرالي، الذي يقرنه الناخبون بالحكم الهزيل والافتقار إلى الشفافية. تقدم أزمة الثقة الحالية أيضا الفرصة للبيروقراطية اليابانية. أجبر نقص موظفي الخدمة العامة المخضرمين الهيئات الحكومية على البحث في أماكن أخرى عن المواهب بين الموظفين في منتصف حياتهم الوظيفية. ويتعين على القطاع العام في اليابان أن يبادر إلى تنفيذ إصلاحاته الخاصة. إن الخدمة المدنية الأكثر انفتاحا وشفافية قادرة على اجتذاب المحترفين الشباب الموهوبين الطموحين مرة أخرى، وتعزيز الثقة بقادة اليابان. خاص بـ «الاقتصادية» بروجيكت سنديكيت، 2022.
مشاركة :