من منا لا يتذكر كيف كنا نعاني من توفير رقم هاتف أرضي؟ وكيف كان المواطن يضطر إلى الانتظار سنوات للحصول على خدمة الهاتف المنزلي، حتى إن المواطنين يحتفلون مع جيرانهم حين تدخل الخدمة إلى بيوتهم، هذا المأزق والشح خلق آنذاك سوقاً سوداء تُباع فيها الأرقام حسب الحي والمقسّم، إلى درجة أن من يسكن في حي الرائد - على سبيل المثال - يضطر إلى دفع مبلغ خمسة وعشرين ألف ريال، وربما أكثر، لأن وزارة البرق والبريد والهاتف آنذاك، لا تستطيع تغطية طلبات المستفيدين. مع النمو السكاني الكبير. كذلك مَنْ منا لا يتذكر بدايات الهاتف المحمول، حينما اضطر المواطنون إلى دفع مبلغ عشرة آلاف ريال للوزارة، من أجل الظفر برقم جوال، وقبل ذلك كيف كان جهاز (البيجر) يتم بيعه في السوق السوداء بمبالغ طائلة! فماذا حدث حينما تم تخصيص خدمة الاتصالات؟ كل هذه العوائق والصعوبات، وغيرها من مشاكل توفير الخدمة للمواطنين، أصبحت من الماضي الغابر، ولم يعد أحدٌ يتذكّر ذلك، لأن الحصول على شريحة جوال أصبح بلا مقابل، والأرقام الثابتة أصبحت متاحة مجانًا، فضلاً عن أنه لم يعد أحدٌ يستخدمها! هذه المقدمة عن تخصيص قطاع الاتصالات، وغيره من الخدمات كالكهرباء والماء، يجعلني أتساءل لِمَ لا يتم خصخصة الصحة، هذه الخدمة الشائكة، لتتحول الدولة من مقدم للخدمة إلى منظم لها فقط، وتركها لشركات عالمية متخصصة في تشغيل المستشفيات، وما تصرفه الدولة من مليارات في ميزانياتها لقطاع الصحة، بتوفيرها رواتب الكوادر الطبية والعاملين في الصحة، وتشغيل المستشفيات، وغيرها، تخصصه أو تخصص بعضه، للتأمين الطبي الحكومي التكافلي للمواطن، وقتها ستتغير الخدمات الصحية خصوصاً إذا نجحت الدولة في تحويل هذا القطاع بشكل تدريجي مدروس، وأوكلت تشغيل هذا القطاع لشركات طبية منافسة وقوية، ذات تجارب عالمية، وبقيت هي كمنظم ومشرّع للعلاقة بين مقدم الخدمة والمستفيد، بشكل يجعل منها جهة رقابية فحسب! أفكر ماذا لو بادرت الحكومة بذلك، وخصخصت هذا القطاع تدريجيًّا على مدى سنوات، ألن يحل المشاكل المؤرّقة للمواطنين، خصوصاً في المواعيد الطبية التي تمتد لأشهر، ولسنوات أحيانًا؟ ألن يُقلل من مدد الانتظار لإجراء العمليات؟ ألن يُوفر أسرَّة للمرضى، سواء في أجنحة التنويم، أو في أقسام العناية المركزة في المستشفيات؟ ألن تتحول معاناتنا مع المستشفيات الحكومية المحزنة إلى مجرد ذكرى من الماضي الغابر، كما هو شأن خدمة الاتصالات قديمًا التي أشرت إليها في مطلع هذا المقال؟ أعتقد ذلك، فخصخصة الصحة هي الحل، بشرط أن تتم بوعي ودراسة، وعلى مدى سنوات، وبرقابة ومتابعة من وزارة الصحة، كجهة رقابية ومنظمة. مقالات أخرى للكاتب صمت المجتمع الدولي.. لا أخلاقي! دولة تتفنن في انتهاك القوانين! سنة لها رأس، وأقدام أيضاً ! كيف تصبح الرياض أجمل؟ لماذا صفّق الكونجرس؟
مشاركة :