نجح ريجان وفولكر فيما فشل فيه كارتر في السيطرة على التضخم، لأنهما كانا على استعداد لدفع ثمن باهظ وهو، بطالة تجاوزت 10 في المائة في 1982، وأزمة دين عالمية أسقطت أكبر البنوك الأمريكية، وانتشار تراجع التصنيع، خاصة في الغرب الأوسط. ودافع اتجاه اقتصادي جديد ساد وقتها عن كل ذلك بالادعاء كذبا بأن السياسات التسعيرية كانت فاشلة على الدوام، ليبدأ عهد TINA "الأحرف الأولى من جملة باللغة الإنجليزية تعني لا يوجد بديل". عملت سياسات عصر ريجان أيضا على تعبيد الطريق لصعود الصين. فكما توضح أعمال إيزابيلا ويبر البحثية، اعتمدت استراتيجية الصين الاقتصادية في الثمانينيات على وضع ضوابط للأسعار مع تعديلات بطيئة، بصورة تشبه حال السياسات الأمريكية في الأربعينيات. بعد ذلك وفي التسعينيات ومع انهيار اقتصاد روسيا عقب تحرير الأسعار بشكل كبير ومفاجئ، الذي أطلق عليه وصف "الانفجار العظيم"، واصلت الصين السير في طريقها التدريجي، ما أتاح لصناعتها فرصة النضج، في الوقت الذي تراجعت فيه الصناعة الأمريكية. وها نحن الآن نسكن العالم الذي صنعه ريجان وفولكر والصين. فقد ظل التضخم منخفضا لأعوام كثيرة بسبب ركود الأجور وتدني أسعار البضائع المستوردة من الصين، "وهو ما ينطبق كذلك على أسعار الطاقة والسلع، بفعل قوة الدولار وازدهار الطاقة الصخرية لاحقا". لكن جائحة مرض فيروس كورونا كوفيد - 19 أربكت هذا العالم، ليفاجئنا بصدمة في أسعار النفط، ونواحي نقص في السيارات، وبعض البضائع الأخرى. ومن هنا جاء "التضخم" الأمريكي الحالي. تندرج أسعار النفط تحت الأسعار الاستراتيجية الحالية. ورغم التراجع الحالي في أسعار النفط بفعل المبيعات من احتياطي النفط الاستراتيجي الأمريكي، فإن هذا إجراء مؤقت فقط. بعد ذلك، تأتي قضيتا الرعاية الصحية وأسعار الأدوية التي ارتفعت إلى عنان السماء خصوصا. وقد يساعد على هذا الأمر وجود هيئة مشتريات عامة هنا، لكن يظل برنامج الرعاية الصحية للجميع، بضوابطه الواضحة للأسعار، حلا أفضل. كما يمكن لأي هيئة عامة ذات سلطة نسبية كبح جماح أسعار سلاسل التوريد المستمرة في الارتفاع، بوقف استغلال الأسعار الانتهازي، الذي يزيد الطين بلة. أخيرا، هناك قطاع الخدمات. إذ يجب رفع الأجور في هذا القطاع كإجراء عادل، ورغم احتمالية ظهور مثل تلك الزيادات في تدابير معالجة التضخم، فإن أثرها سيكون محدودا. وسيأتي أكثر الشكاوى صخبا من جانب هؤلاء الذين يميلون إلى أن تكون الخدمات المقدمة إليهم زهيدة الثمن على حساب حرمان مقدميها من الحصول على أجور لائقة. إذا أمكن حل مشكلات سلاسل التوريد، فمن المحتمل أن تخمد فورة التضخم الحالية أوائل الصيف المقبل، عندما تهبط في النهاية ارتفاعات العام الماضي الحادة في أسعار النفط والسيارات المستعملة من مستوياتها على مدار الـ12 شهرا الماضية. لكن إذا استمر التضخم، ينبغي للحكومة التدخل لإدارة الأسعار الاستراتيجية. وإذا أخفقت الحكومة في ذلك، سيكون أفضل خيار بعد ذلك الامتناع عن اتخاذ أي إجراء، والإعلان بشكل حاسم عن استخدام أدوات معززة للسياسات لحماية التشغيل الكامل للعمالة على حساب استقرار الأسعار، حسبما ينص القانون الأمريكي. أما الخيار الأسوأ فسيكون تمرير المشكلة إلى مجلس الاحتياطي الفيدرالي، الذي سيرفع أسعار الفائدة ويحارب التضخم بترك الأمريكيين عرضة للاستغلال من خلال القروض الطلابية والإيجارات والرهون وديون الرعاية الصحية، وطردهم من العمل في النهاية. هذا ما يدافع عنه عموم الاقتصاديين هذه الأيام، بينما هم عالقون في طريقة التفكير الرجعية السائدة منذ 40 عاما. خاص بـ «الاقتصادية» بروجيكت سنديكيت،
مشاركة :