شجعت عدة دول شركات أو قطاعات أنشطة محددة، باعتبارها شركات وطنية كبيرة ـ أشباه الموصلات في مقاطعة تايوان الصينية، والطاقة المتجددة في ألمانيا، والفضاء في فرنسا. رغم أن السياسة الصناعية نجحت أحيانا في إقامة شركات وطنية كبيرة، إلا أنها مثيرة للجدل. فالاقتصاديون يشعرون بالقلق من إمكانية أن يؤدي اختيار الأطراف الفائزة والخاسرة، إلى تشوهات السوق وعدم الكفاءة في تخصيص الموارد. مع ذلك، لا توجد أي بوادر تشير إلى تباطؤ عملية إعادة إحياء السياسة الصناعية. تصاعد القومية الاقتصادية والتوترات الجغرافية ـ السياسية يعني أن إقامة شركات وطنية كبيرة من المرجح أن تظل أحد أهداف سياسات الحكومات التي تسعى إلى تعزيز مصالحها الوطنية. في هذا السياق، فإن إطار المعضلة الثلاثية لاستراتيجية النمو المبين أدناه من شأنه أن يساعد صناع السياسات على تحقيق التوازن بين أهداف النمو الاقتصادي والاستقرار والشركات الوطنية الكبيرة على حد سواء. حول المعضلة الثلاثية لاستراتيجية النمو، يسلط الإطار الضوء على التحديات التي تواجه صناع السياسات عند تحقيق التوازن بين مطالب النمو الاقتصادي، واستقرار القطاع المالي والمالية العامة، وإقامة الشركات الوطنية الكبيرة. ويأتي تحقيق أي هدفين من هذه الأهداف على حساب التضحية جزئيا بالهدف الثالث، ما يجعل الأمر بمنزلة معضلة ثلاثية. فالحكومات التي تدعم الشركات الكبيرة الآمنة "الاستراتيجية أ" تعطي الأولوية لاستقرار القطاع المالي والمالية العامة، إلى جانب دعم الشركات الوطنية الكبيرة الآمنة. وتكون هذه الاستراتيجية أكثر تركيزا على الأمن القومي والحيطة والصلابة مقارنة بالمنافع التي يمكن جنيها من انتهاج استراتيجية أكثر صرامة. يركز دعم الشركات الكبيرة المخاطرة "الاستراتيجية ب" على النمو الاقتصادي واختيار الشركات الوطنية الكبيرة التي تقدم على تحمل المخاطر. وقد يعني هذا المنهج اهتماما أقل بالاستقرار بسبب زيادة المخاطرة أو انخفاض التركيز على الكفاءة والحوكمة ـ مع احتمال إلحاق الضرر بالنظام المالي وما يترتب على ذلك من تكاليف على المالية العامة. غير أن الحكومات التي تنتهج هذه الاستراتيجية تكون على استعداد لمبادلة زيادة مخاطر عدم الاستقرار مقابل ارتفاع النمو. من الصعب تحقيق الإصلاح المؤسسي في غياب ركيزة من التوافق في الآراء السياسية. أما منهج رأسمالية السوق العادلة "الاستراتيجية ج" فيعطي الأولوية للاستقرار مع النمو الاقتصادي ـ دون التركيز على الشركات الوطنية الكبيرة. وينصب التركيز على اقتصاد السوق الديناميكي، وحرية الدخول إلى السوق، والشركات التي تعمل في سوق عادلة وتنافسية. يتيح منهج رأسمالية السوق العادلة مسارا مختلفا لبعض أهداف الأمن القومي مقارنة بمنهج السياسة الصناعية. فمنهج رأسمالية السوق العادلة يشجع على تنويع سلاسل الإمداد العالمية على أساس التجارة المفتوحة والعادلة، وليس على أساس سباق تسلح اقتصادي. ويمكن أن يؤدي إلى زيادة الكفاءة والابتكار على المدى الطويل، مع الحد من مخاطر الاضطرابات في سلاسل الإمداد. لا تهدف هذه المفاضلات إلى مجرد اختيار هدف بدلا من الآخر، بل تحقيق توازن "مستمر" بين الأهداف الثلاثة. ويعتمد المنهج الأمثل على العوامل السياقية، بما في ذلك حالة الاقتصاد، وصحة النظام المالي، والضغوط الانتخابية، والبيئة الجغرافية ـ السياسية. قد تكون مكاسب الكفاءة في مصلحة استراتيجية رأسمالية السوق العادلة. مع ذلك، في الأغلب ما تستسلم الحكومات إلى الميل نحو إقامة شركات وطنية كبيرة. لماذا؟ قد يكون السبب هو سيكولوجية القيادة الوطنية والضغوط على قادة الحكومات... يتبع.
مشاركة :